يبدو أن حالة الهدوء في العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، المستمرة منذ فترة طويلة، لا تزال صامدة، على الرغم من وقوع بعض المناوشات الصغيرة في الأيام القليلة الماضية، كان أبرزها هجوم من الأذرع الإعلامية للنظام على الإمام الأكبر بعد تعيينه عميدة كلية العلوم الإسلامية للوافدين نهلة الصعيدي في منصب مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، بسبب مزاعم حول انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين. هذه المزاعم لم ترد عليها مشيخة الأزهر، لكن الصعيدي نفتها في بيان.
وقال مصدر وثيق الصلة بالدائرة المقربة من شيخ الأزهر، لـ"العربي الجديد"، إن "الهجوم على الإمام الأكبر والدكتورة الصعيدي جاء من حفنة قليلة الحجم لا ترقى لأن تكون نداً لمقام المشيخة، وبالتالي فإن الأخيرة لم تصدر أي رد".
مصدر: الأزهر الشريف لا يسعى للدخول في مناوشات وصراعات لا طائل منها
وأضاف المصدر أن "العلاقة بين المشيخة وكل المؤسسات والهيئات والمنظمات، خارج مصر أو داخلها، تقوم على الاحترام والتقدير، والأزهر الشريف لا يسعى بأي حال من الأحوال إلى الدخول في مناوشات وصراعات لا طائل منها، بل على العكس فإنه لو حدث ذلك، فسوف يضر بالدور الأساسي الذي يقوم به الأزهر وهو خدمة العلم والدين والإنسانية".
وأكد المصدر أن "مسألة التعيين في المناصب داخل الأزهر تخضع لمعايير دقيقة، تقوم على الكفاءة والعلم دون غيرهما، وهو ما حدث عند تعيين الدكتورة نهلة الصعيدي، والتي لولا سجلها العلمي الحافل لما تم اختيارها في منصب مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين".
نهلة الصعيدي تنفي الانتماء للإخوان
وتولت الصعيدي رئاسة قسم البلاغة والنقد في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة، ثم وكالتها، ثم عمادة كلية العلوم الإسلامية للوافدين، ثم رئاسة مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين، ثم مستشارة الإمام الأكبر لشؤون الوافدين.
ونفت الصعيدي انضمامها لجماعة الإخوان في أي مرحلة سابقة، كما نفت أي انخراط في العمل السياسي من قبل، وقالت في تصريحات: "الأزهري الحق لا ولاء له إلا لدينه ووطنه وأزهره الشريف، ولا يمكن أن ينتسب لجماعة أو فكر مخرب".
وهذه ليست المرة الأولى التي ترد فيها الصعيدي على اتهامات انتمائها لجماعة الإخوان، إذ كانت قد أجرت مداخلة هاتفية بإحدى القنوات التلفزيونية المحلية، وقالت إنها لا تهتم بالشائعات، وتابعت: "تعودتُ في (الأزهر الشريف) الترفع عن مثل هذه الأمور".
هدنة بين الرئاسة المصرية ومشيخة الأزهر
من جهته، قال مسؤول سابق في مشيخة الأزهر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إنه "لا شك أن هناك تبايناً، كان معلناً أحياناً، طويلاً وممتداً بين الرئاسة والمشيخة، منذ سنوات، وهو بالطبع ليس في صالح الوطن، ولكن ذلك التباين هدأت جذوته منذ فترة طويلة، ودخل في مرحلة هدنة، تتخللها بعض المناوشات، لكنها لا ترقى إلى أن تؤدي لنقض الهدنة".
وأضاف المصدر أن "المراقب للعلاقة بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، يتضح له أن الأزهر يتماهى في مواقف كثيرة مع مواقف الدولة، وذلك ما ظهر في تجاهل الإمام الطيب تقديم واجب العزاء في رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، تجنباً لاستفزاز الدولة التي تعتبر الفقيد الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين".
وقال المصدر إن "تعيين الصعيدي الذي أثار جدلاً بسبب مزاعم انتمائها للإخوان، قابله التذكير بتعيين سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السابقة، من قبل الشيخ الطيب، مستشارةً للشيخ للتطوير المؤسسي في بيت الزكاة والصدقات المصري، ومديرة تنفيذية لبيت الزكاة، قبل أربعة أشهر، وهي الوزيرة المعروفة بقربها من أجهزة الدولة السيادية".
كلمة الطيب في ذكرى المولد النبوي حملت إشارات تتسق مع توجه الدولة في العديد من القضايا
وتابع المصدر أن "كلمة الإمام الأكبر في ذكرى المولد النبوي (أول من أمس الأربعاء)، حملت إشارات تتسق مع توجه الدولة في العديد من القضايا، مثل تركيزه على الحديث عن مكارم الأخلاق باعتبارها المقصد الأصيل من رسالة الإسلام ومن سائر الرسالات الإلهية قبل الإسلام، وهو ما يتماشى مع الدعوة التي أطلقتها الدولة في وقت سابق عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تحت شعار: مبادرة أخلاقنا الجميلة".
ولفت المصدر إلى أن كلمة الإمام الأكبر "تناولت أيضاً الحديث عن حقوق المرأة، وهو ما يتماشى مع ما تروج له الدولة في الوقت الحالي".
وخلال كلمته في احتفالية وزارة الأوقاف المصرية بمناسبة ذكرى المولد النبوي، أول من أمس، هنأ الطيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي حضر الاحتفالية، بذكرى المولد النبوي.
وكان السيسي قد أثار الجدل بتصريحاته خلال احتفال المولد النبوي عام 2019، عندما عقّب على كلمة شيخ الأزهر التي ألقاها في المناسبة نفسها، قائلاً إن "خطاب الشيخ دفعه للحديث خارج السياق". وقال السيسي آنذاك: "أنا أخوض نضالاً مستمراً من أجل الدين"، مضيفاً أن "الخراب والإرهاب لن ينتهيا إلا بتكوين مناعة ضد الفكر (المتطرف)".
وكان الطيب قد حذر في خطابه حينها من "الظلم وتداعياته التدميرية" على المجتمع. واستشهد الطيب خلال كلمته أمام الرئيس المصري بالنبي الكريم محمد، قائلاً إنه "حذر من الظلم 3 مرات في خطبة الوداع"، وهو ما اعتبره كثيرون أنه إسقاط على الوضع السياسي في مصر.