وقع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، اليوم الأحد، على إعلان سياسي مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أكّدا فيه أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية في السودان، فيما وصف "تجمع المهنيين السودانيين" ما حصل بـ"اتفاق الخيانة".
وبحسب الإعلان السياسي، فإن مجلس السيادة السوداني سيتولّى الإشراف على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، كما ينص الإعلان على ضمان انتقال السلطة في موعدها إلى حكومة مدنية منتخبة، إضافة إلى إطلاق المعتقلين السياسيين السودانيين كافة.
وقال حمدوك في كلمته: "نستطيع أن نعيد السودان إلى الطريق الصحيح، مع توفر الإرادة والعمل المشترك"، معرباً عن أمله أن يساعد الإعلان السياسي على "فكّ الاختناق داخلياً وخارجياً، واستعادة المسار الديمقراطي".
وأضاف حمدوك: "لا بدّ من توافق على طريقة حكم السودان، ولا بد من التسليم بأن الشعب السوداني هو الحكم"، مشيراً إلى أن توقيعه على الإعلان "مبنيٌ على أساس حقن دماء السودانيين والتركيز على البناء والتعمير".
بدوره، قال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان: "عشنا أزمة فترة طويلة، واليوم أسسنا بشكل حقيقي لمرحلة انتقالية"، مؤكداً استكمال المسار الديمقراطي وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة.
وفي ما يلي أبرز ما جاء في الإعلان السياسي:
-
إلغاء البرهان قراره بإعفاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من منصبه رئيساً للوزراء.
-
تكون الوثيقة الدستورية لسنة 2019 تعديل 2020 المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية، مع مراعاة الوضعية الخاصة بشرق السودان والعمل سوياً على معالجتها في إطار قومي.
-
التزام الطرفين بضرورة تعديل الوثيقة الدستورية لاحقاً بما يحقق ويضمن مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.
-
الشراكة الانتقالية بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان.
-
إنفاذ الشراكة بروح وثقة، مع الالتزام التام بتكوين حكومة تكنوقراط مستقلة، على أن يكون مجلس السيادة مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية من دون تدخل مباشر في العمل التنفيذي.
-
إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى المدنية والعسكرية.
-
إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والإسراع في استكمال مؤسسات الحكم، وأهمها المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، وتعيين رئيس للقضاء والنائب العام.
-
إعادة هيكلة لجنة التمكين ومراجعة أدائها في الفترة السابقة، مع رفدها بالكوادر والخبرات ومراجعة قراراتها، وفقاً لعمل لجنة الاستئناف ودرجات التقاضي الأخرى.
-
التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات من إصابات ووفيات، مع الالتزام باتفاق جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة.
-
ضمان انتقال السلطة الانتقالية في موعدها إلى حكومة مدنية منتخبة، وإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية السياسية والمدنية والمكون العسكري.
ويأتي هذا وسط تظاهرات لآلاف السودانيين في العاصمة الخرطوم، في استمرار لـ"التصعيد ضد الانقلاب العسكري، ورفضاً لأي مساومة سياسية مع العسكر".
"تجمع المهنيين السودانيين": اتفاق الخيانة وشرعنة الانقلاب
وفي أول تعليق على اتفاق الإعلان السياسي، وصف "تجمع المهنيين السودانيين" ما حصل بـ"اتفاق الخيانة"، رافضاً الإعلان "جملة وتفصيلاً، فهو مجرّد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري، وانتحار سياسي للدكتور عبد الله حمدوك".
وأضاف "نقاط اتفاق الخنوع، على علاتها وانزوائها بعيداً دون تطلعات شعبنا، فإنها لا تعدو كونها حبراً على ورق"، مشيراً إلى أن "هذا الاتفاق الغادر هو تلبية لأهداف الانقلابيين المعلنة في إعادة تمكين الفلول وتأبيد سلطة لجنة البشير الأمنية القاتلة، وخيانة لدماء شهداء ثورة ديسمبر/ كانون الأول قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر".
وتابع "إننا في تجمّع المهنيين السودانيين متمسكون بمقترح الإعلان السياسي الذي تقدمنا به لقوى الثورة، وتنطلق مواقفنا من ذلك الإعلان الذي ندعو كل قوى الثورة لإعادة قراءته على ضوء المستجدات، فثورة شعبنا ليست رهناً لأفراد، وعلى قواها الحية الملتزمة بلاءاتها المعلنة أن ترفع وتوسِّع من أشكال تنسيقها وأن تتجاهل دعوات الانكفاء وعزل قوى الثورة عن بعضها، فالنصر معقود بلواء تكاتف وتكامل قوى الثورة الظافرة، وهو آتٍ دون ريب".
ترحيب أممي
رحّبت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال السياسي في السودان بالاتفاق السياسي، وشددت البعثة على أهمية حاجة شركاء الانتقال إلى معالجة القضايا العالقة على وجه السرعة لإكمال الانتقال السياسي بطريقة شاملة، مع احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وحماية النظام الدستوري للحفاظ على الحريات الأساسية للعمل السياسي وحرية التعبير والتجمع السلمي، وتلبية المطالب الشعبية.
