الحراك ضد قيس سعيّد: التقاء حول رفض المسار الأحادي

الحراك ضد قيس سعيّد: التقاء حول رفض المسار الأحادي

18 فبراير 2023
سينظم اتحاد الشغل تحركات اليوم السبت (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

تعيش تونس على وقع حراك اجتماعي وسياسي متصاعد، يغطي العديد من المحافظات والمناطق الرافضة المسارَ الذي تنتهجه السلطات التونسية بقيادة الرئيس قيس سعيّد. ويعزز نزول اتحاد الشغل التونسي إلى ميدان الاحتجاج، في مسيرات وتجمعات متعددة، تحركات واحتجاجات القوى السياسية المعارضة، ما ينبئ بإمكان التحام الشارعين السياسي المعارض والاجتماعي الغاضب.

وفي سياق التحركات المتواصلة لاتحاد الشغل، ستُنظم جملة من التحركات اليوم السبت في عدد من المحافظات، أبرزها توزر وصفاقس والمنستير وسوسة ونابل وجندوبة والقصرين وسيدي بوزيد وبنزرت، وفق ما أكد المتحدث الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري في حديث سابق لـ"العربي الجديد".

وأوضح أن هذه التحركات تأتي للتعبير عن الغضب من تردي الأوضاع الاجتماعية، ودفاعاً عن الاتحاد أمام الهجمة التي طاولت عدداً من النقابيين، والتضييقات على العمل النقابي وضرب الحوار، وكذلك إسناداً للاتحاد والمنظمات الوطنية في مبادرة الحوار الوطني في مقابل انغلاق السلطة والحكومة ورفضها التشاور أو التشاركية، بحسب توصيفه.

تحركات متصاعدة لاتحاد الشغل

وتمثل تحركات اليوم تتمة لتظاهرات السبت الماضي، في سياق تحركات متواصلة ومتصاعدة تنفذها المنظمة العمالية، على أن تُتوجها بتحرك وطني مركزي في العاصمة تونس، يوم 11 مارس/آذار المقبل، تنفيذاً لقرارات الهيئة الإدارية الوطنية للمركزية النقابية.

وتصاعدت حدة الخلافات بين سعيّد واتحاد الشغل، بعد تصريح الرئيس من ثكنة للدرك التونسي، يوم 31 يناير/كانون الثاني الماضي، هاجم فيها العمل النقابي. وجرى بعد ساعة منها القبض على النقابي أنيس الكعبي بسبب إضراب لشركة الطرقات السريعة، وهو ما اعتبره الاتحاد ضرباً للعمل النقابي.

نور الدين العرباوي: ميزان القوة سيظل مختلاً لصالح الانقلاب ما لم يتخلَّ الشارع الاجتماعي عن عدم مبالاته الحالية

وكان الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قد رد، بعد ثلاثة أيام على ذلك، معتبراً أن خطاب رئيس الجمهورية، وهو يخاطب شعبه، "بالتهديد والوعيد أمر خطير". وحذر الطبوبي، في اجتماع نقابي، بشدة، من "تأليب الشعب ضد بعضه". وقال إن "الرئيس سعيّد يريد لفت الأنظار عن النتائج الهزيلة للانتخابات التشريعية الأخيرة والوضع الاقتصادي".

والأربعاء الماضي، أعرب المكتب التنفيذي للاتحاد في بيان عن "استنكاره حملات الاعتقال العشوائية التي طاولت العديدين، وما شابها من خروقات قانونية وتجاوزات إجرائية ومحاولات تلفيق التهم وحملات تشهيرية، في ظلّ التعتيم الكامل وغياب أيّ معلومة رسمية عن طبيعة التهم ومآلات التحقيق".
وفي سياق مواجهة تصعيد السلطة، دعت جبهة الخلاص الوطني أيضاً إلى ندوة سياسية، اليوم السبت، حول "حملة الاعتقالات السياسية وتصاعد الأزمة في البلاد".

أهمية الحراك الاجتماعي

وفي السياق، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، عضو جبهة الخلاص نور الدين العرباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أهمية تصاعد الحراك الاجتماعي الذي دعا إليه اتحاد الشغل في الأيام المقبلة في مسار مقاومة الانقلاب.

وقال: "لا شك أن الشارع السياسي الديمقراطي قام بواجبه في الاستنهاض وكشف منحى الاستبداد والقهر الذي جاء تتمّة للانقلاب على الشرعية والدستور، ولكن ميزان القوة سيظل مختلاً لصالح الانقلاب، ما لم يتخلَّ الشارع الاجتماعي عن عدم مبالاته الحالية، ليترجم عملياً رأي الـ90 في المائة الذين قاطعوا الانتخابات التي أجريت أخيراً، ولينخرط فعلياً في التعبير عن غضب كامن لدى عموم فئات الشعب من السياسات التي أدّت إلى شبه إفلاس للدولة وتفقير غير مسبوق للتونسيين".

