هيمنت الخلافات الأميركية الروسية، اليوم الأحد، على قمّة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي عُقدت في العاصمة الكمبودية بنوم بنه، اليوم وأمس السبت، بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وطغت هذه الخلافات على القمّة، ويفترض أن تنسحب على قمة مجموعة الدول العشرين الكبرى، التي ستُعقد بعد غدٍ الثلاثاء والأربعاء، في بالي الإندونيسية، لتحجب معها نسبياً، حدّة التنافس الأميركي الصيني.
واستبق بايدن، لقاءه المرتقب على هامش قمة العشرين بنظيره الصيني شي جين بينغ، والمقرّر غداَ الإثنين، بخطاب تهدئة مع بكين، وضعه في إطار التنافس السلمي و"سوء الفهم"، وعدم السعي إلى المواجهة، فيما أعلنت واشنطن تخصيص أموال لتعزيز مجموعة "آسيان"، وهو تقارب تنظر إليه كل من الصين وروسيا بعين الريبة.
قمة العشرين
وتوجه كل من بايدن ولافروف اليوم الأحد، إلى بالي، لحضور قمة مجموعة العشرين على مستوى قادة الدول، في ظلّ غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أكد الكرملين أول من أمس الجمعة، تغيبّه عن القمّة بسبب "قيود في جدول الأعمال". وينظر إلى غياب بوتين، على أنه تأكيد إضافي على العزلة التي يعاني منها، في خضم الحرب التي أطلقتها روسيا ضد أوكرانيا منذ فبراير/شباط الماضي، ولا تزال متواصلة.
أعربت موسكو عن رفضها القاطع لتسييس مجموعة العشرين
ووصل لافروف إلى مطار دينباسار، جنوب بالي، اليوم، على متن طائرة روسية رسمية، قادماً من بنوم بنه، حيث حضر قمة "آسيان". ودعت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، مجموعة العشرين، إلى التركيز على القضايا الاقتصادية التي تأسست من أجلها هذه الصيغة التي تجمع الاقتصادات الرئيسية في العالم، بدلاً من القضايا الأمنية التي تقع ضمن اختصاص الأمم المتحدة.
وأعربت الوزارة عن "رفض موسكو القاطع لتسييس مجموعة العشرين، وإدخال مواضيع غير ذات صلة، وتتعمّد المواجهة في مناقشاتها، وعزل المشاركين على أساس اتهامات كاذبة". وقالت الوزارة، في بيان، إنه "من المهم بشكل أساسي أن تركز مجموعة العشرين جهودها على التهديدات الحقيقية وليست الوهمية". وأضافت: "نحن مقتنعون بأن مجموعة العشرين مدعوة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. توسيع جدول أعمالها ليشمل قضايا السلام والأمن، التي تتحدث عنها دول كثيرة، غير قابل للتطبيق".
وكانت روسيا قد أكدت أن أزمة الغذاء العالمية ستشكل جزءاً رئيسياً من جدول أعمال قمة بالي، والتي تأتي قبل أيام فقط من انتهاء سريان اتفاق الحبوب في البحر الأسود في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وتطالب موسكو الغرب بتخفيف بعض العقوبات التي تقول إنها تعرقل صادراتها الحيوية من السلع الغذائية والأسمدة، وترفض حتى الآن الالتزام بتمديد الاتفاق، الذي يسهل صادرات الحبوب من الموانئ الجنوبية لأوكرانيا.
وكان لافروف قد غادر قمة مجموعة العشرين على مستوى وزراء الخارجية التي عقدت في بالي في يوليو/تموز الماضي، بعدما أدين فيها غزو أوكرانيا، علماً بأن الأمور قد تأخذ منحى مماثلاً في القمة الحالية. أما لجهة قمّة "آسيان"، فقد تقاربت روسيا مع بلدان جنوب شرق آسيا، أخيراً، في مسعى لدعم اقتصادها، في ظل تواصل غزوها لأوكرانيا والعقوبات الغربية القاسية التي فرضت عليها جرّاء ذلك. بدوره، وصل بايدن إلى بالي مساء اليوم، حيث سيلتقي شي جين بينغ غداً، في وقت تهيمن فيه الانقسامات بشأن غزو أوكرانيا تهيمن على القمّة.
