استمع إلى الملخص
- يواجه الرئيس الأوكراني زيلينسكي تحديات في تسويق "خطة النصر" بسبب تردد الغرب في تلبية طلبات الأسلحة وضمانات الناتو، مما يضعف موقفه في تغيير مسار الحرب.
- تعاني أوكرانيا من صعوبات ميدانية وتواجه تأثير الانتخابات الأميركية المحتملة، خاصة مع احتمال تقليص الدعم إذا فاز ترامب، مما يعقد تحقيق "خطة النصر".
اختار الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته، العاصمة الأوكرانية كييف، في أول زيارة خارجية له، الخميس الماضي، بعد يومين من توليه منصبه خلفاً لينس ستولتنبرغ، مؤكداً أثناء لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن هدفه كرئيس للحلف هو ضمان "انتصار أوكرانيا". وفي رسالة طمأنة، أكد روته اختياره لكييف كأول رحلة له في منصبه الجديد "لتوضيح الأمر لكم، وللشعب الأوكراني ولكل من يشاهد، بأن حلف الناتو يقف إلى جانب كييف" في الحرب الأوكرانية المتواصلة منذ فبراير/شباط 2022، مشدداً على أن "أولويتي وامتيازي هما المضي قدماً بهذا الدعم... والعمل معكم لضمان انتصار أوكرانيا". ولا تختلف نظرة روته عن سلفه ستولتنبرغ الذي دعا في تصريحاته خلال الأيام الأخيرة إلى زيادة دعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، وشدد على ضرورة التسريع بضمّها إلى "ناتو".
زيلينسكي فشل في تسويق خطته للنصر كحزمة متكاملة، لأنها لم تحمل جديداً لجهة تقديم ضمانات تفيد بإمكانية إحداث تغيير جدي في مسار الحرب
"خطة نصر" في الحرب الأوكرانية
من جهته، انتقد زيلينسكي التأخير الغربي في توريد الأسلحة بعيدة المدى التي يقول إنها ضرورية لمحاربة الغزو الروسي، ودعا أعضاء "ناتو" إلى إسقاط الصواريخ والطائرات المسيّرة الروسية التي تطلق على أوكرانيا. وقال إنه من دون المساعدات الغربية، لن تكون لدى جيشه أي فرصة للفوز في الحرب الأوكرانية.
وكثّف زيلينسكي خلال الأسابيع الأخيرة الماضية حراكه الدبلوماسي من أجل ضمان الدعم الأميركي. وعلى الرغم من حصوله في زيارته الأخيرة إلى واشنطن على الدفعة الأخيرة من المساعدات العسكرية التي أقرّها مجلس النواب الأميركي في إبريل/ نيسان الماضي، لكن لم تتم الاستجابة لمطلب زيلينسكي الرئيسي، وهو موافقة واشنطن على استخدام كييف صواريخ أميركية بعيدة المدى ضد أهداف عسكرية في العمق الروسي، كأساس تستند إليه "خطة النصر" في الحرب الأوكرانية التي عرضها على الرئيس جو بايدن ونائبته المرشحة في الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. كما خرج زيلينسكي من لقائه مع ترامب مثقلاً برسالة غامضة حول شكل ومضمون تسوية سياسية يتبناها الأخير، في وقت يكثر فيه الحديث عن أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة في مسار الحرب الأوكرانية، جنباً إلى جنب مع تنامي قناعة لدى حلفاء أوكرانيا الغربيين بأن النصر الأوكراني بعيد المنال في المدى المنظور، وظهور بوادر تململ في الرأي العام الأوروبي، ستتعمّق إذا استمرت الحرب لفترة أطول.
