مع الإعلان عن اكتمال تشكيل لجان "الحوار الوطني"، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إبريل/ نيسان الماضي، ومع قرب انطلاق جلسات الحوار الفعلية، علمت "العربي الجديد" أن الدائرة المشرفة على إدارة الحوار تعكف حالياً على وضع تصورات خاصة بالنتائج التي من المفترض أن يؤدي إليها الحوار. ويجرى ذلك بالتعاون مع شخصيات قانونية وأكاديمية وسياسية، وذلك في وقت تعيش فيه ما تسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية" (تضم أحزاباً وشخصيات عامة مصرية معارضة) حالة من التخبط والتشتت، إلى جانب عدم استعدادها للحوار.
وقال سياسيون وحقوقيون مطلعون على مجريات الحوار والمشاورات التي تجرى بين السلطة وبعض ممثلي المعارضة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الدائرة المشرفة على الحوار في السلطة دفعت ببعض المتخصصين، من الذين عملوا على صياغة نتائج محددة، لشغل مناصب في لجان الحوار المختلفة، من أجل إحكام قبضة السلطة على مجريات الحوار وضمان تمرير المشاريع التي وُضعت.
شارك علي الدين هلال في صياغة بعض التصورات الخاصة بنتائج الحوار
ويأتي على رأس هؤلاء، وفق المصادر، علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، وأمين الإعلام بالحزب الوطني الديمقراطي "المنحل"، وعضو هيئة مكتب أمانة الحزب عام 2006، وأحد أهم رجال نظام الرئيس المخلوع الراحل محمد حسني مبارك.
وأكدت المصادر أن وزير الشباب السابق علي الدين هلال، الذي عُيّن مقرراً للمحور السياسي بالحوار الوطني، "شارك في صياغة بعض التصورات الخاصة بنتائج الحوار، التي تأمل السلطة إقرارها في ختام الجلسات، مع أكاديميين آخرين".
استرضاء الحركة المدنية الديمقراطية
ولفتت إلى أنه "تلافياً لتململ الحركة المدنية الديمقراطية من تشكيل اللجان التي أعلن عنها في السابق، جرى الاستغناء عن أحمد كامل البحيري الذي اختير مساعداً لمقرر المحور السياسي علي الدين هلال، واستبداله بمصطفى كامل السيد، الذي كان مرشحاً سابقاً للحركة المدنية كعضو في مجلس أمناء الحوار".
وقالت المصادر إنه "في سبيل استرضاء الحركة المدنية الديمقراطية، قطعت الجهة المشرفة على الحوار وعوداً بالإفراج عن قائمة من المعتقلين السياسيين في ذكرى احتفالات السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل".
نتائج جاهزة للحوار الوطني المصري
وبحسب ما قالته مصادر على صلة بالمشاورات التي أجرتها الدائرة المشرفة على الحوار، وقدمت لها أوراقاً ومقترحات، فإن هذه الدائرة تدير حالياً ما يمكن وصفه بـ"حوار سري" مع شخصيات عامة وسياسيين وخبراء في القانون من المقربين للسلطة، "بهدف التوصل إلى نتائج محددة تكون جاهزة عند الانتهاء من الحوار، يتم فرضها إجبارياً على المشاركين فيه".
وأوضحت المصادر أن "المسؤولين عن الحوار يستعدون حالياً، بالتعاون مع مجموعة من الخبراء والمختصين، لوضع تصور خاص بتعديل بعض القوانين، ومنها قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، والقوانين الخاصة بالانتخابات النيابية".
الدائرة المشرفة على الحوار تدير حالياً ما يمكن وصفه بـ"حوار سري"
وقال مصدر قانوني وثيق الصلة بالمشاورات التي تجريها الدائرة المشرفة على الحوار، لـ"العربي الجديد"، إن "التوجه الحالي لدى السلطة، بالنسبة لقانون الصحافة والإعلام، هو إلغاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، والعودة إلى النظام القديم، وهو مجلس أعلى للصحافة، وهيئة أو وزارة للإعلام".
وتابع: "أما بالنسبة لقانون الانتخابات، فمن الممكن تعديل نظام الانتخاب بالقائمة المغلقة الذي يهدر نسبة كبيرة من أصوات الناخبين، ويتسبب في اتساع الدوائر بشكل كبير".
تشتت المعارضة المصرية
في مقابل ذلك، يجد فريق المعارضة المصرية نفسه مشتتاً بين أكثر من جبهة تريد التحكم في الفريق، ومتخبطاً بسبب عدم وجود رؤية محددة وخطة واضحة متفق عليها عند بدء الحوار.
وفي السياق، قال سياسي مصري بارز، وشريك في "الحركة الوطنية الديمقراطية" التي تستعد للانخراط في الحوار، إن "حالة الفوضى التي أصابت الحركة وصلت إلى مرحلة خطيرة".
وأشار إلى أن "بعض أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني أنفسهم، والذين رشحتهم الحركة من جانبها لاقتسام المجلس مع الأعضاء الذين رشحتهم السلطة، لا ينسقون حالياً بأي شكل من الأشكال مع الحركة بحيث تكون مشاركتهم في المجلس معبرة عن تطلعات المعارضة في الحوار، ومنهم المحامي نجاد البرعي".
وأضاف المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن "الجميع داخل الحركة المدنية لا يعوّلون كثيراً على تحقيق نتائج حاسمة من الحوار، لكنهم يراهنون فقط على تحقيق بعض المكاسب؛ سواء كانت شخصية، أو عامة مثل الإفراج عن بعض المعتقلين الذين ينتمون إلى الأحزاب والقوى المنضوية ضمن الحركة".
