الحكومة الإسرائيلية تعمل على ضم الأراضي المحتلة كأمر واقع

13 يونيو 2023
يتم هدم المنازل في القدس لتهجير الفلسطينيين (سعيد قاق/الأناضول)
+ الخط -

منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، في ديسمبر/كانون الأول 2022، كان من الواضح أنها ستحمل أجندة خطيرة على المجتمع العربي وعلى القضيّة الفلسطينيّة والاحتلال، وفقاً لما نُشر حينها من اتفاقيات وتفاهمات بين حزب "الليكود" وشركائه.

في ما يخصّ القضية الفلسطينية والاحتلال، كان يُتوقع أن تحاول الحكومة الانتقال من مقاربات تقليص الصراع وإدارته إلى محاولة حسم الصراع، وفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، وفقاً لمفاهيم التيارات الصهيونية الدينية المتطرفة، عن طريق السعي إلى ضمّ المناطق "ج" وتوسيع الاستيطان، وخلق واقع من الصعب تغييره في الأراضي المحتلة عام 1967، خصوصاً أن اتفاقيات التحالف وكلت رئيس حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش بملف الاستيطان.

ترجمة نوايا وخطط الحكومة واليمين الديني تجري يومياً على أرض الواقع، إلا أنها لا تحظى جميعها بانكشاف أو اهتمام إعلامي، أو سياسي، بحجم خطورتها.

عودة المستوطنين إلى حوميش

من أبرز تلك القرارات كان قرار وزير الأمن يوآف غالانت السماح للمستوطنين بالعودة إلى مستوطنة "حوميش"، الواقعة بين جنين ونابلس، التي أخليت قبل 18 سنة وفقاً لخطة الانسحاب أحادي الجانب عام 2005، تنفيذاً لقانون إلغاء "فك الارتباط" في شمال الضفة الغربية، والذي أقره الكنيست قبل شهرين لشرعنة وجود المستوطنين في "حوميش".

قرار السماح بعودة المستوطنين إلى "حوميش" هو الأبرز، لكنه ليس الوحيد، ولا يستوفي مشهد الخطوات اليومية التي يقوم بها المستوطنون والحكومة.

هدف الاحتلال تقليص عدد الفلسطينيين إلى الحد الأدنى
 

في بداية الشهر الحالي، أصدرت 17 منظمة حقوق إنسان إسرائيلية تقريراً حول السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، لتوضيح مدى خطورة تصرفات المستوطنين وأهداف السياسات الحكومية الرامية إلى تأبيد الاحتلال، وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية. يتناول التقرير الخطوات لتسريع الضم الفعلي، وخطوات التهجير والطرد تجاه الفلسطينيين، وعنف قوات الأمن، وتعميق الفصل بين غزة والضفة الغربية والقدس.

تسارع خطوات ضم الضفة الغربية 

يوضح التقرير أن العام الأخير شهد انتقالاً من سياسات "الضم الفعلي الصامت"، غير الرسمي التي تقوم بها إسرائيل، إلى عملية الضم الكامل.
فعلى الرغم من امتناع الحكومة عن الإعلان الرسمي، أو وجود قرار رسمي حول ضم المناطق المحتلة، خصوصاً مناطق "ج"، فإن نقل الصلاحيات المدنية إلى سموتريتش بصفته وزيراً في وزارة الأمن، قد أدى في الواقع إلى وضع مسؤول مدني للحكم في المناطق المحتلة.

هذه الخطوة والعمليات التشريعية الأخرى ترسخ توسيع السيطرة على الأراضي المحتلة للمستوطنين فقط، وتعني تسريع الضم الكامل.

ضم أكبر قدر ممكن الأراضي الفلسطينية

هدف الاحتلال هو ضم أكبر قدر ممكن من الأراضي وتقليص عدد السكان الفلسطينيين إلى الحد الأدنى. في العام الماضي، تركزت جهود الترحيل في القدس الشرقية والمنطقة "ج". في القدس، يتم استخدام الحرمان من حقوق التخطيط والبناء، وهدم المنازل وإجراءات "تسوية الأراضي" في المدينة لنزع الملكية.

وفي المنطقة "ج"، يقوم الجيش بالإعلان عن مساحات كبيرة كمناطق عسكرية مغلقة، لا يسمح بها بالحركة أو الزراعة أو الرعي. وبالتالي يتم إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم، خاصة في منطقة الأغوار، ومسافر يطا في منطقة الخليل، ومنطقة الخان الأحمر.

وبالتوازي أصبحت أعمال عنف المستوطنين المخططة والممأسسة، بدعم من قوات الأمن، أكثر شيوعاً وتدميراً. عنف المستوطنين يعتبر أداة فعالة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وللتطهير العرقي لمناطق واسعة في المنطقة "ج".

وإلى جانب عنف المستوطنين ومحاولاتهم للسيطرة على أراضٍ فلسطينية، هناك تصاعد كبير في عنف قوات الجيش ضد الفلسطينيين. فقد وصل عدد القتلى الفلسطينيين في العام الأخير في الضفة الغربية إلى ذروته منذ الانتفاضة الثانية في العام 2000. ويعترف الجيش الإسرائيلي بأن نحو نصف القتلى الفلسطينيين كانوا غير مسلحين، ونحو ربعهم من الأطفال.

