أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن الاستراتيجية التنفيذية لقانون "مكافحة كبتاغون الأسد"، الذي صادق عليه الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية العام الماضي، وهي الخطوة الأخيرة لتفعيل المشروع الذي مرره في وقت سابق الكونغرس الأميركي بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، والذي يقضي بوضع استراتيجية أميركية لمكافحة إنتاج المخدرات والاتجار بها في سورية، وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام رئيس النظام السوري بشار الأسد.
4 محاور رئيسية
وأفادت الوزارة في بيان في 29 يونيو/ حزيران الماضي، بأن الاستراتيجية تستند إلى 4 محاور رئيسية شاركت بوضعها وزارتا الدفاع والخزانة، إضافة إلى إدارة مكافحة المخدرات وتحقيقات الأمن الداخلي ومكتب مدير المخابرات الوطنية ومكتب السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات، وذلك بهدف تعطيل وإضعاف الشبكات التي تدعم البنية التحتية للمخدرات في نظام الأسد.
كما "ستساهم في بناء قدرات مكافحة المخدرات في البلدان الشريكة، وذلك عبر تدريب أجهزة إنفاذ القانون في البلدان التي تستهدفها أو تمر عبرها كميات كبيرة من المخدرات"، وفق البيان.
وأوضح البيان أن شبكات تهريب الكبتاغون تعمل عبر 17 دولة من إيطاليا إلى ماليزيا، مضيفاً أن الكيانات المرتبطة بنظام الأسد، مثل حزب الله اللبناني، تنتج أقراص الكبتاغون في سورية ولبنان، كما تنتج أقراصاً مزيفة بزعم أنها كبتاغون. وأشار إلى أن الأراضي اللبنانية تُستخدم في الإنتاج والتصدير عبر موانئ البلاد، حيث تعد الوجهة الرئيسة لها هي الأسواق في منطقة الخليج، وذلك على الرغم من أن كميات متزايدة تستهلك الآن في بلدان كانت في السابق دول عبور خالصة، مثل الأردن والعراق.
محمد العيد: الخطط ليست كافية لأنها لا تتضمن ضربات عسكرية
وأوضح البيان أن معظم ما تنتجه المجموعات السورية المرتبطة بنظام الأسد وحزب الله من الكبتاغون يتم شحنه من الموانئ السورية مثل اللاذقية، أو تهريبه عبر الحدود الأردنية والعراقية بواسطة تجّار المخدرات الذين تدعمهم الجماعات المسلحة والشبكات المحلية.
وشرح البيان المحاور الرئيسية في الاستراتيجية الأميركية، وتشمل الدعم الدبلوماسي والاستخباري من خلال تحديد الجهات الفاعلة الرئيسية وشبكات توزيع الكبتاغون وكذلك التدفقات المالية، من أجل تقويض وتعطيل هذه الشبكات، واستخدام العقوبات الاقتصادية والأدوات المالية الأخرى لاستهداف شبكة التهريب التابعة لنظام الأسد، ومنعه والمنظمات الإرهابية المصنفة مثل حزب الله من استخدام النظام المالي الأميركي لغسل عائدات المخدرات.
ويتضمن المحور الثالث تقديم المساعدة والتدريب للبلدان الشريكة، إضافة إلى التعاون داخل المؤسسات متعددة الأطراف، من أجل بناء القدرة على مكافحة المخدرات وتعطيل سلسلة توريد العقاقير الاصطناعية غير المشروعة المستخدمة في صناعة الكبتاغون.
ويركز المحور الرابع على التنسيق مع الشركاء البريطانيين والأوروبيين وكذلك مع مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية وشركاء في المنطقة، من أجل الضغط على نظام الأسد للحد من إنتاج الكبتاغون والاتجار به.
