الرعب الفرنسي يتمدد أوروبياً... استنفارات وشكوك أمنية

16 نوفمبر 2015
تأهب أمني عمّ أوروبا (سيلفان لوفافر/Getty)
+ الخط -
لم يبقَ المشهد الدموي الباريسي مع الاعتداءات التي شهدتها العاصمة الفرنسية الجمعة، باريسياً، بل امتد إلى العديد من الدول الأوروبية؛ إذ شهدت بلجيكا وألمانيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك والنرويج، وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى، حملات أمنية عقب الاعتداءات، ما يشير إلى أن الخوف الذي نشرته هجمات باريس، والتهديدات بالمزيد منها، قلَب الصورة رأساً على عقب.

وتكشف مصادر أمنية لـ"العربي الجديد" أن العنوان الرئيس ليومي السبت والأحد كان الاتصالات الأمنية والتنسيق العالي بين عدد من الأجهزة الأمنية الأوروبية، لافتة إلى أن "التهديد جدي هذه المرة أكثر بكثير مما يتصوره البعض". وتشير المصادر إلى أن "الضرب في ستة أماكن مختلفة في باريس، عمل احترافي، وليس مجرد عمل داخلي"، محذرة من أن "تنظيم الدولة الإسلامية وصل إلى مبتغاه، بإشاعة الرعب بين الأوروبيين، باختياره للأهداف وطريقة التنفيذ، والتهديد الصادر من بعد ذلك كله".

وسيطر مشهد أمني بامتياز على شوارع عدد من مدن ومناطق حساسة في دول الشمال الأوروبي، بالتزامن مع مواقف سياسية غابت عنها السياسة وحضر محلها حديث الأمن وقرقعة السلاح، بزيادة حالة الطوارئ إلى مستويات غير مسبوقة.

فكوبنهاغن وجدت نفسها في حالة من استنفار غير مسبوق بعد هجمات باريس. واتشحت مبانٍ كثيرة بالعلم الفرنسي، وأنزلت الأعلام على ساريتها نحو النصف، حداداً. بات الجميع يتحدث الفرنسية من حدود فرنسا الشمالية والشرقية. وفي بلجيكا التي رفعت حالة التأهب، اعتقلت الشرطة عدداً من الأشخاص، السبت، على صلة باعتداءات باريس، في ضاحية مولنبيك بمنطقة بروكسل. كما أن العديد من الدول الأخرى، كروسيا وبريطانيا، رفعت حالة التأهب، وسط حملات أمنية في بعضها لملاحقة أشخاص قد يكونون على صلة باعتداءات باريس.

وكان اللافت اعتراف السلطات الأمنية الدنماركية بأنها "كانت في الأساس في حالة تأهب قبل هجمات باريس"، وذلك بحسب كلام لرئيس شرطة الدنمارك، هينريك هويبيرغ. جهاز الاستخبارات الدنماركي "بيت" ظل، طيلة يوم السبت، يخرج بتحذيرات تقول "إن تقييمنا للتهديد الإرهابي الذي يمكن أن تتعرض له البلاد لا يزال جدياً وخطيراً".

ويرى المحلل ماونوس راسنتورب، من الأكاديمية الدفاعية في السويد، أن "ما جرى لفرنسا هو 11 سبتمبر" خاص بها، لكن هذه المرة بأيادٍ ربما فرنسية، فـ"ثلث المقاتلين الغربيين في سورية من الأجانب هم من فرنسا، ويشاركون بفعالية". ويعتبر راسنتورب أنه "لا شيء مفاجئا في هذا الهجوم الذي كان متوقعاً سوى في طريقته، فالغرب كله يتعرض لتهديد جدي".

في مقابل ذلك، يقول المحلل العسكري من أكاديمية الدفاع في كوبنهاغن، يوهانس نوردبي، إنه "إذا كان هدف داعش هو تخويف فرنسا من أن تذهب بعيداً في قتالها للإرهابيين، فهو بذلك يخطئ كثيراً، فالهجمات سوف يكون تأثيرها عكسياً، وستضغط أكثر على الدول لإيجاد حلول ما للحرب السورية ولداعش".

