منعت السلطات الجزائرية للأسبوع الثاني على التوالي تنظيم تظاهرات الحراك الشعبي في العاصمة وعدد من المدن الجزائرية، بعد قرار وزارة الداخلية عدم السماح بأي تظاهرة غير مصرح بها، فيما دانت هيئات حقوقية ما وصفته بالمنع والقمع الذي تمارسه السلطات ضد التظاهرات، ووصفت ذلك بأنه خرق للحقوق الدستورية التي تسمح للمواطن بالتظاهر السلمي.
وشددت السلطات إغلاق مداخل العاصمة الجزائرية، منعاً لوصول متظاهرين من الولايات القريبة، لا سيما بعد أن زعمت مصالح الأمن رصد اتصالات بين ناشطين في عدة ولايات، تتضمن الدعوة إلى التوجه إلى العاصمة "لكسر الحصار الأمني على الشوارع وإسناد الناشطين"، كما عززت تواجدها في الشوارع الرئيسة والساحات والأحياء الشعبية التي تخرج منها المظاهرات، على غرار حي باب الواد الشعبي وساحة أول مايو ومحمد بلوزداد وغيرها.
ولوحظ انتشار أمني غير مسبوق في داخل حي باب الواد الشعبي، والذي يعد أكثر الأحياء تمرداً على السلطة منذ التسعينيات، خاصة لكونه أبرز معاقل "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، ونشرت السلطات قوات أمن كبيرة في الساحة الرئيسة للحي المعروفة بساحة الساعات الثلاث، وفي مخارج الحي التي تربطه بساحة الشهداء، كبرى ساحات العاصمة، منعاً لأي تظاهرة مرتقبة.
وأثار مستوى الاستنفار الأمني في العاصمة غضب المواطنين، الذين ذهب بعضهم إلى وصف المشهد بأنه أشبه بتظاهرة لقوات الشرطة نفسها. وحاصرت قوات الشرطة عدداً من المساجد الكبرى في العاصمة التي اعتاد المتظاهرون الانطلاق منها، مثل مسجد الرحمة ومسجد الهدى في قلب العاصمة، وأقدمت الشرطة المنتشرة في محيط المسجد على طلب هويات المصلين للتثبت منها، والتأكد من كونهم من سكان العاصمة، بهدف رصد النشطاء ومعرفة مَن مِن المصلين قدم من الولايات البعيدة، واستنطاقه بشأن مبررات وجوده في العاصمة.
ودانت هيئات حقوقية هذا الاستنفار الأمني، وأكدت هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك الشعبي السلمي، في بيان لها، أنها "تذكّر وزارة الداخلية باحترام المادة 52 من الدستور (التي تسمح بحق التظاهر السلمي)، والتوقف عن الاعتقالات غير القانونية والاستعمال المفرط وغير المبرر للقوة ضد المواطنين السلميين المشاركين في الحراك".
ورفضت الهيئة "إيداع أي طلب أو تصريح بأية مسيرة، ولأن الشعب عندما قرر الخروج إلى الشارع يوم 22 فبراير 2019 لإنقاذ البلاد والدولة لم يطلب ترخيصا من جهة أو سلطة، لكونه هو صاحب السيادة وكل السلطات تنبثق من إرادته الحرة والنزيهة"، وجددت الهيئة التزامها بالدفاع عن الحقوق والحريات والمرتبطة.
وكانت السلطات الجزائرية قد أعلنت، الاثنين قبل الماضي، أنها لن تسمح بأي تظاهرات غير مرخصة أو مصرح بها لدى السلطات.
وقالت وزارة الداخلية، في بيان شديد اللهجة، إنّ "المسيرات الأسبوعية أصبحت تعرف انزلاقات وانحرافات خطيرة، ولا تبالي بما يعانيه المواطن من انزعاج وتهويل ومساس بحريتهم"، وشددت على أنه "من الضروري طلب الترخيص للمسيرات الأسبوعية، وبضرورة التصريح المسبق لدى المصالح المختصة من طرف المنظمين بأسماء المسؤولين عن تنظيم المسيرة وساعة بداية المسيرة ونهايتها، وكذا المسار والشعارات المرفوعة، وعدم الالتزام بهذه الإجراءات يعتبر مخالفة للقانون والدستور، مما ينفي صفة الشرعية عن المسيرة ويوجب التعامل معها على هذا الأساس".
والأسبوع الماضي كانت السلطات الجزائرية قد رمت بكامل ثقلها لإجهاض تظاهرات الجمعة، وأمس أبلغ مسؤول رسمي جزائري وكالة "رويترز" (لم تكشف عن هويته)، بأنه "يجب أن تعود الحياة إلى طبيعتها، ولم يعد هذا وقت مسيرات بل وقت العمل وإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح".