السلطة في الجزائر أمام مبادرات القوى السياسية: لا رد ولا تفاعل

04 سبتمبر 2023
السلطة التي تملك مفاتيح المشهد السياسي هي التي يجب أن تبادر بإطلاق حوار (العربي الجديد)
+ الخط -

تلتزم السلطة السياسية في الجزائر الصمت إزاء مبادرات سياسية أطلقتها قوى وطنية معارضة وموالية، وأخرى تدعوها إلى القيام بخطوات، وأن تبادر بفتح حوار وطني. لم تعلق السلطة على هذه المبادرات حتى الآن، وتتباين توقعات الفاعلين السياسيين، فهناك من يتوقع من السلطة إبداء قدر من التفاعل بأي شكل كان مع ما تطرحه الأحزاب والكتل السياسية والمدنية، خاصة في ظروف داخلية وإقليمية حساسة، وهناك من يرى أن السلطة، التي اعتادت تجاهل هذا النوع من المبادرات أو تعاملت معها بنوع من المجاملة السياسية لا غير، لن تجد نفسها ملزمة بأي خطوة تجاه مطالب القوى السياسية.

في 19 أغسطس/آب الماضي، أطلقت كتلة أحزاب الحزام الحكومي، وأبرزها: حركة البناء الوطني، وجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، مدعومة بعدد من النقابات والتنظيمات المدنية، مبادرة سياسية تحت عناوين، "الجبهة الوطنية في الداخل"، و"حماية البلاد من مخاطر خارجية"، و"دعم سياسات الرئيس تبون"، و"اسناد مؤسسات الجيش والأمن القومي"، و"تحسين المستوى المعيشي وإصلاح السياسات الاقتصادية"، فيما أعلنت جبهة القوى الاشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر، عن مبادرة سياسية موازية، تتضمن إجراء مشاورات سياسية موسعة تتيح صياغة وثيقة توافق وطني، لتحرير المجالات السياسية والإعلامية، والاتفاق على خطة إصلاحات اقتصادية واجتماعية.

"لا رد"، "لا تفاعل"، يظل هذا هو رد الفعل الأبرز لتعاطي السلطة مع المبادرات القائمة، إلى أن يثبت خلاف ذلك، لكن القيادي في حركة البناء الوطني كمال بن خلوف يبدي تطلعاً كبيراً لأن تتفاعل السلطة مع المجهود الذي تقوم به القوى السياسية، خاصة أنه مجهود يعزز من نقاط تجميع الجبهة الداخلية.

وقال بن خلوف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن للسلطة "تقييمها وتقديراتها، لكني لا أعتقد انها ستتجاهل هذه المبادرات، لأنه سواء كان المبادرون متوافقين مع السلطة أو معارضين لها، فليس أمام السلطة إلا أن تتفاعل مع ما تطرحه القوى السياسية، لأنها لا تعيش خارج الزمن السياسي. قد يكون التفاعل مباشراً أو غير مباشر، هذا يعتمد بالأساس على ما تقدره السلطة، لكنها في النهاية مجبرة بشكل أو بآخر على أن تتفاعل سلبا أو إيجابا، وهذا ما سيتوضح مع الأيام".

وأضاف: "أتصور أن السلطة بحاجة إلى هذا التلاحم وإلى عامل المبادرة، إلى هذا النقاش السياسي. سبق للرئيس عبد المجيد تبون أن أعلن دعمه لحرية المبادرة السياسية، وأعطى إشارات إيجابية بأنه مستعد للتفاعل مع أية مبادرة تكون في خدمة الوطن، وتسهم في توحيد المواقف إزاء القضايا الداخلية والخارجية".

مخاوف المعارضة

يبني بن خلوف تقديره لموقف السلطة من تلك المبادرات السياسية على تفاعل إيجابي أبداه الرئيس عبد المجيد تبون في تجارب ماضية، عندما استقبل وفداً من مبادرات قوى الإصلاح في أغسطس 2020، ومبادرة "تكتل الوطن" التي طرحتها قوى من المجتمع المدني صيف عام 2021، واستقبل قادة أحزاب السياسية، بما فيها أحزاب معارضة، كجبهة القوى الاشتراكية وحزب جيل جديد.

