يلجأ الفاعلون السياسيون في ليبيا، سواء في حالات الاختناق وتضاؤل الخيارات لديهم أو في أول طريقهم نحو الانخراط في حلبة الصراع، إلى توجيه الخطاب إلى الشعب والعناية بمطالبه والاستماع إلى رأيه وتوزيع الوعود، ليحصلوا على الشرعية المطلوبة بداية وليصنعوا خطاً للعودة إليه كلما ساءت أحوالهم.
لا يبدو أن ظهور نجل ولي عهد الحكم الملكي السابق في ليبيا، محمد الرضا السنوسي، أخيراً، يخرج عن الإطار العام الذي برز من خلاله غيره في مشهد البلاد المعقد، فهو الآخر انخرط في لقاءات مباشرة مع قيادات قبلية وسياسية ثم مع وفد من مدينة درنة استمع إليه، حتى تمكن من رسم "صورة معبّرة ومؤثرة عن مدى الدمار الذي لحق بالمدينة وأهلها"، حسب ما كتب على حسابه على "إكس" (تويتر سابقاً).
ومع أن السنوسي أكد قبيل ظهوره المفاجئ داخل ليبيا بعد عقود من سقوط العرش السنوسي، أن مبادرته "لا تستهدف عودة نظام أو استعادة عرش"، إلا أن انطلاقه من شرق البلاد، الحاضنة التاريخية والقبلية لعرش أجداده السنوسيين، قد يُشعر بغير ذلك، خصوصاً أن مطالب الفدرالية والعودة للشرعية الدستورية انطلقت قبل سنوات من المنطقة نفسها، وأغلب من يقف وراء تلك المطالب هم من المكونات الذين أطلقوا حكومة المكتب السياسي لإقليم برقة عام 2013.
لم يعلن السنوسي حتى الآن عن تفاصيل مبادرته، لكن قوله قبل بداية سلسلة مشاوراته الحالية، في كلمة مرئية بمناسبة ذكرى الاستقلال الليبي في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن أساسها إعادة تفعيل دستور الاستقلال عام 1951، قد يجلي بعض ملامحها، فنظام الحكم في ذلك الدستور نظام ملكي وراثي، تمثل مناطق شرق البلاد قاعدة انطلاقه التاريخية.
لكن كيف ستجيب مبادرة السنوسي، مهما كانت تفاصيلها وهي تحمل ملامح العودة للنظام الملكي، عن أسئلة كبرى، ليس أقلها كيف سيقبلها خليفة حفتر المتمسك بقوة الحديد والنار بموقعه وطموحه للسلطة، وعقيلة صالح ومجلس الدولة وعبد الحميد الدبيبة وغيرهم الذين تمكنوا من الالتفاف على كل المحاولات لإقصائهم، وماذا عن المتدخلين الإقليميين والدوليين النافذين في مفاصل الأزمة في البلاد؟
وأكبر الأسئلة التي قد تحرج السنوسي وتكشف سريعاً عن هدف مبادرته، هو ما التصور الذي تحمله حقيبته لملف الانتخابات، خصوصاً الانتخابات الرئاسية، وهي عقدة العملية السياسية الحالية؟ فدستور عام 1951 يحوي كل التفاصيل حول الانتخابات البرلمانية وكيف تتشكل الحكومة، لكن في ظل الحكم الملكي الوراثي لا وجود لانتخابات رئاسية.
مقابل هذه الأسئلة الصعبة، قد لا يبدو من سيناريو مرجح سوى أن السنوسي يتجهز ليكون طرفاً جديداً في مشهد الأطراف المتعددة المتصارعة والمتنافسة، وإطلاق مشاوراته في أوساط شرق البلاد لا يهدف إلا للبحث بين مكوناتها القبلية عن إرث قديم يعطي شرعية لوجوده وحراكه.