أظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة "ميغافون" لقياس توجهات الناخبين في الدنمارك، ونشرت نتائجه اليوم الجمعة، أنه في حال إجراء انتخابات مبكرة، سيصبح معسكرا اليسار ويمين الوسط أمام واقع مختلف، مع بروز أحزاب جديدة وأفول اليمين القومي المتشدد.
وحملت النتائج أخبارا سيئة لرئيسة حكومة يسار الوسط، ميتا فريدركسن، بتراجع قدرة حزبها على تحقيق أغلبية 90 مقعدا من أصل الـ179 لتشكيل الحكومة المقبلة. وفي حال تحقق ذلك، ستصبح المعركة على منصب رئاسة الوزراء خاضعة لمساومات غير معهودة، حيث تنقسم الخريطة البرلمانية تقليديا بين كتلتين: الزرقاء (يمين الوسط)، والحمراء (يسار ويسار الوسط).
وسجل الاستطلاع صعود نجم وزيرة الهجرة الدنماركية السابقة، إنغا ستويبرغ، المعروفة بمواقفها المتشددة من سياسات اللجوء والهجرة، بتحقيق حزبها الجديد "ديمقراطيو الدنمارك" نحو 20 مقعدا، بعد أقل من 10 أيام على قبول ترشحه.
وتساهم تلك المقاعد بجعل ستويبرغ (التي قضت حكما بالسجن لشهرين، على خلفية قضية فصل أزواج سوريين قصر في 2015 و2016، من خلال توجيهات للموظفين من خارج القنوات القانونية في وزارتها آنذاك) تقترب من حلمها بالتأثير في تشكيل أية حكومة مستقبلية، وتحديد سياساتها.
ويقابل تقدم حزب "ديمقراطيو الدنمارك" تطور آخر على مستوى الأحزاب، حيث تُكرس الاستطلاعات انهيارات "حزب الشعب الدنماركي" اليميني المتشدد، بعد أشهر من الاضطرابات الداخلية واستقالة أغلب نوابه. فبعد تحقيقه مرتبة ثالثة في انتخابات 2015 بأكثر من 21 في المائة، وصل إلى أقل من 1.7 في المائة من نوايا التصويت في استطلاع اليوم.
التراجع نفسه يواجهه حزب "البرجوازية الجديدة"، المنافس على سياسات متشددة حيال المهاجرين، متراجعا إلى النصف تقريبا عن استطلاع الشهر الماضي، من 8.5 في المائة إلى نحو 4.2 في المائة، وذلك يحرم زعيمته، بيرنيلا فيرموند، من رغبتها بتحويل حزبها إلى "بيضة القبان" في حكومات يمين الوسط.
على كل، لا تبدو الأمور أفضل حالا عند حزب "الاجتماعي الديمقراطي" الحاكم. ومع توالي الانتقادات التي تطاول رئيسته فريدركسن، على قرارها في ذروة جائحة كورونا التخلص من نحو 15 مليونا من حيوانات المنك، التي كان المزارعون يتاجرون بفرائها، يفقد الحزب بعض زخمه الذي حصل عليه في يونيو/ حزيران الماضي.
وحصل الحزب في انتخابات 2019 على نحو 26 في المائة من الأصوات، فيما منحه الاستطلاع فقط حوالي 21 في المائة من نوايا التصويت. وكان حزب "راديكال فينسترا" (محسوب على يسار الوسط) طالب فريدركسن بالإعلان عن انتخابات مبكرة قبل أكتوبر/ تشرين الأول القادم، أو حجب الثقة عنها. وتضع تلك المطالبة والاستطلاعات الجديدة يسار الوسط في معضلة إذا ما جرت الانتخابات المبكرة. فالاستطلاع يفيد بتراجع المعسكر (رغم تقدم اليسار في حزبي الشعب الاشتراكي واللائحة الموحدة) بنحو 7 نقاط مئوية عن انتخابات 2019، ما يُصعب عليه تشكيل حكومة يسار وسط تقليدية.
إجمالا، فإن الاستطلاع يمنح 48.5 في المائة لليمين ويمين الوسط، و47.8 في المائة ليسار ويسار الوسط. وعليه يتوقع خبراء الانتخابات المحليون أن يلعب رئيس حكومة يمين الوسط السابق، لارس لوكا راسموسن، من خلال حزبه الجديد "موديراتيرن" (المعتدل) دورا حاسما في ترجيح كفة أحد المعسكرين من خلال حصوله على 7 نواب. ويطلق عليه متخصصون في الانتخابات لقب "صانع الملوك"، بسبب دعواته المتكررة إلى تشكيل حكومة عابرة للتكتلات الحزبية، بعيدا عن التقليد الاسكندنافي القائم على الكتلتين الزرقاء والحمراء.
في كل الأحوال، يكرس الاستطلاع تحرك الدنمارك نحو تمثيل برلماني مختلف، ويعطي دفعة للداعين لحكومات تتلاقى في الوسط.
فحزب "فينسترا" (وهو ليبرالي محسوب على يمين وسط) الأكثر تشكيلا للحكومات بعد "الاجتماعي الديمقراطي" يتراجع هذه المرة بنحو 10 في المائة عن انتخابات 2019، بحصوله على 13 في المائة، وهو ما يصب في مصلحة حليفه التقليدي "المحافظين" الذي تأرجح في تقدمه من 6.6 في المائة ذلك العام إلى 17 في المائة (الشهر الماضي) و13.4 في المائة، متجاوزا "فينسترا"، ويخلط أوراق اختيار رئيس حكومة من نفس المعسكر. وبانتظار ما ستكون عليه مواقف فريدركسن قبل 4 أكتوبر/ تشرين الأول القادم، لحسم إمكانية إجراء الانتخابات المبكرة، تبقى الساحة الحزبية الدنماركية عرضة لتجاذبات التغيير على مستوى تحقيق الأغلبية لأحد المعسكرين.