وأبدت البعثة الأممية أسفها الشديد لوقوع ضحايا خلال الأسابيع الماضية، مطالبة بتحقيقات شفافة ومساءلة لضمان العدالة لأرواح الضحايا.
مقتل متظاهر
قالت لجنة الأطباء المركزية إن يوسف عبد الحميد، 16 سنة قتل بعد إصابته برصاص حي في الرأس في تظاهرة خرجت بمدينة أمدرمان الرافضة للانقلاب العسكري والتسوية معه. واتهمت اللجنة "مليشيات الانقلابيين متعددة الأسماء والمهام والأشكال بالتورط في الحادث"، وبذلك يرتفع عدد القتلى المؤكدين من جانب اللجنة منذ الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول إلى 41 شخصاً.
وجاء مقتل المتظاهر بعد ساعات قليلة من توقيع البرهان وحمدوك على اتفاق سياسي، وكشفت اللجنة عن وجود عدد كبير من الإصابات بالرصاص الحي وحالة بعضهم حرجة، ويجرى الآن علاجهم وحصرهم.
مصر ترحّب باتفاق حمدوك والبرهان
من جهتها، رحّبت مصر بتوقيع الاتفاق السياسي، وقالت الخارجية المصرية في بيان إن مصر "تشيد في هذا الإطار بالحكمة والمسؤولية التي تحلّت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا".
كذلك أعربت عن "أملها في أن يمثل الاتفاق خطوة نحو تحقيق الاستقرار المستدام في السودان، بما يفتح آفاق التنمية والرخاء للشعب السوداني الشقيق".
شكوك في فرص نجاح الاتفاق
ويرى أستاذ القانون الدولي المصري أيمن سلامة صعوبة في تحقيق الاستقرار السياسي في ظل الظروف الحالية، ويقول في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "الشراكات العسكرية المدنية في العالم العربي دوماً ما تكون ملتبسة وتحيط بها هالات من الشك والريبة. وتثور المشاكل دوماً حينما يمارس الجيش دوراً غير اعتيادي". مضيفاً أنه "حينما يتداخل عمل الجيش مع إدارة الدولة وما تقوم بها في اتخاذ قراراتها السياسية سنكون أمام مشكلة كبرى، وبالتالي فإن أكبر المعضلات وأشدها عمقاً هو عندما تكون منظومة الحكم مؤلفة من القطاع العسكري".
وبحسب سلامة فإنه "لا يجب أن تقدم المؤسسات العسكرية وأفرعها الأمنية والاستخباراتية على حساب المؤسسات ذات الجوانب السياسية والقانونية والثقافية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني خاصة في مراحل التحول إلى الديمقراطية والمثال الصارخ هنا هو الحالة السودانية".
ويؤكد أستاذ القانون أن "الضعف المؤسسي والهيكلي الدستوري لمؤسسات وهيئات الدولة في السودان، بعد الحقبة الاستبدادية التي ناهزت 30 عاماً من حكم البشير المخلوع عام 2019، ألقى بظلاله على المشهد الحالي في الشراكة المدنية العسكرية". قائلاً إنه "بلغة الأرقام ومنذ خلع البشير ونظامه شهدت الساحة السياسية والدستورية في السودان إصدار العديد من المواثيق والاتفاقات السياسية والإعلانات الدستورية بين مختلف المكونات العسكرية والمدنية في الجمهورية، ولكن لم تكن هناك الإرادة والنية الحسنة في التنفيذ الصارم لكافة هذا المواثيق التي كانت من المفترض أن تمهد لانتقال ديمقراطي سلس في أخطر حقبة تخبر بها الدول وهي التحول الديمقراطي".
وأضاف سلامة أن "تدهور الدستور وضعف المؤسسات الدستورية التي تهدف إلى كبح جماح النزاعات والتوجهات التسلطية وتسعى دوماً إلى إكساب المؤسسات السياسية الثبات والاستمرارية، يعتبر مؤشراً واضحاً على عدم الاستقرار السياسي، وحين نتحدّث عن تدهور المؤسسات الدستورية فإنما يقصد بها "عدم احترام الدستور"، وهو ما يشتمل على عدم وجود رقابة دستورية فعالة على ذلك الدستور، ولذلك يكون تفسيره فاسداً ويتعطل دوره كما حدث في السودان من قبل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان".
وتابع قائلاً إن "توالي الدساتير وتغييرها السريع أو تعطيل موادها أو العمل بها كلياً يعبر أيضاً عن عدم الاستقرار السياسي. هذا بالإضافة إلى انتشار ثقافة العنف، وهي مشكلة تكمن في عدم اقتصارها على نظام الحكم فقط أو الشعب فقط وإنما تنتشر بين أفراد المجتمع حكّاماً ومحكومين، لتصبح بعد ذلك منظومة اجتماعية وسياسية يصعب الخروج منها".