أكدت منظمة "الدفاع المدني"، المعروفة أيضاً بـ"الخوذ البيضاء"، استخدام قوات النظام السوري صواريخ محملة بألغام شديدة الانفجار في هجماتها على مناطق شمال غربي سورية خلال الشهر الماضي، في تأكيد جديد على استمرار النظام في استخدام أسلحة محرمة دولياً في هجماته على المدنيين.
وفي منشور للمنظمة اليوم الأربعاء، أوضحت أن قوات النظام استخدمت صواريخ غراد 9m28 خلال هجماتها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وأشارت إلى إمكان أن تكون هذه الصواريخ محملة بألغام من نوع POM-2، والتي تُعتبر أسلحة محرمة دولياً وخطيرة للغاية.
وبينت أن "هذه الألغام تميزت بوجود أسلاك غير مرئية وقدرتها على الاختباء بين الأعشاب والركام". وتشير إلى أن "الشظايا القاتلة الناجمة عن انفجار الألغام تمتد على مسافة تتراوح بين 9 أمتار و25 متراً".
وأوضحت المنظمة أن الألغام من نوع "POM-2" هي من صُنع روسي، وتُعتبر محظورة دولياً. وهذه الألغام يمكن إطلاقها من أنظمة مختلفة على الأرض وفي الجو، بما في ذلك صواريخ غراد "9M28" التي استخدمتها قوات النظام في هجماتها الأخيرة على تلك المنطقة.
وفي حديثه مع "العربي الجديد"، أوضح المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق أن "هذه الألغام تشبه الألغام الوثابة، وتكون مضادة للأفراد، وتحمل زمناً مؤقتاً للانفجار في حالة عدم تفعيلها باللمس". وأكد خطورة "هذه الألغام بسبب عدم تحديد هدف محدد، مما يعني أنها يمكن أن تتسبب في انفجارها بين الأطفال والنساء والمدنيين بشكل عام، واعتبر استخدامها في المدن والبلدات جريمة".
قائد فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، العقيد مصطفى البكور، أكد أيضاً استخدام قوات النظام والجانب الروسي لأسلحة محظورة دولياً مثل القنابل العنقودية والفوسفور الخارق في قصف مناطق مدينة إدلب وريف جسر الشغور، مشيراً إلى أن "المراصد العسكرية سجلت مثل هذه الاستهدافات المروعة مراراً وتكراراً".
خلال الشهر الماضي، قامت قوات النظام بحملة قصف مكثفة على العديد من البلدات والقرى في محافظة إدلب في شمال غربي سورية. وهذه الحملة أسفرت، وفقًا لتقارير المنظمة، عن مقتل 66 شخصاً، بينهم 23 طفلًا و13 امرأة، وأصيب أكثر من 270 شخصاً، بينهم 79 طفلاً و47 امرأة، و3 متطوعين في الدفاع المدني السوري.
ولاحظت المنظمة أن قوات النظام ارتكبت ثلاث مجازر، حيث كان معظم الضحايا من الأطفال والنساء.
وفي هذا السياق، سجلت المناطق المستهدفة 287 هجوماً خلال الشهر الماضي نفذتها قوات النظام وروسيا، بما في ذلك 160 هجوماً مدفعياً وأكثر من 70 هجوماً بالصواريخ. واستخدمت مئات القذائف المدفعية والصواريخ خلال هذه الهجمات.
وعلاوة على ذلك، نفذت الطائرات الحربية الروسية 30 هجوماً خلال الشهر نفسه، تضمنت تسعة منها استخدام أسلحة حارقة محرمة دوليًا، وهجومين بالقنابل العنقودية المحظورة دولياً، وهجوماً بصواريخ موجهة، وهجوماً بصاروخ أرض-أرض بعيد المدى.
بيانات منظمة "الخوذ البيضاء" تشير إلى أن النظام السوري لا يزال يستخدم أسلحة محرمة دوليًا بشكل متكرر في هجماته التي غالبًا ما تستهدف المدنيين في مناطق شمال غربي سورية. وفي السياق ذاته، أدانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة بسبب استخدامه أسلحة محظورة دوليًا، مما أسفر عن مقتل مدنيين. آخر هذه الحوادث كانت المجزرة التي وقعت في دوما بغوطة دمشق في عام 2018، إذ أظهرت التحقيقات التي استمرت لمدة عامين أن النظام استخدم غاز الكلور، مما أدى إلى مقتل نحو 70 مدنياً.
مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، نضال شيخاني، أشار في تصريحات مع "العربي الجديد" في بداية العام الحالي إلى أن النظام استخدم الأسلحة المحرمة دوليًا في 262 حادثة على مدى سنوات الثورة السورية. وأوضح أن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل حوالي 3 آلاف مدني وإصابة نحو 14 ألفاً آخرين، مؤكدا أن المركز عمل، بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في ملفات تتعلق بـ70 هجوماً نفذها النظام في مناطق متعددة من سورية.
كان شهر تشرين الأول دموياً على السوريين شمال غربي #سوريا، إحصائية بعدد الهجمات والأسلحة المستخدمة وعدد الضحايا خلال حملة تصعيد هجمات النظام وروسيا على المدنيين ومرافق الحياة خلال شهر تشرين الأول - 2023.#الخوذ_البيضاء#الأسد_قاتل_السوريين pic.twitter.com/ai4HfjJUXE
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) November 1, 2023
تصعيد عسكري
في وقت تزامنت التصعيدات العسكرية مع حلول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة في منطقة شمال غرب سورية، تراجع حجم الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات الدولية والمحلية بنسبة تصل إلى 70 بالمائة. يعاني النازحون الجدد من صعوبة في العثور على مأوى نظراً لاكتظاظ معظم المخيمات في المنطقة، بالإضافة إلى مراكز الإيواء التي أُقيمت بعد زلزال شباط.
ووصف الناشط الإعلامي خضر العبيد الوضع الحالي بأنه "مأساوي"، مشيراً إلى أن موجة التصعيد الأخيرة جاءت في وقت حرج بعد وقوع كارثة الزلزال قبل أشهر قليلة.
وأوضح العبيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التصعيد الحالي لن يؤثر فقط على الوضع الحالي، بل سيؤثر أيضاً على النازحين الذين لن يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم إلا بعد وقف التصعيد". وأشار إلى أن "الموسم الزراعي قد انتهى، مما يجعل من الصعب توفير احتياجات الحياة اليومية للنازحين".
وأضاف العبيد أن "هناك أزمة في توفير المأوى والإغاثة العاجلة للنازحين، مما يمثل عبئا على الفرق الإنسانية والمنظمات التي تعاني من نقص في التمويل".
تجربة هدى عبد العزيز تعكس هذا السيناريو، حيث أجبرت على النزوح من بلدتها في ريف جسر الشغور خلال التصعيدات العسكرية. وقالت في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "بينما تمضي العائلة أياماً تترقب توقف الهجمات، تعيش في حالة قلق مستمر من تجدد الهجمات على منطقة جسر الشغور بشكل مكثف".
ارتفاع حصيلة الضحايا في درعا
إلى ذلك، ارتفعت حصيلة الضحايا في محافظة درعا، جنوبي سورية، خلال الشهر الماضي، نتيجة استمرار عمليات الاغتيال والخطف والاعتقال التي نفذتها قوات النظام السوري. وأفاد مكتب توثيق الانتهاكات التابع لـ"تجمع أحرار حوران" بأنه تم توثيق مقتل 48 شخصاً في المحافظة خلال هذا الشهر، من بينهم ثلاثة أطفال وامرأتان.
وبحسب تقرير المكتب، تمّ توثيق 33 عملية ومحاولة اغتيال خلال هذه الفترة، أسفرت عن مقتل 17 شخصاً وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة، فيما نجا 8 أشخاص من محاولات الاغتيال. وكان من بين الضحايا 13 مدنياً، بما في ذلك امرأة وطفلتها، بالإضافة إلى 4 أشخاص لم ينتموا إلى أي جهة عسكرية و7 عناصر سابقين في فصائل المعارضة لم ينضموا لأي جهة عسكرية بعد التسوية.
أيضاً، قتل مساعد أول من قوات النظام وضابط برتبة ملازم من المخابرات الجوية في عمليات الاغتيال. وشنت غارات جوية إسرائيلية استهدفت اللواء 12 في مدينة ازرع شرقي درعا، مما أسفر عن مقتل 4 ضباط برتبة ملازم و6 عناصر من قوات النظام.
هذا إلى جانب اعتقال قوات النظام 11 شخصاً في محافظة درعا، وأفرج عن 2 منهم خلال الشهر ذاته. يجدر ذكر أن أعداد المعتقلين في المحافظة قد تكون أكبر بكثير من الأرقام الموثقة لدى المكتب بسبب تردد أهالي المعتقلين في الكشف عن معلومات عن أبنائهم بسبب مخاوفهم الأمنية.