تابع الشعب السوداني باهتمام تطورات معركة "طوفان الأقصى" رغم استمرار التصعيد في الجبهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق مختلفة من البلاد، بما في ذلك الخرطوم ولاية الجزيرة ومدينة نيالا، غرب البلاد.
وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا تعبر فيه عن قلقها العميق إزاء التطورات الجارية في فلسطين المحتلة. وأكد البيان أن القضية الفلسطينية تظل جوهر الصراع في الشرق الأوسط، مشددة على أن "السودان يدعو دائمًا إلى ضرورة حل هذه القضية وفقًا للقرارات الدولية وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة".
وأشارت الوزارة إلى أن تقاعس المجتمع الدولي وتجاهله للقضية الفلسطينية، بما في ذلك عدم تحقيق تقدم في مسألة حل الدولتين، يمكن أن يؤدي إلى استمرار العنف والتوترات في المنطقة، محذرة من أن عدم العمل على حل هذه القضية سينذر بحقبة جديدة من عدم الاستقرار بكلفة باهظة.
وأعادت الوزارة التأكيد على دعم السودان للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة ودعت إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وحماية المدنيين الأبرياء.
وأثار بيان الخارجية السودانية انتقادات واسعة من قبل أطراف سياسية وشعبية، حيث اعتبر البعض أنه لم يكن كافيًا بالمقارنة مع بيانات صدرت عن أحزاب سياسية أخرى، مثل حزب الأمة القومي وحزب البعث العربي الاشتراكي والمؤتمر الشعبي.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان تبنى محاولات التطبيع مع إسرائيل والتي بدأت بلقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمدينة عنتبي الأوغندية في الرابع من فبراير/شباط 2020 رغم اعتراضات حكومة رئيس الوزراء حينها عبد الله حمدوك. وبعد انقلابه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، سعى البرهان لمواصلة ما بدأه حيث تواصلت التفاهمات بين الجانبين وتوجت بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين للخرطوم في فبراير/شباط الماضي.
وفي سياق ردود الفعل، أصدر حزب الأمة القومي بيانًا رسميًا استنكر فيه هذه "العمليات العدوانية على قطاع غزة"، وأكد على حق الشعب الفلسطيني المشروع في مقاومة الاحتلال والرد على انتهاكاته الجسيمة. وشدد الحزب على ضرورة تحميل المجتمع الدولي إسرائيل مسؤولية احترام القانون الدولي ووقف عدوانها المتكرر على الشعب الفلسطيني. وأعرب عن تضامنه الكامل مع الشعب الفلسطيني في مساعيه لاستعادة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة مع القدس عاصمة لها.
من جهة أخرى، رأى حزب المؤتمر الشعبي أن "طوفان الأقصى جاء كرد صارم على التصاعد الصهيوني الذي شهدناه في الاعتداءات الدموية والتشريد والانتهاكات للفلسطينيين، بالإضافة إلى الاعتداء على المقدسات الإسلامية، بما في ذلك المسجد الأقصى الشريف".
وأضاف حزب المؤتمر الشعبي أن الحدث أظهر قوة وإصرار الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وكسر تصورات إسرائيل العسكرية والسياسية. وشطب هذا الحدث نظريات التطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا أن "الشعب الفلسطيني قام بواجبه الطبيعي في المقاومة واستعادة أراضيه المنهوبة ورفع شعار السيادة، وأنه لا يوجد شيء مستحيل تحت الشمس".
وفي ما يخص محاولات التطبيع مع إسرائيل، أوضح الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، لـ"العربي الجديد"، أن "ما قامت به حماس لم يكن سهلاً على الإطلاق، وأنه فتح الباب أمام الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات بكل شجاعة واستمرار في مسار المقاومة".
واستنكر عمر التطبيع مع إسرائيل، وأكّد أنّ "هذه التطورات تجاهلت عملاء إسرائيل ومناصري التطبيع، وأن البرهان اكتشف بعد جهده المضني للتطبيع منذ ثلاث سنوات أنه لم يستفد شيئاً سوى خذلانه للسودانيين وها هو يستمع ويشاهد الدرس البليغ من فلسطين، ولن ينفعه شيء بعد الآن حتى ولو تراجع عن التطبيع".
بدوره، أعرب رئيس تنظيم "سودانيون ضد التطبيع" مظفر الدقيل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن تأييده للعملية التي قامت بها حركة "حماس"، قائلاً إن "العملية التي أطلقتها حماس تأتي في إطار الردّ على الانتهاكات المستمرة ضدّ الفلسطينيين وعمليات العدوان على المسجد الأقصى ومحاولات تجريفه وتهويده، فالعدو الإسرائيلي تمادى وكان لا بد من فعل يوازي هذا التمادي".
وأشار إلى أن هذا العمل يأتي كردّ على الانتهاكات المستمرة ضدّ الفلسطينيين والهجمات المتكررة على المسجد الأقصى، وأكد أن العدو الإسرائيلي تجاوز الحدود، وكانت هناك حاجة ماسة لرد قوي كهذا.
وأشار إلى أن "طوفان الأقصى" يظهر بوضوح هشاشة الكيان الصهيوني وتهاويه أمام إرادة وعقيدة الشعب الفلسطيني، ورأى أن التقدم التكنولوجي والتسليح المستمر واتفاقيات التطبيع والتحالفات السياسية لن تمنع العدو الإسرائيلي من مواجهة المقاومة والسعي إلى تحرير الأراضي الفلسطينية والحفاظ على المقدسات الإسلامية.
من جهة أخرى، حمل أستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية في الجامعات السودانية، اللواء المتقاعد محمد خليل الصائم، في حديث مع "العربي الجديد"، حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة مسؤولية التصعيد الأخير، نتيجة استفزازاتها المتكررة في القدس والمسجد الأقصى.
ورأى أن "العملية كانت ناجحة عسكرياً على الرغم من النقص في المعدات، وستكون لها تداعيات مستقبلية مهمة، بما في ذلك تبادل الأسرى واحتمال تصاعد الضغوط على حكومة نتنياهو".
وأشار إلى أن العملية "ستكون لها نتائجها وظلالها المستقبلية، خاصة ما يلي عملية تبادل الأسرى، وستشكل بداية انهيار دولة الكيان الصهيوني، وعما قريب ستسقط حكومة نتنياهو"، واستنكر مواقف "الجانب الأميركي المخيب للآمال كالعادة، حيث تظهر ازدواجية المعايير في التعاطي مع القضايا العربية والإسلامية".
وبرأيه، فإن "السودان لن يمضي بعد اليوم في عملية التطبيع ولا خيار أمام البرهان سوى دعم الموقف الشعبي الرافض للتطبيع، والداعم لحق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه"، متوقعاً تراجع عدد من دول محور التطبيع عن خطواتها.