إذ أن الرئيس الأميركي، سيسعى، معززاً بعدم تحقيق حزبه الديمقراطي خسارات كبيرة خلال الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي التي أجريت الثلاثاء الماضي، إلى تجديد الجهود لإعادة ترسيخ الريادة الأميركية على الساحة الدولية، ولحضّ دول العالم مجدداً على الانخراط في مساعي واشنطن لفرض مزيد من العزلة على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، ولحشد الدعم من القادة الدوليين من أجل استجابة أكثر حزماً للغزو الروسي.
ويشارك في قمّة العشرين، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الفيديو بدعوة من إندونيسيا. ويحضر القمة، إلى جانب بايدن وشي ولافروف، زعماء ورؤساء حكومات دول عدة، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الحكومة البريطاني ريشي سوناك، ونظيره الهندي نارندرا مودي، ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، بالإضافة إلى رؤساء وزراء كندا وأستراليا واليابان، جاستن ترودو وأنتوني ألبانيزي وفوميو كيشيدا.
بايدن: سأسعى لتحديد الخطوط الحمر في العلاقات مع بكين
وسيمثّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السعودية، فيما ستتمثل الإمارات التي تلقت دعوة من إندونيسيا، برئيسها محمد بن زايد آل نهيان. كما يفترض أن يشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصيا، على أن يحضر أيضاً رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا ممثلاً الدولة الأفريقية الوحيدة في مجموعة العشرين، فيما يحضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بصفة مراقب.
قمّة "آسيان"
وعُقدت قمّة "آسيان" زائداً الصين وروسيا واليابان وأستراليا وكوريا الشمالية، أمس واليوم، على وقع سعي كل من واشنطن وموسكو للتقارب مع دول جنوب شرقي آسيا، على خلفية الحرب الأوكرانية بالنسبة لروسيا، وتعزيز الشراكات الآسيوية في إطار التنافس مع الصين، لجهة الولايات المتحدة. وكان بايدن، الذي وصل كمبوديا فجر السبت، قد أكد أمس، إن بلاده خصّصت "مبالغ وأطلقت مبادرات من شأنها تعزيز منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)".
وأكد بايدن، خلال القمة، التزام الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية مع الرابطة للتعامل "مع أكبر القضايا". وأوضح أنه "سيناقش مع آسيان حرب روسيا الوحشية في أوكرانيا"، وأعلن كذلك "إطلاق منصة آسيان للبنى التحتية والاتصال، وتقديم أكثر من 850 مليون دولار في هذه الشراكة". كما أكد السعي إلى "حل قضايا تمتد من جنوب بحر الصين إلى ميانمار بالتعاون مع آسيان".
ولفت بايدن إلى أن "آسيان في صميم استراتيجيتنا ونسعى لتطوير التعاون معها". كما أكد بايدن، أمام قادة جنوب شرق آسيا، على "التزام واشنطن ملتزمة بناء منطقة المحيطين الهندي والهادئ بحيث تتسم بالحرية والانفتاح والاستقرار والازدهار والمرونة والأمن".
وتأسست رابطة دول آسيان في أغسطس/آب عام 1967 في بانكوك بتايلاند، وهي تكتل إقليمي يتكون من دول بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفيليبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام.
من جهته، حذّر وزير الخارجية الروسي، اليوم الأحد، من أن الغرب يعمد إلى "عسكرة" جنوب شرق آسيا، في محاولة لكبح المصالح الروسية والصينية، ما ينذر بمواجهة روسية - غربية أيضاً في قمة بالي.
سوليفان: لن يكون هناك تقليص للدعم الأميركي لأوكرانيا
وانتقد لافروف، في كلمة خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام قمة "آسيان"، الولايات المتحدة بسبب أفعالها في المنطقة، قائلاً إن "الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يحاولون السيطرة على هذا الفضاء". وأضاف أن استراتيجية بايدن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ "هي محاولة لتجاوز الهياكل الشاملة" للتعاون الإقليمي، وستتضمن "عسكرة هذه المنطقة مع التركيز بوضوح على السيطرة على المصالح الصينية والروسية في آسيا والمحيط الهادي".
من جهته، وعلى هامش القمّة، أكد مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، جايك سوليفان، إنه لن يكون هناك تقليص للدعم الأميركي لأوكرانيا، وأنه سيتمّ التشاور مع الكونغرس الأميركي للحصول على مزيد من الموارد لدعم كييف.
