تتجه المعارضة التونسية لمقاطعة الانتخابات المحلية المنتظر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول القادم، التي ستقود إلى انتخابات جهوية ثم انتخاب الغرفة التشريعية الثانية (مجلس الجهات والأقاليم)، كما قاطعت كل الانتخابات الماضية وكامل المسار الذي يقوده الرئيس التونسي، قيس سعيّد.
والخميس، دعت تنسيقية القوى الديمقراطية التقدمية إلى مقاطعة الانتخابات المحلية، ووصفت التنسيقية التي تضم أحزاب "العمّال"، و"القطب"، و"التيار الديمقراطي" و"التكتّل من أجل العمل والحريات"، في بيان لها، الانتخابات القادمة بـ"المهزلة" الانتخابية الجديدة التي تؤسس لمشروع "قاعدي شعبوي" يهدف "لإرساء نظام فردي مطلق يواصل السيطرة على كل السلطات"، وفق تعبيرها.
وأمام سيناريو فشل شعبي جديد لمشروع سعيّد، بعد خيبات الاستشارة الإلكترونية والاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية، سيكون الرئيس التونسي مرة أخرى أمام اختبار جديد، تشير المؤشرات الحالية إلى أنه سيكون محطة أخرى تسقط فيها مقولة "الشعب يريد" التي طالما رددها مساندوه.
ويقطع سعيّد كيلومترات على قدميه من العاصمة إلى إحدى ضواحيها، يستمع إلى مشاغل المواطنين ويعاين تراكم الفضلات والإهمال الحاصل في عدد من البنايات المصادرة المغلقة والمهملة.
وينتقد سعيّد الأوساخ المتراكمة بمختلف الشوارع، ويلقي اللوم طبعاً على المناوئين الذين يعطلون الدولة والإدارات، ويريدون إسقاط مشروعه.
ويرى كثيرون أن الرئيس الذي لا حزب له، يقود حملة انتخابية بنفسه، ويرى آخرون أنه طالما ركّز كل شيء حوله وبه، فمن الطبيعي أن يقوم بكل المهام.
وفيما يتساءل كثر عن نسب المشاركة المنتظرة في الانتخابات المحلية القادمة نهاية العام، يرى آخرون أن هذا لا أهمية له لدى الرئيس، لأن هدفه الحقيقي هو الانتخابات الرئاسية، العام القادم، إذا تمت في موعدها طبعاً.
وينتظر أن تقاطع المعارضة التونسية طبعاً هذه الانتخابات كما قاطعت السابقة.
إيحاء بأن هناك ديمقراطية
تعليقاً على ذلك، قال رئيس حزب "العمل والإنجاز"، عبد اللطيف المكي، لـ"العربي الجديد" إن حزبه سيقاطع الانتخابات "لأن قيس سعيّد أرسى نظاماً فردياً بعد الانقلاب، وباقي المؤسسات مجرد ديكور حيث يجري الإكثار من الانتخابات والمسائل الشكلية للإيحاء أن هناك ديمقراطية، في حين أن السلطة مكثفة لدى شخص واحد".
وأضاف المكي: "الملاحظ أن البرلمان الذي أنشأه قيس سعيّد لا يشتغل بالصلاحيات الممنوحة له، والجميع لاحظ أن هناك شداً وجذباً خفياً بين سعيّد والبرلمان، وهو لا يريد أن يكون هناك أي مؤسسة تخرج عن طوعه"، معتبراً أن "المشاركة في الانتخابات تعتبر تنكراً للثورة ولتضحيات الشهداء وطموحات الشعب التونسي".
وأشار المكي إلى أن "المشاركة في الانتخابات القادمة ستكون أسوأ من سابقاتها، لأن الناس اكتشفوا بعد 26 شهراً من الحكم المطلق أن هذه الشعارات كانت فقط للتغطية على الانفراد بالسلطة وليس للإنجاز"، في إشارة إلى نسب العزوف القياسية التي لم تشهدها تونس من قبل.
وقال المكي إن "هيئة الانتخابات المعيّنة انحازت طبعاً لقيس سعيّد لأنها ألغت الانتخابات البلدية التي كانت مقررة منذ شهر مايو/ أيار وفي الوقت نفسه تقوم بحملة تحريضية بالمال العام للمشاركة في الانتخابات القادمة"، مشدداً على أن "المشاركة من عدمها هي محل رهان سياسي بين قيس سعيّد والمعارضين للانقلاب ولا حق للهيئة بالتدخل".
ونبه المكي إلى أن "سعيّد لا تهمه قلة المشاركة في الانتخابات، وقد مضى في طريقه سابقاً باستشارة إلكترونية بـ500 ألف مواطن، ولم ينزعج بـ8 بالمائة نسبة المشاركة قي التشريعية، وهو يدخل برصيد سلبي على كل الجبهات، ولذلك يحاول من الآن القيام بحملته الانتخابية الرئاسية، وهو يعرف أن لا سلطة للمجالس القادمة بل السلطة الوحيدة هي سلطته".
