خطا السودان، اليوم الثلاثاء، خطوة أخرى في مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بمصادقة مجلس الوزراء على إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل الصادر قبل أكثر من 63 عاماً.
وأكثر ما يلفت الانتباه في الخطوة هو صدورها عن مجلس الوزراء المدني، الذي ظل طوال أكثر من عام يُعلن ويؤكد ويتعهد بترك ملف التطبيع برمته للمجلس التشريعي الانتقالي ليقرر فيه، لكنه لم يلتزم بتعهده، ما يظهر مدى التماهي العسكري والمدني حول قضية التطبيع المثيرة للجدل.
ولم يقدم مجلس الوزراء أي تبريرات في بيان أصدره ووزعه على وسائل الإعلام لموقفه، واكتفى فقط بتأكيد "موقف السودان الثابت تجاه إقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين"، كما لم تتضح حتى الآن مواقف أحزاب سياسية شريكة في الحكم، وممثلة في مجلس الوزراء، ولديها مواقف مبدئية من التطبيع، مثل حزب "الأمة" القومي، الممثل بستة وزراء، وحزب البعث القومي بفصائله المختلفة، كما لم تتضح مواقف أحزاب أخرى في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الحاكم الرافضة للتطبيع مع إسرائيل.
وصدر قانون مقاطعة إسرائيل في العام 1958 أثناء حكم رئيس الوزراء عبد الله خليل، الموالي لحزب الأمة القومي، ويتكون من 7 مواد أساسية تحظر جميعها كافة أشكال التواصل مع إسرائيل. ويحدد القانون عقوبات للمخالفين تصل إلى السجن 10 سنوات، أو غرامة مالية تحددها المحكمة، أو العقوبتين معاً.
وقفز السودان نحو التطبيع مع إسرائيل بشكل علني لأول مرة في فبراير/ شباط من العام الماضي، بلقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو اللقاء الذي قُوبل باعتراض الحكومة المدنية التي اعتبرت تصرف البرهان تجاوزاً لصلاحياته وانتهاكاً لمهام مجلس الوزراء نفسه، كما أكدت أن الموضوع برمته يحتاج إلى موافقة حكومة منتخبة، وليس حكومة انتقالية بمهام محددة، لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك بحديثها عن ترك الملف للبرلمان الانتقالي.
صدر قانون مقاطعة إسرائيل في العام 1958 أثناء حكم رئيس الوزراء عبد الله خليل، الموالي لحزب الأمة القومي، ويتكون من 7 مواد أساسية تحظر جميعها كافة أشكال التواصل مع إسرائيل
وتحت ضغط الإدارة الأميركية السابقة، واشتراطها التطبيع مقابل شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مضافاً إليه التشجيع الإماراتي للسودان، بدأ مجلس الوزراء يقدم تنازلات، أبرزها مشاركة رئيسه عبد الله حمدوك في مكالمة هاتفية رباعية جمعته برئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
ومع كل تلك التطورات، لم تجد الحكومة، بشقيها المدني والعسكري، معارضة قوية لخطواتها نحو التطبيع، باستثناء أصوات تيارات دينية محسوب معظمها على النظام السابق، وهذا ما أغراها إلى المضي قدماً في الاتجاه الذي رسمته أو المرسوم لها.
ويقول كمال كرار، القيادي بالحزب الشيوعي السوداني، إن "مصادقة مجلس الوزراء اليوم لا قيمة لها، لأن الحكومة لا تملك أي تفويض لتمضي في مسار التطبيع مع إسرائيل"، مشيراً إلى أن "الحكومة الحالية تنفذ أجندة خارجية لمحاور إقليمية، في تناقض واضح مع ميثاق الحرية والتغيير الذي نصّ على إبعاد المحاور من الشأن السوداني الداخلي".
وعبر كرار، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن خيبة أمله في مجلس الوزراء المدني، الذي قال إنه "بات ينفذ أجندة العسكر دون امتلاكه لقراراته"، مؤكداً أن "الحزب الشيوعي يرفض كل تلك الإجراءات وما يتبعها من تنفيذ لمشاريع إمبريالية في المنطقة، ومخطط إعادة هندسة خريطة الشرق الأوسط"، محذراً من "الثمن الغالي الذي سيدفعه السودان بعد ذلك"، وراهن على "بروز معارضة قوية من كل الشعب السوداني للتطبيع سياسيا وشعبيا".
ويتفق إدريس سليمان، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض، مع ما ذهب إليه كمال كرار، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "المسؤولين في الحكومة السودانية من العسكر والمدنيين تورطوا في التطبيع رغم وجود قانون مقاطعة إسرائيل، ما يجعلهم عرضة للمحاكمة بنصوص القانون نفسه، لأنهم حينما تواصلوا مع العدو الصهيوني كان القانون ساري المفعول ولم يحترموه".
وفسر سليمان ما أقدمت عليه الحكومة "كشكل من أشكال التخبط السياسي والتشبث بأوهام المجتمع الدولي والاستقواء بالخارج، وعدم الاحتفاظ بالمبادئ"، لافتاً إلى أن "الحكومة تخالف حتى سياسات ومبادئ الأحزاب المشكلة لها".