لا تبدو واشنطن بصدد تقديم أي تنازلات سياسية للنظام السوري حيال ملف عدد من الرهائن الأميركيين الذين يعتقد أنهم محتجزون لدى النظام، علماً بأنه لم يُحرز أي تقدم إلى الآن في هذا الملف منذ اختفاء الرهائن بداية الأزمة السورية وخلالها، مع ثلاث إدارات أميركية متعاقبة على الحكم في البيت الأبيض. ويطرح هذا الأمر تساؤلات حول "الثمن المقبول" من التنازلات بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن، في حال أرادت تحريك عملية التفاوض على الرهائن مع النظام.
وعادت القضية إلى الواجهة بعد ما سرّبته وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، أول من أمس الخميس، عن تفاصيل المفاوضات السرية التي جرت بين النظام والولايات المتحدة حول الرهائن، مشيرة إلى أنّ "الصيف الماضي، غامر مسؤولان أميركيان بالدخول إلى منطقة معادية لعقد اجتماع سري شديد الخطورة مع خصوم للولايات المتحدة"، في إشارة إلى النظام السوري. وأضافت الوكالة أنّ "المسؤولين الحكوميين السوريين الذين كان من المقرر أن يلتقوا بهما في دمشق، بدو مستعدين لمناقشة مصير الرهائن الأميركيين الذين يُعتقد أنهم محتجزون في بلادهم، بما في ذلك أوستن تايس، الصحافي الذي تم القبض عليه قبل ثماني سنوات" ويعتقد أنه موجود لدى النظام من دون أن يعترف الأخير حتى الآن بذلك. وكان إطلاق سراح الأميركيين سيكون بمثابة هدية للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان يتجهز لخوض الانتخابات الرئاسية، بحسب الوكالة، التي أضافت "لكن الرحلة لم تكن مثمرة في النهاية، إذ رفع السوريون سلسلة من المطالب التي من شأنها أن تعيد تشكيل سياسة واشنطن تجاه دمشق بشكل أساسي، بما في ذلك رفع العقوبات، وانسحاب القوات الأميركية من البلاد، واستعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية". وحينها لم يقدم المسؤولون السوريون معلومات ذات مغزى عن مصير ومكان تايس وآخرين.
مطالب النظام تفضي لإعادة تشكيل سياسة واشنطن تجاه دمشق
ولم تكن "أسوشييتد برس" أول من كشف عن تلك المفاوضات بين النظام والأميركيين حول ملف الرهائن. ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، بأن نائب مساعد الرئيس الأميركي السابق، كاش باتيل، الذي يعدّ مسؤولاً بارزاً معنياً بمكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية السابقة، زار دمشق خلال الصيف لعقد اجتماعات سرّية مع مسؤولين من النظام من أجل الإفراج عن مواطنين أميركيين اثنين، يعتبر أنهما محتجزان لدى سلطات النظام.
لكن "أسوشييتد برس" نقلت عن باتيل قوله، في أول تعليقات علنية له حول هذا الجهد: "كان النجاح سيعود بالأميركيين إلى الوطن ولم نصل أبداً إلى هناك". وكشفت الوكالة عن معلومات جديدة حول تلك المفاوضات، بأن حليفاً للولايات المتحدة، لم تسمه، ساهم في بناء حسن النية مع النظام من خلال توفير المساعدة في علاج أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام بشار الأسد، من مرض السرطان الذي أصابها.
كذلك نقلت الوكالة عن روجر كارستينز، الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي الذي حضر الاجتماع مع باتيل، بصفته المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون الرهائن في عهد ترامب، قوله: "أظن أنه (تايس) على قيد الحياة وأنه ينتظر مني المجيء وإحضاره".