وباتت المخدرات ركيزة اقتصاد نظام الأسد، ورصدت تقارير إعلامية ومراكز أبحاث خلال السنوات الماضية العديد من أماكن إنتاج المخدرات في سورية خصوصاً الكبتاغون، والجهات التي تقف خلفها، وحجم الإنتاج وآليات تصريفه محلياً وخارجياً، ومدى اعتماد نظام الأسد على عوائد المخدرات، بعد أكثر من عقد من الحرب تخلله انهيارات أساسية في بنيته الاقتصادية.
ووفق تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في نهاية عام 2021، فإن "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع الكبتاغون وتصديره، فيما يتولى المتاجرة به رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام، وحزب الله وأعضاء آخرون من عائلة الأسد.
وتشير دراسات أخرى، منها تلك الصادرة عن مركز "كوار" (COAR) للتحليل والدراسات في نهاية إبريل/ نيسان 2021، إلى أن سورية باتت مركزاً عالمياً لإنتاج الكبتاغون، فيما قدّر تقرير لمؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية الأميركية القيمة السوقية للكبتاغون المنتج في مناطق سيطرة النظام عام 2020 بنحو 3.5 مليارات دولار.
وقدرت تقارير نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نهاية العام الماضي وصحيفة "دير شبيغل" الألمانية أن عوائد المخدرات على نظام الأسد وصلت إلى 5.7 مليارات دولار عام 2021 وحده.
الإجراءات الأميركية لا تبدو كافية
وفي تقييمه للخطط الأميركية الخاصة بمكافحة إنتاج المخدرات من جانب نظام الأسد، رأى الصحافي الاقتصادي المتابع لهذا الملف محمد العيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإجراءات الأميركية المعلنة بهذا الصدد لا تبدو كافية أو رادعة لهؤلاء، لأنها لا تتضمّن تدخلاً عسكرياً أو إمكانية ضرب مراكز الإنتاج المعروف بعضها في العديد من المناطق السورية واللبنانية، خصوصاً في ريف دمشق والجنوب السوري، وحمص والساحل السوري.
سامر الصمادي: الإجراءات قد لا تؤثر كثيراً على النظام
وأضاف أن هذه الإجراءات قد تفيد في تضييق الخناق السياسي والدبلوماسي، وربما المالي، على النظام وشبكاته، لكن النظام اعتاد على مثل هذه الضغوط خلال السنوات الماضية، وقد يلجأ فقط إلى اتخاذ مزيد من التدابير الاحترازية لإبعاد نفسه عن الإدانة، مع مواصلة تظهير جهوده المزعومة لمكافحة تجارة المخدرات وتصنيعها.
وأوضح أن النظام إذ يبرز جهوده في مكافحة المخدرات من خلال الإعلان بين الفينة والأخرى عن ضبط شحنات هنا وهناك، فهو إما يسعى لامتصاص الضغوط الخارجية عليه وإظهار نفسه بمظهر المتعاون، أو أنه يستهدف بعث رسائل للمعنيين في الخارج بقدرته على ضبط هذه العملية إذا أراد ذلك، لكنه يريد الثمن في المقابل، وهو تعويضه عن عائدات تجارة المخدرات.
من جهته، لفت الناشط في الجنوب السوري سامر الصمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن حركة المخدرات تصنيعاً وتهريباً تعرضت لارتباك شديد بعد الضربة الجوية الأردنية في مايو/ أيار الماضي والتي استهدفت موقعين لإنتاج المخدرات وتهريبها. وطاولت الضربة الأولى أحد أبرز المتهمين بهذه التجارة، المدعوم من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وهو مرعي الرمثان الذي قُتل مع عائلته في منطقة الشعاب.
أما الضربة الثانية فاستهدفت مركزاً لتصنيع الكبتاغون في ريف درعا. وأوضح الصمادي أن مثل هذه الضربات، أو من خلال دعم مجموعات محلية معارضة للنظام ومنزعجة من استباحة مناطق الجنوب السوري لتجارة المخدرات، يمكن أن تكون مجدية أكثر من الإجراءات الأميركية الفضفاضة والتي قد لا تؤثر كثيراً على رموز النظام بسبب انفصالهم أساساً عن النظام المالي الدولي.