الحوار الوطني المصري: ارتباك في السلطة والمعارضة

03 مارس 2023
البرعي في اجتماع مجلس أمناء الحوار، ديسمبر الماضي (فيسبوك)
+ الخط -

ألقى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري نجاد البرعي الكرة في ملعب السلطة والقوى المحسوبة على المعارضة، المتمثلة في "الحركة الوطنية الديمقراطية"، بعدما أنجز مجلسه "مهمته في الإعداد والتحضير للحوار الوطني، وأنهى كل الترتيبات، وذلك قبل انعقاد مؤتمر قمة المناخ العالمية في شرم الشيخ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي".

وقال البرعي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لم يعد لدينا ما نفعله، ولم يعد لدينا جديد نقدمه، وعلى أطراف الحوار أن تقرر ما إذا كانت تريد الحوار أم لا".

موعد إطلاق الحوار الوطني المصري

وبشأن موعد إطلاق الحوار رسمياً، أوضح عضو مجلس أمناء الحوار أنه "من وقت لآخر، تنتشر الأخبار حول اجتماع لمجلس أمناء الحوار الوطني لإعلان موعد إطلاق الحوار، ولكن كما ذكرت، فإن مهمة مجلس الأمناء اكتملت، وعلى الطرف الداعي للحوار أن يقرر موعد الانطلاق".

وبعد نحو شهرين توقف خلالها عن عقد الجلسات التمهيدية، وقبل أيام من حلول شهر رمضان (أواخر شهر مارس/ آذار الحالي)، الذي سيشهد الذكرى السنوية الأولى لإطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي الدعوة لحوار "سياسي" من دون البدء فيه حتى الآن، عاد "مجلس أمناء الحوار" للاجتماع مرة أخرى، الأحد الماضي، ولكن من دون إصدار أي بيانات رسمية كما كان يحدث في الجلسات السابقة.


خالد داود: يجب التوقف عن إعادة تدوير المحبوسين في قضايا جديدة

ونشرت صحيفة "الوطن" تقريراً يشير إلى وقائع الاجتماع الذي تناول فقط الموضوعات التي سيناقشها الحوار الوطني في "المحور الاجتماعي"، وذلك على الرغم من أن عضو مجلس أمناء الحوار، النائب طلعت عبد القوي، صرح لصحيفة "الشروق" المصرية بعد آخر اجتماع للمجلس في يناير/ كانون الثاني الماضي، بأن الاجتماع المقبل "سيتضمن اعتماد الأسماء النهائية التي ستتم دعوتها لحضور الحوار الوطني، بالإضافة إلى اعتماد الجداول النهائية الخاصة بالجلسات"، وهو ما لم يحدث في اجتماع الأحد الماضي.

وفي السياق، قال البرعي إنه "لم يحضر الاجتماع الأخير، ولا يعرف لماذا تطرق النقاش إلى المحور المجتمعي، لأن النقاش حول هذا المحور منته ومُعلن من قبل".

ويبدو أن حالة الارتباك الظاهرة في دوائر النظام المسؤولة عن "الحوار الوطني"، هي نفسها التي تعاني منها "الحركة المدنية"، التي أصبحت في موقف حرج، بعد تجاهل السلطات المصرية معظم المطالب التي نادت بها الحركة في بيانهـا الأول الصادر بتاريخ 8 مايو/ أيار 2022، من أجل الانخراط في "الحوار الوطني"، وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

ورصد مركز "شفافية للأبحاث والتوثيق"، في 12 فبراير/ شباط الماضي، 4546 حالة تدوير لمعتقلين سياسيين مصريين من قضية لأخرى، لاستمرار حبسهم احتياطياً أكثر من عامين، خلال الفترة من 2016 وحتى 2023. ووثّق المركز البحثي ومقره القاهرة، خلال الفترة من يناير 2016 وحتى 1 يناير 2023، تعرض 2914 ضحية لتلك الممارسة بإجمالي 4546 واقعة تدوير.