اقتحام المنازل ليلاً، والاعتقالات العنيفة للأطفال، وعدد قياسي من المعتقلين الإداريين، والتعذيب خلال تحقيقات "الشاباك" وانتهاكات حقوق الأسرى، كلها علامات على تزايد العنف في "نظام العقاب" ضد الفلسطينيين.

عنف المستوطنين والجيش، وتقاسم وتكامل الأدوار بينهما، لديه أهداف واضحة، كما يوضح تقرير موسع لصحيفة "هآرتس" نشر في فبراير/شباط الماضي.

وذكرت الصحيفة، وقتها، أن الجرائم التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، ليست مجرد ظاهرة إجرامية، إذ لها آثار استراتيجية، وهي عملياً أداة تستخدمها إسرائيل لإحداث تغييرات أحادية الجانب، لها إسقاطات سياسية، وتساهم في فرض سيطرة إسرائيل على الأراضي المحتلة.

جرائم المستوطنين تحدث كل يوم في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهي تدفع الفلسطينيين بشكل منهجي إلى الخروج من مناطقهم. مجموعات من المستوطنين تستولي على الأرض بقوة السلاح، وتقتلع الزرع، وتضرب المزارعين الفلسطينيين وترهب مجتمعات بأكملها. في المناطق التي يغزونها، يبني المستوطنون، أو يزرعون بشكل غير قانوني، ويخلقون وجوداً إجرامياً دائماً. يحدث هذا بشكل رئيسي في المناطق الريفية، ولكن أيضاً في الخليل والقدس.

"هآرتس": إسرائيل تستخدم جرائم المستوطنين لإحداث تغييرات
 

تقرير "هآرتس" يشير، استناداً إلى بيانات جمعية "ييش دين" الحقوقية، إلى تحول جوهري في أهداف عنف المستوطنين في السنوات الأخيرة، بحيث هناك انتقال من عمليات عنف في المناطق المفتوحة إلى داخل القرى الفلسطينية، وفي السنوات الأخيرة حتى إلى المنازل.

هذه هي طريقة توزيع الأدوار بين المؤسسة الأمنية والمستوطنين، بهدف نزع الملكية وتهويد الضفة الغربية، وإرهاب السكان وتهجيرهم. تعمل الحكومة الإسرائيلية بطريقة منظمة ورسمية وعلنية في حدود ما تسمح به الحالة السياسية المحلية والدولية، ويقوم المستوطنون، بواسطة العنف، باستكمال المطلوب بشكل غير رسمي.

فرض حل من طرف واحد

هذه الإجراءات والخطوات تعمل في اتجاه ضم المناطق المحتلة، وفرض حل من طرف واحد كما يوضح تقرير لمركز "عدالة" نشر مطلع شهر يونيو/حزيران الحالي.

ويتحدث التقرير عن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي تشكل خطوات لضم الضفة الغربية، وسياسة واضحة لتوسيع نظام الفوقية العرقية اليهودية، وتعميق الفصل العنصري في الضفة الغربية، منها، التغييرات المؤسسية، ونقل مجالات عمل من الحاكم العسكري ومكاتب الارتباط إلى الوزارات، وتسوية البؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات، والإنفاذ المباشر للتشريعات الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية، وتشريع بؤر استيطانية، وسريان قانون "لجان القبول" على المستوطنات في الضفة، وخطوات بيروقراطية أخرى. ويلخص تقرير "عدالة" أن هذه الإجراءات تشكل ضماً فعلياً وقانونياً للضفة الغربية، وتشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الأراضي المحتلة

على أرض الواقع، تنفذ الحكومة الحالية عدداً من السياسات الرامية إلى تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الأراضي المحتلة، من دون أي رادع، ومن دون أي احتجاج في المجتمع الإسرائيلي، أو تدخل دولي جدي ومؤثر.

وتُعتبر الإجراءات والسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، جزءاً من خطة واضحة تنتهجها الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية وفرض سيادة كاملة على الأرض، وحسم ملف الاحتلال من طرف واحد.

وتطبق الحكومة الحالية هذه الإجراءات من دون أي معارضة جدية، لا في الكنيست ولا الشارع الإسرائيلي المنشغل بخطة تعديل القضاء، فيما تبتعد حركة الاحتجاج عن قضية الاحتلال خشية على تماسك الاحتجاج.

بل إن المجتمع الإسرائيلي غير منقسم حول قضية الاحتلال كما هو منقسم في قضية التعديلات القضائية. وبذلك تُشغل الحكومة الإسرائيلية أحزاب المعارضة وحركات الاحتجاج، بل والساحة الدولية، وتقوم بتنفيذ سياسات لتأبيد الاحتلال ومحاولة إغلاق ملف الاحتلال وخلق واقع جديد من دون تدخل أحد.