وسبق لقاءات زيلينسكي في واشنطن تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، بإدخال تعديلات على العقيدة النووية الروسية، تقضي بأنه سيتم استيفاء متطلبات استخدام روسيا أسلحة نووية إذا تعرضت أراضيها لهجوم بأسلحة تقليدية من قبل دولة تحظى بدورها بدعم دولة تمتلك أسلحة نووية، وأن ذلك سيُعدّ بمثابة هجوم مشترك، وذلك في إشارة واضحة للولايات المتحدة والدول الغربية، على خلفية طلب زيلينسكي استخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي. ويبدو أن التهديدات الروسية عملت رادعاً لحلفاء أوكرانيا حتى الآن، وستؤخذ بالحسبان مستقبلاً، وسط تقديرات بأن هناك خطراً من أن ترد روسيا بقوة أكبر على أوكرانيا وحلفائها الغربيين.
ليس في وارد واشنطن ودول "ناتو" الأخرى التسريع في عملية ضمّ أوكرانيا إلى الحلف
"خطة نصر" غير مُبهرة
العقبات التي تواجهها السياسات وخطط الحرب الأوكرانية من قبل كييف وحلفائها لا تقف عند حدود ما سبق. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية ثمّة دواعٍ للقلق من أن "خطة النصر" التي قدمها زيلينسكي تفتقر إلى استراتيجية شاملة. ويُنظر إليها أميركياً وأوروبياً في الغالب على أنها توليفة أُعيد تجميعها للمطالبة بمزيد من الأسلحة الحديثة وبعيدة المدى، وتخفيف القيود المفروضة على كيفية استخدامها، وفقاً لما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مصادر في البيت الأبيض، يوم 27 سبتمبر الماضي. وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن للصحيفة: "لست منبهراً... ليس هناك الكثير من الجديد هنا".
ولم يُكشف بعد عن فحوى استراتيجية كييف لإنهاء الحرب الأوكرانية المتواصلة منذ فبراير/شباط 2022، أو كما يسميها زيلينسكي "خطة النصر" التي عرضها خلال مباحثاته في واشنطن، وأرسلها إلى عدد من قادة الدول الحليفة لأوكرانيا. لكن سُرّبت في نهاية الأسبوع الماضي نقاط رئيسية منها: مواصلة الهجوم الأوكراني في مقاطعة كورسك الروسية، تزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة ونوعية، وتقديم الولايات المتحدة ودول حلف "ناتو" ضمانات أمنية انطلاقاً من مفهوم الحلف للدفاع المشترك، واستمرار الدعم للاقتصاد الأوكراني الذي دمرته الحرب.
وفي سياق متصل، قال أندريه يرماك، مدير مكتب زيلينسكي والذي يوصف بأنه يتمتع بصلاحيات الرئيس الثاني، إن "دعوة أوكرانيا للانضمام إلى عضوية ناتو" هي جزء من الخطة. وبحسب صحيفة كييف إندبندنت البريطانية، ستتقدم أوكرانيا بطلب العضوية لـ"ناتو" في غضون أشهر وليس سنوات. بدوره، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام في تصريح لصحيفة "ذا هيل" الأميركية: "كانت الرغبة رقم واحد للرئيس زيلينسكي أن يتمكن من استخدام الصواريخ بعيدة المدى ضد أهداف عسكرية روسية. وهو يعتقد أنه إذا تمكن من تدمير القواعد الجوية والصاروخية الروسية التي تهاجم بلاده، فسوف يكتسب ما يكفي من النفوذ لإجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".
بات جلياً فشل التوغل الأوكراني في كورسك بتحقيق هدف تخفيف الضغط على الجبهات داخل أوكرانيا
من الواضح بناء على التسريبات أن إدارة بايدن امتنعت عن تلبية أهم مطلب ملحّ للرئيس زيلينسكي، بعدم إعطائه ضوءاً أخضر لاستخدام الصواريخ بعيدة المدى لضب العمق الروسي. وليس في وارد واشنطن ودول "ناتو" الأخرى التسريع في عملية ضمّ أوكرانيا إلى الحلف. وتدور شكوك كبيرة حول إمكانية استمرار الدعم العسكري والاقتصادي الغربي لأوكرانيا من دون سقف زمني محدد، أو كما صرّح قادة أوروبيون سابقاً "حتى تحقق أوكرانيا النصر". وبالتالي يمكن القول إن زيلينسكي فشل في تسويق خطته كحزمة متكاملة، لأنها لم تحمل جديداً لجهة تقديم ضمانات تفيد بإمكانية إحداث تغيير جدّي في مسار الحرب الأوكرانية الذي تحوّل بالمعادلة الكلية لصالح روسيا منذ صيف 2023، على الرغم من النجاحات التكتيكية المفاجئة التي حققتها القوات الأوكرانية، وأهمها توغلها في مقاطعة كورسك، في أغسطس/آب الماضي، لكن كييف تواصل العمل للحصول على دعم "خطة النصر".