وعلى الرغم من ذلك، رأى المتحدث الإعلامي باسم "الحركة المدنية الديمقراطية" خالد داود أن "هناك مؤشرات جديدة من الطرف الداعي للحوار الوطني بالرغبة في إطلاق الحوار رسمياً في وقت قريب"، لكنه أبدى اعتقاده بأن اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني، الذي عُقد الأحد الماضي، جاء "من أجل استكمال الإجراءات، وليس لتحديد موعد إطلاق الحوار، وأنهم لا يزالون ينتظرون موعد إطلاق الحوار رسمياً".

وقال داود لـ"العربي الجديد": "لدينا في الحركة المدنية بعض المطالب لخلق الثقة بين الأطراف المعنية والشعب، ولا أقول شروط مسبقة، ولكن مطالب موضوعية لا بد من حدوثها كي يصبح الحوار جدياً. وعلى رأس تلك المطالب الإفراج عن المحبوسين، وتعديل قانون الحبس الاحتياطي، فلا تكون مدد السجن مطوّلة، إلى جانب التوقف عن إعادة تدوير المحبوسين في قضايا جديدة، والتوقف عن إلقاء القبض على المواطنين بسبب إبداء آرائهم على الإنترنت وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وأهمية رفع الحجب عن المواقع الصحافية، وضرورة تعديل قانون الانتخابات البرلمانية بما يسمح بالقائمة النسبية، حتى يعطي الفرصة للأحزاب للمنافسة على المقاعد". وأكد داود أن "تنفيذ هذه المطالب يمنح الثقة للأطراف المشاركة في جدية الحوار وفي صدق نوايا الطرف الداعي للحوار".

النظام لا يأخذ المعارضة بجدية

من جانبه، كشف الأستاذ في العلوم السياسية خليل العناني لـ"العربي الجديد": "أولاً لا يمكن أخذ مسألة الحوار الوطني في مصر على محمل الجد لعدة أسباب، أولها وأهمها أن الأنظمة الديكتاتورية الفردية لا تؤمن بالحوار ولا تسعى إليه إلا فقط من أجل تحسين صورتها، خصوصاً خارجياً. وفي الحالة المصرية إن النظام الحالي لا يأخذ المعارضة بجدية كي يتحاور معها، بل على العكس يحتقرها ويراها عبئاً على الدولة والمجتمع ويحمّلها مسؤولية ما حدث خلال العقد الماضي، تحديداً منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011".


خليل العناني: لا يمكن أخذ مسألة الحوار الوطني في مصر على محمل الجد

وأضاف العناني أن "القضية الثانية هي أن الحوار لا يتم بشكل محايد أو نزيه، لأنه يجري تحت إشراف كامل من النظام وأجهزته الأمنية والاستخباراتية، وهذا بشهادة بعض مؤيدي النظام، مثل النائب البرلماني السابق محمد أنور السادات، الذي اتهم الأجهزة الأمنية بالإشراف على الحوار الوطني. وبالتالي فإن الحوار غير متكافئ سواء في التمثيل أو الأجندة، فضلاً عن إقصاء الكثير من الحركات والتيارات أو لم تشارك في الحوار، تحديداً الحركات المحسوبة على ثورة يناير مثل (6 إبريل)، و(الاشتراكيين الثوريين)، وطبعاً (الإخوان المسلمين)، و(مصر القوية)، وغيرها من القوى والأحزاب. وبالتالي فهو حوار انتقائي على قياس السلطة وهواها".

وتابع العناني: "أما في ما يخص أجندة الحوار فيتم تحديدها من أعلى، أي من النظام وليس من الأطراف المشاركة بالحوار، ولذلك فهناك العديد من الخطوط الحمراء التي لا يجرؤ أحد من المشاركين في الحوار على طرحها، مثل نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وقضية سد النهضة، ومسألة تيران وصنافير، والقروض والديون الخارجية، ومسألة الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، وغيرها".

وشدّد على أن "الحوار ليس حواراً بالمعنى الحقيقي، بل مسرحية هزلية ومجرد رتوش لتجميل الوجه القبيح للنظام وشراء للوقت، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها النظام، وبالتالي تصبح المشاركة فيه بمثابة انتحار سياسي واعتراف بشرعية نظام يعرف الجميع، بمن فيهم المشاركون في الحوار، أن مصيره السقوط والزوال، آجلاً أو عاجلاً".