ويشبّه بعض الخبراء والمحللين هدف "داعش"، بهدف "القاعدة" في سنوات سابقة، إذ يهدف إلى تخيّل "تقسيم أوروبا" عبر نشر الرعب، وفق ما ذكرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية أمس. وهو تحذير يتصل بوضع المسلمين في سلة "داعش" من خلال بث روح من الشك، سواء في فرنسا أو غيرها بين مواطنين على خلفيات إثنية ودينية. إذ يرى بعض الخبراء، ومنهم كريستوف ريوتورز في حديث للمجلة، أن "المسلمين في أوروبا سيشعرون بعدم الاحترام في المجتمعات الغربية، وهذا يخدم اليمين ومارين لوبين، ما سيؤدي إلى تعامل آخر مع المسلمين، لو ربحت الجبهة الانتخابات".

اقرأ أيضاً: خطة أمنية وقائية في ألمانيا: اعتقالات ورصد

في مقابل ذلك، يحذر خبراء غربيون في المجال الأمني، من أن الحديث الأمني، كإعلان الطوارئ في فرنسا، سوف يعقّد العلاقات بين المواطنين، ويجعل فئة منهم تحت سقف التهمة. خبراء أوروبيون في الشأن الفرنسي الأمني يحذرون من أن اختيار فرنسا، "القوة في وجه القوة" سيعني خلق ظروف غير سارة، ولا هي آمنة، تذكّر بمرحلة فرنسا عام 2005. ويبدو أن اليمين يريد "حملات أمنية"، تشبه البلجيكية والفرنسية والألمانية، وربما حتى الإسكندنافية، في مناطق تعتبر ضواحي تعيش فيها كتل مواطنين من أصول مهاجرة. فيما اليسار يحذر من أن مثل هذه الخطوات ستعني المزيد من افتقاد الثقة في المجتمع ومؤسساته، خصوصاً الأمنية والشرطية التي تشجعها قوانين سياسية متشددة من قبل اليمينيين القوميين. هؤلاء يضيفون في تحذيراتهم من "وضع مجموعات ثقافية معينة تحت الشبهة".

ويثار جدل جدي بين الأوروبيين، ليس حول هويات هؤلاء المهاجمين، بل عن حرفيتهم وتدريبهم العالي، وهم يشيرون بصراحة إلى أنهم سافروا إلى مناطق النزاع وتلقوا فيها التدريبات، بينما البعض الآخر يتساءل: "لماذا لا نفتش عن سبب آخر، عن مواطنينا الشبان الذين ولدوا وكبروا بيننا من دون أن نمنحهم شعور المواطنة؟".

ويذهب برلمانيون وخبراء أمنيون في دول الشمال للمطالبة بتطبيق البند الخامس في اتفاقية حلف شمال الأطلسي، كما يطالب البرلماني الدنماركي من أصل عربي، ناصر خضر "بتدمير داعش بكل الإمكانيات لإعادته إلى العصر الحجري"، حتى إن البعض يطالب بإرسال قوات برية على الأرض السورية لمحاربة "داعش".

كما أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، تحدث مقارناً بين الهجوم الإرهابي الذي قام به شاب نرويجي في عام 2011 وهجمات باريس بالقول: "جوابنا كان حينها هو المزيد من الديمقراطية والانفتاح ومزيد من الإنسانية، لكن مع داعش لا ينفع كل ذلك"، مضيفاً: "في العادة أنا لا أدعم الحروب، لكن يبدو أنه لا يمكن محاربة داعش إلا بالحرب، ونحن نعيش الآن حرباً عالمية ثالثة".

فيما كان كلام الأمين العام السابق للحلف، أندرس فورغ راسموسن، لافتاً بقوله إن "الغرب لم يفعل شيئا في سورية"، مضيفاً في مقابلة تلفزيونية مساء السبت: "هناك 250 ألف إنسان جرى قتلهم في سورية، و10 ملايين تهجّروا، وهذه نتائج عدم فعل شيء من الغرب في سورية".

ويعترف بعض السياسيين الآخرين، الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن "أوروبا ربما تكون الآن أكثر جدية في الاندفاع للبحث عن حل للمعضلة السورية، بالضغط على الولايات المتحدة لتطبيق ذلك الحل على أشلاء أوروبية".

اقرأ أيضاً: استنفار بريطاني عقب اعتداءات فرنسا: درجة الخطر قد ترتفع

المساهمون