أوكرانيا وصعوبة إحداث تغيير على الجبهات
شكّلت السيطرة على مدينة أفدييفكا في مقاطعة دونيتسك، في فبراير الماضي، إنجازاً كبيراً للقوات الروسية، فتح الطريق أمامها نحو مواصلة تقدمها غرباً. ويهدد التوغل الروسي الآن مدينة بوكروفسك، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية وتعتبر عقدة طرق وخطوط سكك حديدية مهمة. وفي الوقت نفسه، تتم محاصرة الجيب الذي ما زالت تسيطر عليه القوات الأوكرانية في جنوب دونيتسك، وإذا سقطت بوكروفسك، يصبح من الصعب الإبقاء على خطوط إمدادها، ما يمهد الطريق لمزيد من التقدم الروسي على نحو أسرع.
ولا تسير الأوضاع الميدانية في دونباس لمصلحة القوات الأوكرانية المنهكة، واستولت القوات الروسية على مدينة أوغليدار الواقعة في جنوب غرب منطقة دونيتسك الأوكرانية يوم الخميس الماضي. ومنذ بداية الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، لعبت أوغليدار دوراً محورياً كـ"مدينة حصن" رئيسية، حيث كانت تغطي الطرق المؤدية إلى مراكز الدعم اللوجستي للدفاع عن جنوب دونباس، خصوصاً مدينة كوراخوف. كانت لدى القوات الروسية فرصة للاستيلاء عليها في مارس/ آذار 2022، لكنها على الأرجح افتقدت القوة اللازمة في ذلك الوقت. وفي نهاية المطاف، سيطرت القوات الأوكرانية المتقدمة على المباني العالية الفارغة وبدأت في تلغيم المنطقة وتجهيز المدينة للدفاع.
ومن دون السيطرة على أوغليدار، فإن أي تقدّم من الجنوب سيكون مستحيلاً. فالمدينة تقع على مرتفع وتحتوي على العديد من المباني العالية، ما يوفّر رؤية واضحة لأميال عدة على السهول المفتوحة المحيطة بها. إضافةً إلى ذلك، استخدمت القوات الأوكرانية المباني العالية في المناجم القريبة كمواقع للرصد وعمليات الطائرات المسيّرة، بينما وفرت الأقبية الموجودة في المباني العالية والمناجم نفسها غطاءً آمناً للمشاة.
وبات جلياً فشل التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك الروسية بتحقيق هدف تخفيف الضغط على الجبهات داخل أوكرانيا، خصوصاً جبهة دونيتسك، من خلال إجبار القوات الروسية على تخصيص الكثير من الموارد العسكرية لمواجهة التوغل الأوكراني على حساب الجبهات الأخرى. ومن غير المستبعد أن "النجاح التكتيكي" في كورسك سوف يرتد "خسارة استراتيجية" في حال واصلت روسيا تقدمها في دونباس.
وعموماً، ما زالت الأوضاع على جبهات الحرب الأوكرانية تسير على عكس ما تسعى إليه أوكرانيا، جراء الاختلال الكبير في ميزان القوى مع روسيا، لجهة تجديد القدرات البشرية والمعدات والذخائر. وفاقم التوغل الأوكراني في كورسك من الخلل، لأنه أصبح يتعين على القوات الأوكرانية خوض المعارك ومحاولة الصمود على خطوط جبهة أطول، تتخذ فيها المعارك طابع الاستنزاف، مع مواصلة القوات الروسية شنّ هجمات ناجحة من موقع الدفاع، على الرغم من الكلفة البشرية والمادية المرتفعة. ولعل هذا يفسّر في جزء منه امتناع الولايات المتحدة وبلدان في "ناتو" عن السماح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى، لأن ذلك لن يؤثر على الوضع الاستراتيجي ككل، وإن كان من الممكن أن يخفف الضغط على القوات الأوكرانية على المدى القصير، فضلاً عن خطر حدوث مواجهة مباشرة بين دول "ناتو" وروسيا.