وأوضح باتيل أن الاجتماع كان قيد الإعداد لأكثر من عام، مما استدعى طلب المساعدة من لبنان، الذي لا يزال على علاقة بنظام الأسد، مشيراً إلى أنّ المفاوضات تمت داخل مكتب رئيس المخابرات السورية، علي مملوك، حيث تم طلب معلومات عن تايس وكذلك مجد كم الماز، وهو طبيب نفسي سوري - أميركي اختفى في عام 2017، وعدة أشخاص آخرين لم يسمهم. وأشارت الوكالة إلى أنّ الشروط التي طرحها السوريون، كما وصفها العديد من الأشخاص، كانت ستلزم الولايات المتحدة بإصلاح سياستها تجاه سورية بالكامل تقريباً. وعن فحوى الاجتماع، أشار باتيل إلى أنه "لم يقدم السوريون أي معلومات ذات مغزى عن تايس، بما في ذلك أي دليل على أنه على قيد الحياة، كان من الممكن أن يولد ذلك زخماً كبيراً".
وبالتزامن مع كشف "وول ستريت جورنال" عن تلك المفاوضات في أكتوبر الماضي، اعترف النظام السوري بها عبر صحيفة "الوطن" الموالية له. ونقلت الصحيفة حينها عن مصدر مقرب من النظام، قوله إنّ "دمشق مصرة على مبدأ أنه لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن قبل البحث في ملف انسحاب القوات الأميركية المحتلة من شرق سورية".
وتزامن ذلك أيضاً مع جهود قام بها المدير العام للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، لتسجيل انفراجة في ملف الرهائن.
النظام يرغب في الاستفادة من الملف إلى الحد الأقصى
وتطلب الإدارة الأميركية بشكل رئيسي الإفراج عن أوستن تايس، الصحافي المستقل والضابط السابق في مشاة البحرية الذي اختفى أثناء تغطيته الصحافية في سورية عام 2012، ومجد كم ألماز، المعالج النفسي السوري الأميركي، الذي اختفى بعد أن أوقف على نقطة تفتيش تابعة للنظام السوري في 2017. وذكرت "وول ستريت جورنال" أن الإدارة الأميركية تعتقد أن نظام الأسد يحتجز ما لا يقل عن أربعة أميركيين آخرين، لكنها لا تعرف الكثير عنهم.
وحول ما إذا كانت تلك المفاوضات أو استئنافها في عهد إدارة الرئيس جو بايدن قد تؤثر بشكل أو بآخر على التعامل الأميركي مع القضية السورية، رأى ياسر الفرحان، عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف السوري" المعارض، وعضو لجنة متابعة قانون قيصر الأميركي داخل الائتلاف، أن "كل دول العالم تتفاوض من أجل رعاياها المختطفين أو الأسرى مع الجهات الخاطفة لهم، حتى لو لم تكن تلك الجهات قانونية أو شرعية أو معترفاً بها، ولا تربطها بالدول علاقات". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تفاوض الأميركيين مع النظام لإعادة الرهائن لا يعني إعادة العلاقات مع النظام".
واتفق الباحث والحقوقي السوري المقيم في واشنطن، رضوان زيادة، مع ما قاله الفرحان، معرباً عن اعتقاده بأنّ "النظام يرغب من الاستفادة من هذا الملف إلى الحد الأقصى، والمفاوضة حول رفع العقوبات وربما إعادة العلاقات، لكن من جانب الطرف الأميركي هذا الأمر مستحيل تماماً". وتوقع زيادة في حديث مع "العربي الجديد" أن "يتم اللجوء إلى طرف ثالث مثل عباس ابراهيم من لبنان، الذي من المحتمل أن يكون وسيطاً مرة أخرى كما كان خلال إدارة ترامب". واستبعد زيادة أن تقدم إدارة بايدن تنازلات حقيقية للنظام في هذا الملف "لأنّ هناك قوانين أميركية تحدد وظيفة الخارجية الأميركية حيال ملفات كهذه، ولا تستطيع أي إدارة تجاوزها، فممنوع قانوناً دفع أي فدية على الإطلاق، أو الخضوع لأي نوع من الابتزاز السياسي".