العلاقات الأميركية - الصينية
وتطغى أيضاً التوترات الأميركية - الصينية، والخلافات حول أزمة تايوان، والعسكرة الصينية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى أمن الملاحة في المحيطين الهادئ والهندي، والتهديد الكوري الشمالي، على زيارة بايدن إلى آسيا، وحضوره قمة "آسيان" ثم قمّة العشرين في بالي، والتي ستشهد عودة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى ساحة الدبلوماسية الدولية المباشرة، بعدما تراجع حضوره الشخصي الخارجي خلال أزمة كورونا.
وتأتي القمّتان، في وقت عزّز بايدن ولايته، بخسارة محدودة في انتخابات الكونغرس النصفية التي أجريت الثلاثاء الماضي، حيث سجّل الجمهوريون تقدماً طفيفاً على الديمقراطيين في مجلس النواب، فيما بقي حزب بايدن متقدماً في "الشيوخ". من جهته، ضمن شي ولاية ثالثة على رأس الحزب الشيوعي الصيني، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما يمهد لتثبيته رسمياً على رأس الدولة لولاية جديدة في مارس/آذار 2023.
واستباقاً لقمّته مع شي، جنح الرئيس الأميركي اليوم، نحو التهدئة في خطابه الموجه إلى بكين، إذ قال سوليفان للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية المتوجهة إلى بالي، إن بايدن يأمل "بالخروج من هذا الاجتماع مع مجالات يمكن للدولتين والرئيسين العمل فيها بتعاون بشأن قضايا جوهرية".
وبشأن القمة المرتقبة اليوم بين شي وبايدن، أوضح سوليفان أنها قد تستمر لبعض ساعات، لافتاً إلى أن الرئيس الأميركي "يرى أن بلاده والصين منخرطتان في منافسة حادة، لكنها يجب ألا تنزلق إلى صراع أو مواجهة". وقال سوليفان: "يجب أن تدار (المنافسة) بشكل مسؤول... وهناك أيضاً مجالات تستطيع العمل فيها معاً".
بدوره، أكد بايدن، أنه سيسعى إلى تحديد "الخطوط الحمر" في العلاقات مع بكين خلال محادثاته مع شي. وأكد أن النجاح لحزبه في انتخابات الكونغرس وضعه في موقع أقوى لإجراء محادثات حاسمة مع نظيره الصيني، متوقعاً أن تكون "صريحة". وقال بايدن: "أعرف شي جين بينغ وهو يعرفني"، مضيفاً أنهما دائماً ما كانا يُجريان "محادثات صريحة". وقال: "لدينا القليل جداً من سوء الفهم. علينا فقط تحديد ما هي الخطوط الحُمر".
ووفق بيان للبيت الأبيض، أكد بايدن أن بلاده ستتطرق إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وذلك بعد يوم من تأكيد واشنطن أنها ستعمل مع "آسيان" من أجل "الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الكبيرة التي يواجهها النظام القائم على القواعد وسيادة القانون"، دون ذكر الصين بالاسم.
التهديد الكوري الشمالي
وتشمل المحادثات الأميركية الآسيوية، سواء في "آسيان" أو قمة العشرين، المسألة الكورية الشمالية، في ظلّ خشية دولية من تنفيذ بيونغ يانغ لتجربة نووية جديدة، على وقف تجاربها الصاروخية التي لم تهدأ منذ بداية العام الحالي.
وتعد الصين أبرز حليف لبيونغ يانغ. وقال مسؤولون أميركيون إن بايدن سيحذر شي من أن إطلاق مزيد من الصواريخ الكورية الشمالية، من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة إلى تعزيز انتشارها العسكري في المنطقة، وهو ما تعارضه بكين. وقال سوليفان اليوم، إن "كوريا الشمالية لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة وحدها ولا لكوريا الجنوبية واليابان فحسب، بل للسلام والاستقرار في كل أنحاء المنطقة".
والتقى بايدن، اليوم، على هامش قمة "آسيان"، نظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا. وأكد بايدن في ختام اللقاء، أن البلدان الثلاثة "أكثر اصطفافاً من أي وقت" في مواجهة كوريا الشمالية، وندّد بمواصلتها "سلوكها الاستفزازي". كما أكد أنه ناقش مع سوك يول وكيشيدا تعزيز الدعم المنسق لأوكرانيا، وحفظ السلم والاستقرار في مضيق تايوان، والعمل من أجل "الأهداف المشتركة لضمان أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)