كابوس الانتخابات الأميركية
من المحتمل أن تفضي الانتخابات الرئاسية الأميركية، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إلى عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، ما سيؤدي إلى قلب المعادلة في الأزمة الأوكرانية رأساً على عقب. وتُظهر استطلاعات الرأي سباقاً متقارباً جداً بينه وبين كامالا هاريس، وبعبارة أخرى هناك احتمال بنسبة 50 في المائة أن يتحقق كابوس زيلينسكي بفوز ترامب. وأشار ترامب، في تجمّع انتخابي يوم الأربعاء الماضي، إلى أنه سيوقف الدعم العسكري لأوكرانيا وسيدفعها إلى المفاوضات، إذا أعيد انتخابه كرئيس. وشنّ ترامب هجوماً لاذعاً على زيلينسكي، واتهمه بأنه يتلقى "مليارات الدولارات، لكنه يرفض عقد صفقة مع روسيا". وأعاد تكرار تعهده بأنه سيضع حدّاً للحرب بين روسيا وأوكرانيا خلال 24 ساعة، حتى قبل أن يتسلم مقاليد الحكم. وبعد اجتماعه مع زيلينسكي، يوم الجمعة الماضي، وصف ترامب النزاع الأوكراني بأنه "أحجية معقّدة"، داعياً إلى "صفقة عادلة للجميع" من دون توضيح المقصود. وفي إجابته عن سؤال حول معنى "السلام العادل"، كان أكثر غموضاً بتأكيده أنه "من السابق لأوانه تحديد ذلك".
وتكفل جي دي فانس، المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الأميركي عن الحزب الجمهوري، بكشف بعض التفاصيل، وقال في تصريحات تلفزيونية، في 12 سبتمبر الماضي، إن ترامب سيقترح "إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا". وتقضي الخطة أيضاً بعدم انضمام أوكرانيا لحلف "ناتو". ولم يحدد فانس من سيسيطر على "المنطقة منزوعة السلاح"، لكنه قال إن "خط الترسيم الحالي" سيبقى. ويفسر ذلك بأنه يتعين على أوكرانيا أن تتخلى عن الأراضي التي احتلتها روسيا، ورد عليه زيلينسكي بأن بلاده لن تقبل بهذا التصور أبداً.
والمشاكل التي قد تواجهها أوكرانيا في الشهور المقبلة، مع حلفائها في الغرب، لا تقتصر على تعثر علاقاتها مع الولايات المتحدة، فصبر العديد من البلدان الأوروبية بدأ ينفد، بعد أكثر من عامين ونصف على الحرب، قدّمت فيها تلك البلدان دعماً عسكريا ومالياً كبيراً لكييف، على حساب أولويات داخلية. وفي خريف العام المقبل، ستكون هناك انتخابات برلمانية في ألمانيا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى، وهناك مؤشرات واضحة على أن تعب الناخبين من تكاليف الحرب سيدفع الكثير منهم للتصويت لصالح السياسيين الذين يريدون إنهاءها، بأي شكل من الأشكال. وبالتالي ليس من قبيل المبالغة القول إن الأمور تبدو قاتمة بالنسبة لأوكرانيا على أكثر من جبهة، في ظل تخوف حلفائها الغربيين من التورط في مواجهة مباشرة مع روسيا، وعدم وجود دلائل على إمكانية الحسم، ما يجعل من الحديث عن "خطة للنصر" أوكرانية بعيد المنال، بل شبه مستحيل، في الأفق المرئي.