لكن اللافت أن هذا التفاعل لم يتجاوز حدود الإشادة السياسية والاستقبال الرسمي، إذ ظلت بنود المبادرات السياسية حبيسة الوثائق المنبثقة عن النقاشات التي دارت بشأنها، بينما لم يبادر الرئيس تبون إلى حلحلة بعض المشكلات والاستجابة لمطالب رفعتها هذه المبادرات، على غرار توسيع هامش الحريات السياسية، وإقرار قانون لم الشمل، وترقية المصالحة الوطنية، ومعالجة بعض آثار الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينيات، كإطلاق سراح معتقلين سياسيين يقبعون في السجون منذ ما يقارب ثلاثة عقود.

مثل هذا الوضع يدفع جبهة القوى الاشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، والتي طرحت، السبت الماضي، مبادرة سياسية جديدة، تتضمن الدعوة إلى حوار سياسي شامل، وصياغة توافق وطني على خيارات سياسية واقتصادية، وتعزيز الديمقراطية، ومعالجة أزمة الحريات في البلاد، إلى أبداء تخوفات من بطء أو غياب تفاعل السلطة مع المبادرات السياسية، خاصة تلك التي تصدر من قوى المعارضة، وتنطلق من تقييم مختلف تماماً لواقع المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

القيادي في القوى الاشتراكية وليد زنابي قال لـ"العربي الجديد": "ونحن حين نطرح مبادرتنا السياسية، نذكر بضرورة إعادة الاعتبار إلى السياسة وجمع الجزائريين في جو من الصراحة والنقاش البناء، بعيداً عن الاستقطابات السياسية، نحن قدمنا للسلطة رؤيتنا للحل سواء في ما مضى من المناسبات أو خلال اللقاء مع الرئيس عبد المجيد تبون، الذي أكد مقاسمته لطرحنا، لكننا نعتقد بوضوح أن النوايا شيء، وتوفير الشروط لتطبيق المبادرات ورؤى التوافق السياسي شيء آخر، وكل طرف يتحمل مسؤولياته".

بخلاف ذلك، وبسبب فاعلية موقف السلطة في الحكم على مآلات المبادرات السياسية وفقاً للتجارب السابقة، تعتبر قوى وطنية أخرى في الجزائر أن السلطة التي تملك مفاتيح المشهد السياسي هي التي يجب أن تبادر بإطلاق مبادرة حوار وطني صريح وجاد.

فحركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، اعتبرت أن أي مبادرة لا تكون السلطة طرفاً فيها محكوم عليها بالفشل، وتؤكد أن السلطة التي تملك مفاتيح المشهد السياسي هي المطالبة بالقيام بالمبادرة السياسية. وخلال الجامعة الصيفية للحركة الأسبوع الماضي، قال رئيسها عبد العالي حساني: "نعتقد أن هناك حاجة في البلاد إلى مبادرة صادقة من السلطة لفتح حوار وطني، يسمح بتحقيق توافقات على الخيارات السياسية والاقتصادية للبلاد، دون ما وصفته "وسطاء ووكلاء" سياسيين، الفرصة مؤاتية لصناعة توافق وطني انطلاقاً من حوار وطني بناء وجاد، لتحقيق عوامل التنمية والاستقرار الداخلي، لكن الوصول إلى هذا الوضع يتطلب إرادة سياسية حقيقية لا تحتاج معها السلطة إلى وسطاء، ولا الأحزاب الجادة والمسؤولة إلى وكلاء، كما يتطلب انفتاحاً إعلامياً لتتمكن كل القوى الوطنية من المساهمة في النقاش الوطني، وتكريس حرية الرأي وممارسته".

المساهمون