الحكم الإقليمي في السودان: حماية الوحدة أم استيلاد أزمات؟

18 ابريل 2021
يأمل مؤيدو المؤتمر بإنهاء احتكار المركز لقدرات الدولة (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

تستعد الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح وبقية أطراف عملية السلام في السودان، إلى عقد أوسع مؤتمر للحكم الإقليمي نهاية شهر إبريل/نيسان الحالي، والذي سيعيد تقسيم خريطة البلاد من جديد. وفي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقّعت الحكومة وحركات الكفاح المسلح، اتفاقاً للسلام تضمّن عودة إلى نظام الحكم الإقليمي، وهو النظام الذي كان يطبّق في البلاد قبل حكم الرئيس المخلوع عمر البشير الذي بدأ في العام 1989. ويولد المؤتمر أملاً بإنهاء احتكار المركز لقدرات الدولة، لكنه يطرح أيضاً الخشية من أن يكون مدخلاً للأزمات.

وقبل حكم البشير، كانت البلاد توزع إلى ستة أقاليم رئيسية هي: الإقليم الشمالي، والجنوبي، والشرقي، والأوسط، وإقليما دارفور وكردفان. لكن خلال العهد الرئيس المخلوع، تمّ تطبيق الحكم الفيدرالي في السودان في العام 1991، وعلى أساسه قُسّمت البلاد إلى 28 ولاية، 18 في شمال السودان و10 في جنوبه. وبعد انفصال جنوب السودان، بقيت 18 ولاية، اثنان منها في الشمال، وخمس في دارفور، وثلاث في كردفان، وثلاث في شرق السودان، وأربع ولايات في الوسط، في حين أنشئت ولاية خاصة في الخرطوم العاصمة.

هدف مؤتمر الحكم الإقليمي نهاية إبريل هو تحديد عدد الأقاليم وتسميتها وترسيم حدودها الجغرافية
 

ولم تكن طبيعة الحكم وتشكيلاته الإدارية بعيدة كلياً عن قضية الحرب والسلام في السودان، والمثال على ذلك العام 1983، حين ألغى الرئيس الأسبق جعفر نميري نظام الحكم الإقليمي في جنوب السودان، وتوزيعه على ثلاثة أقاليم. وتسبب ذلك القرار في عودة الحرب والتمرد للجنوب بعد أكثر من 11 عاماً من الهدنة التي أعقبت اتفاقية أديس أبابا للسلام في العام 1972 بين الشمال والجنوب.

وبموجب تلك الأهمية والرغبة في الاستقلالية عن المركز القابض، حرصت حركات الكفاح المسلح، أثناء تفاوضها مع الحكومة الانتقالية طوال العام الماضي، على العودة مرة أخرى لنظام الأقاليم، وهو ما تمّ حسمه وتضمينه في الاتفاق، وفي الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية الحالية. كما أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مرسوماً دستورياً، نصّ على إنشاء نظام الحكم الإقليمي الفيدرالي في البلاد، وهي خطوة عدّت بأنها في إطار حسن النوايا وإبداء الجدّية في تطبيق اتفاق السلام، خصوصاً أن دخول المرسوم حيّز التنفيذ لن يتم إلا بعد انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان المنصوص عليه في الاتفاقية، والمقرر عقده مبدئياً نهاية إبريل الحالي، على أن يكون هدف المؤتمر هو تحديد عدد الأقاليم وتسميتها وترسيم حدودها الجغرافية. ويأتي بعد ذلك النظر إلى اختصاصات هياكل الحكم الإقليمي التي ستنشأ، والفصل بينها وبين السلطات المركزية، بحيث تمنح الأقاليم سلطة أكثر استقلالية في ما يتعلق بالخدمات والتنمية والتشريع، على أن تكون مهمة السلطة المركزية إشرافية ولوضع السياسات العامة، ولا تكون للأقاليم أي علاقة بالسياسة الخارجية والدفاع.

ويتناول المؤتمر إضافة إلى ذلك، التقرير بشأن مستويات الحكم الأدنى. وبحسب متابعات "العربي الجديد"، فإن مقترحات وُضعت لتحويل الولايات الحالية إلى محافظات داخل الإقليم الواحد، على أن تقسم المحافظات نفسها إلى هياكل أقل درجة ووحدات ادارية منفصلة. ويأمل منظرو المؤتمر في مساهمته بإعادة هيكلة الدولة وتحقيق أكبر قدر من التماسك الداخلي، وتخفيض الصرف السياسي والدستوري، وتعزيز التنمية وحماية الوحدة الوطنية.

وطبقاً للترتيبات الأولية لقيام المؤتمر المحدد له نهاية إبريل الحالي، فإن المشاركين فيه، بصورة أساسية، هم ممثلو الحكومة الانتقالية، وتحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" الحاكم، وحركات الكفاح المسلح التي وقّعت اتفاق جوبا للسلام، إضافة إلى ممثلين للمجتمعات المحلية والقيادات القبلية، وخبراء الحكم والإدارة والسياسة، فيما ينتظر أن تصدر خلال الأسبوع المقبل قائمة بأسماء المشاركين.