وكان رئيس "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، أحمد نجيب الشابي، قد أكد بدوره في وقفة احتجاجية للجبهة، الأسبوع الماضي، أنّ "التونسيين لن يشاركوا في الانتخابات المحلية القادمة، مثلما قاطعوا الانتخابات التشريعية في دورتيها الأولى والثانية، وكما قاطعوا الاستفتاء على الدستور المسخ"، واصفاً إياها بـ"المسرحية".
حملة انتخابية واضحة المعالم
أما المحلل السياسي محمد القوماني، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "لا شك أن السيد قيس سعيّد وأنصاره يستذكرون جيداً خيبة الانتخابات التشريعية التي راوحت فيها المشاركة بين 8 و11 بالمائة، ومن قبلها خيبة التصويت على الدستور الذي لم يتجاوز ثلث الناخبين، وبالتالي بعد تقرير موعد الانتخابات وإعلانها في 24 ديسمبر/ كانون الأول، يبدو أن قيس سعيّد يقود حملة انتخابية واضحة المعالم لتحفيز أنصاره ولفت انتباه عموم الشعب ومحاولة الإقناع ببعض الإنجازات والأشياء التي قد تدفع وتكسر حال الإحباط الموجودة لدى أوسع شريحة من التونسيين وخيبة أملهم".
وتابع: "أهم عنوان يريد أن يقوله سعيّد للتونسيين: أنا ما زلت أهتم لحياتكم ولغلاء المعيشة والأسعار وتتبع ما يسميه ملفات فساد وفرض القانون، لأن حصيلة سنتين (منذ انفراده بالحكم) بيّنت أنه لم يشذّ عما كان ينتقده خلال العشرية، وهو إعطاء الأولوية للمسائل السياسية على حساب المسائل الاقتصادية والاجتماعية، فلم يفعل شيئاً، إلا أنه كتب دستوره وأرسى نظامه القاعدي وفرض كل ما أراده بالمراسيم وكمم الأفواه وأقصى معارضيه وشل الحياة السياسية".
وأشار القوماني إلى أن "ملامح النظام السياسي، خصوصاً بعد دستور 2022 هي ملامح الحكم الفردي، فلا يظهر في الصورة بدرجة رئيسية سوى رئيس الجمهورية، وحتى الوزراء ورئيس الحكومة لا نسمع لهم صوتاً ولا يخطبون في ناس ولا برامج ولا تصريحات إعلامية، فهناك فسخ لكل الحكومة والمسؤولين، حتى الجهويين والمحليين".
وخلص إلى أنه "طبيعي بالتالي أن تكون هذه الحملة الانتخابية لفائدة مجلس الجهات والأقاليم بهذا الشكل، وهي أيضاً ترتيب لحملة انتخابية رئاسية دخلنا زمنها السياسي، فالرئيس دخل سنته الخامسة وهو يستحضر هذا الموعد".
واستدرك بأنّ "قيس سعيّد يجد نفسه في طريق مفتوح بسبب اختيار المعارضة المقاطعة، واختارت الهروب إلى الأمام بدعوى أن ما بُني على باطل فهو باطل وتركت المجال مفتوحاً له".
وأفاد القوماني: "في الظاهر، سعيّد يتحرك بمفرده، ولكنه يقود هذه الحملة بدعوى من أنصاره وبالاستجابة لما يكتب في الصفحات المناصرة له، وأعتقد أنه لا يشتغل بمفرده، بل هو يجسد رغبات على مواقع التواصل الاجتماعي".
واعتبر القوماني "أن سعيّد نجح على الصعيد التواصلي من خلال الرسائل القوية خلال اللقاءات الأخيرة، وأن ما نرى من شعبوية قد آتى أكله لدى البعض نظرياً، لأنه في الواقع لم يتغير شيء، فلا توجد سياسات لذلك، وغايته أن يشبع رغبات أنصاره ويرفع معنوياتهم والغاية أن يؤثر في الناخب".
كذلك أوضح القوماني أن "الحملة الانتخابية مع سعيّد وقبله لا تبنى على برامج واقعية وإنما تستنفر الناخبين وتحركهم عبر وعود تقترب من الخيال"، مستبعداً بدوره "أن تتطور نسب المشاركة في الانتخابات وأن تتغير عن السابقة، لأن عموم الناخبين أظهروا نوعاً من الذكاء".
وختم بالقول: "وصفت سابقاً عدم المشاركة بانتفاضة شعبية صامتة، فحتى إن لم يخرج الشعب إلى الشوارع، وحتى إن كانت آلة التخويف قوية، فإن الشعب يتحرك بذكاء، والعزوف عن الطبقة السياسية التي سبقت 25 جويلية (يوليو/تموز) تتضاعف الآن، وستكون ضحيتها القادمة منظومة 25 جويلية"، في إشارة إلى تاريخ بدء سعيّد فرض إجراءاته التي مكنته من الاستفراد بالحكم.