وتابع المصدر أنه "حتى الرهان على الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين أصبح الآن أمراً مشكوكاً فيه، إذ أتوقع أن يستفيق المشاركون من الحركة في الحوار على صدمة كبيرة من قبل السلطة، بعدم الإفراج عن قوائم ذات قيمة، خصوصاً أن المقدمات تؤكد ذلك، وقد تمثلت أخيراً في حالة الهجوم العنيف من قبل محسوبين على السلطة، على كل من وقّع على عريضة تطالب رئيس الجمهورية بالإفراج الصحي عن رئيس حزب مصر القوية والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية عبد المنعم أبو الفتوح".
سياسي: حالة الفوضى التي أصابت الحركة المدنية وصلت إلى مرحلة خطيرة
وانتهى مجلس أمناء الحوار الوطني، في اجتماعه السادس السبت الماضي، إلى اختيار حسام بدراوي -الذي عيّنه الرئيس المخلوع حسني مبارك أميناً عاماً للحزب الوطني إبان ثورة 25 يناير 2011، خلفاً لصفوت الشريف- مستشاراً للحوار الوطني، إلى جانب الاتفاق على تقسيم هياكل المحاور الثلاثة للحوار (السياسي، والاقتصادي، والمجتمعي) إلى 19 لجنة فرعية.
إغراق الحوار المصري بالمقترحات
وفي سياق متصل، قال مصدر من داخل مجلس أمناء الحوار إنه "بينما تنتظر الأحزاب والقوى السياسية المعارضة انطلاق الحوار الوطني لتقديم تصوراتها ومقترحاتها للنقاش العام، يقوم رئيس الأمانة العامة للحوار، محمود فوزي، بتفعيل عمل لجان تابعة له، تقوم على استقبال آلاف المقترحات حول القضايا المختلفة، أغلبها من أحزاب وشخصيات محسوبة على النظام، وإعدادها وتجهيزها، استعداداً لانطلاق الحوار الفعلي".
وأوضح المصدر أن "الأمين العام للحوار، يتبع استراتيجية تقوم على تجهيز كل هذه المقترحات، حتى يكون مستعداً لمقابلة أي مقترحات من قبل المعارضة، بآلاف المقترحات الأخرى، وبالتالي يغرق الحوار في بحر من المقترحات".
خلافات داخل الحركة المدنية الديمقراطية
ومن جهته، قال قيادي حزبي بارز، مطلع على المشاورات التي تجريها بعض شخصيات المعارضة مع الدائرة المشرفة على إدارة الحوار الوطني بجهاز المخابرات العامة، إنه "كانت هناك شخصيات تقوم بالتشاور مع المسؤولين بالجهاز، ومنها المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، والمخرج السينمائي والنائب السابق خالد يوسف، وحالياً انضم إلى هؤلاء رئيس حزب المحافظين النائب السابق أكمل قرطام، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل".
ولفت المصدر إلى أن "دور هذا الفريق، المكون من أعضاء في الحركة، كان اختيار المقررين والمقررين المساعدين للجان الفرعية الخمس عشرة المتفرعة عنها، لكنه بشكل عام، لا يوجد انسجام داخل الحركة بين الأحزاب والقوى المختلفة، بل على العكس من ذلك، فإن هناك خلافات حادة في الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية، التي من المفترض مناقشتها داخل الحوار، وهو ما يعطي الفرصة للسلطة التي تقف على الجهة الأخرى لفرض رؤيتها الخاصة أمراً واقعاً".
هناك خلافات حادة في الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية داخل الحركة المدنية
وأعلن مجلس أمناء الحوار الوطني، في بيان السبت الماضي، تشكيل "المحور السياسي" من خمس لجان، وذلك بإضافة لجنتي "الأحزاب السياسية"، و"النقابات والمجتمع الأهلي"، إلى اللجان الثلاث السابق إقرارها، وهي: مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي، والمحليات، وحقوق الإنسان والحريات العامة.
وقُسِّم "المحور السياسي" إلى خمس لجان استجابة لمطالبات الحركة المدنية الديمقراطية، بعدما وصفت التقسيم القديم، في بيان لها الأسبوع الماضي، بأنه "لم يحقق التوازن المطلوب".
وكان المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان وعد، الأسبوع الماضي، بالنظر بجدية في مقترحات أحزاب الحركة المدنية الخاصة بتقسيم المحور السياسي وتشكيل لجانه، وذلك عقب ساعات من بيان للحركة أصدرته عقب اجتماع لها.
وأعلن مجلس أمناء الحوار عن أسماء أعضاء لجنة "مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي"، ومن بينهم محمد عبد الغني مقرراً، ومحمد شوقي عبد العال مقرراً مساعداً.
أما لجنة "المحليات"، فأعلن عن تعيين سمير عبد الوهاب مقرراً لها، وعلاء عصام مقرراً مساعداً، فيما ضمت لجنة "حقوق الإنسان والحريات العامة" نيفين مسعد مقرراً، وأحمد راغب مقرراً مساعداً.
وضمّت لجنة "الأحزاب السياسية" إيهاب الطماوي مقرراً، وخالد داوود مقرراً مساعداً، في حين ضمّت لجنة "النقابات والمجتمع الأهلي" أحمد البرعي مقرراً، ومجدي البدوي مقرراً مساعداً.