ويؤكد المحلل السياسي والخبير بالشأن الدارفوري، عبد الله آدم خاطر، أن مؤتمر الحكم الإقليمي، سيكون بداية النهاية للحكم المركزي الذي أسسّت له الدولة السودانية منذ العام 1989، ويعني كذلك إنهاء احتكار المركز لقدرات الدولة وميزانيتها ومواردها وقراراتها. ويرى خاطر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التحدي الأكبر الذي يواجه المؤتمر، هو ما إذا كان سيخرج بحكم إقليمي فيدرالي تماثلي يطبق في كل الأقاليم، أم يتم إعطاء كل إقليم حقّه في اختيار الطريقة التي تناسبه طبقاً لمرجعيته الثقافية والعرقية، على أن يتم الاتفاق على مبادئ أساسية تبدأ فيها صناعة القرار من القاعدة إلى القمة.

وضعت مقترحات لتحويل الولايات الحالية إلى محافظات داخل الإقليم الواحد، على أن تقسم المحافظات إلى هياكل أقل درجة

ويؤكد بعض المراقبين أنه لا يمكن نجاح أي حكم إقليمي فيدرالي إلا في ظروف ديمقراطية ممتازة بإكمال بناء المؤسسات الديمقراطية والاستعداد للانتخابات، لكن خاطر يرى أن ذلك لا يقلّل من أهمية تطبيق النظام الإقليمي، لأن مؤسسات الحكم الإقليمي نفسها عليها واجب بناء المؤسسات الديمقراطية وإشاعة ثقافة الديمقراطية، وتثبيت مبادئ سيادة حكم القانون وتقديم النموذج في إدارة التنوع الثقافي والسياسي والعرقي والديني. ويذكر خاطر أن الحيلولة دون تكرار تجربة انفصال جنوب السودان، التي بدأت مع التشكيل الإقليمي للجنوب، تتوقف على طريقة تنفيذ الحكم الإقليمي ومدى دعم المركز للتجربة ومنحها الاستقلالية المطلوبة.

لكن البرلماني السابق مبارك النور، يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الوضع الانتقالي في السودان غير طبيعي وغير مستقر، ومن الأفضل ترك قرارات مثل هذه لمؤسسات منتخبة، منوهاً إلى أن الأمور لو سارت على النهج الحالي لكانت قرارات المؤتمر محتكرة بواسطة حركات مسلحة تفرض رؤاها بقوة السلاح، دون سماع بقية الأصوات والآراء.

ويتوقع النور أن تشعل توصيات المؤتمر أزمات واسعة في البلاد مع رفضها كلّياً من المواطنين، مستشهداً بولايات القضارف التي يرفض معظم مواطنيها إعادتهم للإقليم الشرقي السابق، بعدما حصلت هذه الولايات عبر النظام الفيدرالي الولائي على مزايا عديدة خلال السنوات السابقة. ويطالب النور باستخدام آلية الاستفتاء الشعبي للتقسيم الإداري، ليكون القرار هو قرار الشعب، أو ترك الأمر برمته للدستور الدائم المستفتى عليه، مستنكراً أن تكون المشاركة في المؤتمر المقبل محصورة بأطراف السلام فقط، مع استخدام بعض التنظيمات كـ"ديكور" يكمل الترتيبات المعدة سلفاً، بحسب قوله.

وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان، المعروفة اختصاراً بـ"يونيتماس"، فولكر بيرتس، تعهد قبل أيام بالعمل مع السلطة الانتقالية لإنجاح المؤتمر، معلناً تشكيل فريق فني من البعثة للعمل مع اللجان الفنية الوطنية لتقديم الدعم الفني لقيام المؤتمر.

يخشى مراقبون من أن تفرض حركات مسلحة رؤاها على المؤتمر بقوة السلاح

ويقول خميس عبد الله أبكر، رئيس التحالف السوداني لقوى التحرير، أحد الموقعين على اتفاق السلام، إن مؤتمر الحكم الإقليمي هو واحد من استحقاقات السلام، وإن كل شيء قابل للنقاش داخله من دون تقديس آراء وتجاهل أخرى، خصوصاً ما يلي التوزيع الإداري للسودان على أساس الإقليم، مؤكداً أن كل التحفظات التي يبديها البعض قابلة للنقاش داخل المؤتمر. وينفي أبكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون المؤتمر مدخلاً لتقسيم السودان إلى دول كما حدث في جنوب السودان في العام 2011، مؤكداً أن منطقة دارفور أكثر المناطق حماساً لأن تكون إقليماً واحداً، وليس فيها أصوات تدعو للانفصال، على الرغم من حالة اللاأمن والأزمات الأخرى التي تعيشها دارفور لسنوات عديدة. ويستبعد أبكر المقارنة بما جرى في جنوب السودان من اتفاق نصّ على تقرير المصير صراحة وعلناً، بينما لم يتناول الاتفاق الأخير الموقع بين أطراف العملية السلمية أي شي من قبيل تقرير المصير، مشيراً إلى أن مسألة تقسيم السودان إلى أقاليم هي مسألة قديمة جداً، لكنها تتجدد الآن وبطريقة يكون فيها إجماع أو شبه إجماع من خلال المؤتمر المنتظر.

المساهمون