كشفت مصادر حكومية من طرابلس عن طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، من موسكو، دعمها لجهود الحكومة في توحيد المؤسسة العسكرية، في وقت شدد فيه مجلس الأمن على ضرورة نزع سلاح المجموعات المسلّحة في ليبيا.
وأنهى الدبيبة زيارة لروسيا، أمس الجمعة، امتدّت ليومين، برفقة وقد حكومي تضمّن عدداً من الوزراء، بالإضافة إلى رئيس الأركان، الفريق محمد الحداد.
ووفقاً للمصادر نفسها، طلب الدبيبة من موسكو وقف تعاملها واتصالاتها مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من دون أن يحصل على جواب قاطع من الجانب الروسي، مشيرة إلى أنه اشتكى مما وصفها بـ"محاولات الشوشرة والتشغيب" من جانب حفتر، من خلال استعراضه العسكري وعدم تجاوبه مع مساعي اللجنة العسكرية 5 + 5 لتوحيد المؤسسة العسكرية.
وقالت إن "الدبيبة أراد تقديم كل البدائل لموسكو من أجل تغيير موقفها ووجهة نظرها في الملف الليبي، بما في ذلك مطالبتها بالضغط لإجلاء مقاتلي مجموعة "فاغنر" التي تقاتل في صفوف حفتر.
وبينما أعلن الدبيبة من موسكو تفعيل اللجنة الليبية الروسية المشتركة، واختيار وزير النفط الليبي محمد عون رئيساً مشاركاً للجنة مع نظيره الروسي، كشفت المصادر عن أنه تعهد بتوفير كلّ السبل من أجل عودة كبرى الشركات الروسية للعمل في ليبيا، ومنها تعهده بمنح شركة "تات نفط" حق التنقيب عن الغاز في ثلاثة مواقع جديدة، إضافة إلى موقعها السابق قرب مدينة غدامس الحدودية مع الجزائر، وتمديد عقد شركة "ستروي ترانس" المبرم بقيمة مليار دولار، لإنشاء شبكة توزيع الغاز على شاطئ البحر المتوسط بين مدينتي زوارة وبنغازي.
وكان الدبيبة قد قال، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس، إن حكومته تمكنت من توحيد 80 في المئة من مؤسسات الدولة الليبية تحت مظلتها، "ولم يبقَ إلا المؤسسة العسكرية".
وإثر ختام الدبيبة زيارته لموسكو، قال المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية، إن الدبيبة يتوقع "فتح صفحة جديدة للعلاقات مع روسيا"، مشيراً إلى أن "بعض ما تحتاجه علاقات البلدين، دفعة جديدة لهذا التعاون من أجل بناء جسور بين الدولتين".
وواصلت الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، نشرها لتحركات مرتزقة "فاغنر" الروس في سرت والجفرة، وسط البلاد، آخرها فيديو نشرته الخميس الماضي، يظهر استمرار حفر "فاغنر" خندقاً دفاعياً بين مدينة سرت والجفرة.
وجاءت زيارة الدبيبة لروسيا متزامنة مع قرار لمجلس الأمن، بإجماع أعضائه، أكد فيه أن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية هما "حكومة ليبيا المكلفة قيادة البلد إلى غاية الانتخابات الوطنية بديسمبر".
وفيما شدد مجلس الأمن على السلطات التشريعية ضرورة توضيح الأسس الدستورية للانتخابات بحلول الأول من يوليو/ تموز المقبل، أكد ضرورة زيادة البعثة الأممية في ليبيا دعمها للجنة 5 + 5 من أجل تنفيذ وقف إطلاق النار، داعياً جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى احترام ودعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
كذلك حثّ المجلس السلطة الجديدة في البلاد على ضرورة التخطيط لنزع سلاح الجماعات المسلّحة غير الخاضعة للدولة، وإنشاء هيكل أمني جامع وخاضع للمساءلة بقيادة مدنية لليبيا ككلّ، وحث كذلك على ضرورة سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا "دون مزيد من التأخير".
ويعلّق الباحث السياسي الليبي مروان ذويب على زيارة الدبيبة لروسيا بأنها وإن كانت لا تختلف كثيراً عن زياراته للعواصم الأخرى التي تعهّد لها بنصيبها في مشاريع الإنماء وإعمار ليبيا وحصص في الاستثمار، إلا أنها حملت رسائل سياسية أيضاً.
ويرى ذويب، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الدبيبة "لم يكن ليفوت زيارته موسكو من دون أن يناقش وضع حفتر الذي لم تعد تدعمه عواصم، كما تجاهر بذلك موسكو"، مشيراً إلى أن اصطحابه لرئيس الأركان محمد الحداد رسالة واضحة لموسكو بأنه لا يعترف ولا يرغب في استمرار وجود حفتر.
وبعد أسبوع من عرض عسكري نظمه حفتر، جنوب شرق بنغازي، بمشاركة دبابات وطائرات روسية حديثة، عقد لقاء مع الضباط والقادة العسكريين لقواته، بمن فيهم رئيس أركانه عبد الرزاق الناظوري، تحت شعار "القوات المُسلحة الخط الدفاعي الأول والمتين للدفاع عن ليبيا والليبيين"، في مناقضة صريحة لنص ملتقى الحوار السياسي بأن المجلس الرئاسي يحمل صفحة "القائد الأعلى للقوات المسلّحة".
وفي أثناء خطابه خلال اللقاء، قال حفتر إنه لن يسمح "لأيٍّ كان بالمساس بالجيش أو التلاعب به"، مشيراً إلى أن الجيش لا يزال قوياً، وقد ازداد قوة واستعداداً. وأضاف: "معركة الشرف والكرامة لن تنتهي حتى نصل إلى إرجاع هيبة الدولة، وتأمين حدودها، وقواعدها العسكرية ومياهها الإقليمية، عليكم دائماً الاستعداد واليقظة التامة لأداء مهامكم بكل قوة وفي الموعد".
ولا يرجّح ذويب تغيراً سريعاً في موقف موسكو الداعم لحفتر، لكنه يرى أن تشديد الدبيبة على تمكن حكومته من توحيد كل المؤسسات، باستثناء المؤسسة العسكرية "يعني اتهاماً مبطناً لموسكو بأنها تقف وراء عرقلة توحيد هذه المؤسسة الحساسة بالنسبة إلى الوضع الحالي للبلاد".
وفي السياق، يرى ذويب أن تغيّراً كبيراً طرأ في مواقف المجتمع الدولي من قضية استمرار انقسام المؤسسة العسكرية في ليبيا، معتبراً أن خطاب مجلس الأمن وتعامل الأمم المتحدة مع حفتر، يعكسانه بشكل واضح. وقال: "نص قرار مجلس الأمن دعا إلى نزع سلاح المجموعات المسلّحة، من دون أن يستثني حفتر بعد أن كان يسمي قواته الجيش الوطني في خطاباته وبياناته السابقة"، ويعتقد أن قرار مجلس الأمن وضع حفتر في موقف حرج إذا رفض الخضوع لسلطة الدولة المدنية، كما نصّ على ذلك القرار.