وحول أهمية الالتحام الميداني بين الحراكين الاجتماعي والسياسي، قال العرباوي إنه "من المؤكد أن انفصال الحراكين سبب رئيسي في استمرار اختلال ميزان القوة بين السلطة والمعارضة، وأن قوة السلطة القائمة مستمدّة من تشتت قوى المعارضة ومن انفصال الاحتجاجين، الاجتماعي والسياسي، بعضهما عن بعض".

وشدد على أنه "لا مناص من الالتقاء بينهما إذا أريدَ للنضال في وجه الديكتاتورية أن يرتقي وتزداد نجاعته، ويتقدّم على طريق تحقيق أهدافه، وهي استعادة الديمقراطية وتحقيق التنمية في ظلّ مجتمع حر تعبّر عن تطلّعاته قواه السياسية الحرّة".

من جهته، اعتبر القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب" زهير إسماعيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "دعوة اتحاد الشغل إلى التحرّك في المناطق في الأيام المقبلة تكتسي أهميّة بالغة، على الرغم من أنّ المنظمة ما زالت في منطوق بياناتها لم تخرج عن سقف 25 يوليو/تموز".

وأضاف: "هي توجّه انتقاداتها إلى الحكومة ولا تتعدّاها إلى قيس سعيّد الماسك بكل السلطات، ولهذا علاقة بتوازنات داخل المكتب التنفيذي للمنظمة، وبالمبادرة التي يعدها الاتحاد بالشراكة مع منظمات أخرى من المجتمع المدني سيتوجه بها إلى رئيس الجمهورية".

دوافع التحركات النقابية

وبيّن إسماعيل "أهمية التحركات النقابية في المناطق من ناحية علاقتها بسياق المواجهة المحتدمة بين القوى الديمقراطية وسلطة الانقلاب"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن لقيادة الاتحاد، التي تواجه استهدافاً لها وللمنظمات العمالية من قبل نظام قيس سعيّد وحكومته بغاية فرض شروط صندوق النقد الدولي لما يعرف بالإصلاحات، أن تنأى بنفسها عن سياق هذه المواجهة وعن تداعياتها السياسية والاجتماعية".

وأفاد بأن "صراع الانقلاب والقوى الديمقراطية يمثّل المعركة الرئيسية التي على قاعدتها تفرز القوى السياسية والاجتماعية. وقد نجح الشارع الديمقراطي في محطاته المختلفة منذ أكثر من سنة ونصف السنة في أن يربك جانباً من القوى السياسية التي ساندت الانقلاب، ويدفع بكثير ممن تردد منها إلى موقف مناهض للانقلاب، وهو ما فرض على سعيّد عزلة حقيقية وافتقاده للحاضنة السياسية داخل المشهد، فالانقلاب بلا شارع".

واستنتج إسماعيل أنه "بعد حالة العزوف عن الانتخابات ونتائجها والمشاركة الضعيفة فيها، لم يعد لسعيّد من سند غير أجهزة الدولة الصلبة". وتابع: "بهذا المعنى، فإنّ التوتر الحاصل بين سعيّد وقيادة الاتحاد واستهداف قيادات نقابية بالاعتقال والدعوة للتحقيق، لا يمكن أن تخرج عن سياق المعركة الرئيسية بين الانقلاب والديمقراطية أيّاً كان تقدير قيادة منظمة الشغيلة".

زهير إسماعيل: صراع الانقلاب والقوى الديمقراطية يمثّل المعركة التي على قاعدتها تفرز القوى

وأضاف: "حتى إذا لم يجعل هذا التوتر من الاتحاد حليفاً للقوى الديمقراطية، فإنّه لن يكون في ظل الظروف الحالية ظهيراً لسعيّد ومساره الانقلابي، فقد كان بيان المركزية النقابية منذ يومين قوياً في التنديد بحملة الاعتقالات واستهداف طيف من النشطاء السياسيين. وكان واضحاً في رفض إملاءات الحكومة المتطابقة مع مقترحات صندوق النقد الدولي، وشاجِباً لتراجع الحكومة عن اتفاق بالزيادات في الأجور كانت وقّعت عليها مع الاتحاد في مفاوضات اجتماعية سابقة".

وحول إمكانية حصول التحام ميداني بين الحراك الاجتماعي والسياسي في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به تونس، تطرق إسماعيل إلى "أسباب انقسام القوى المناهضة للانقلاب والمدافعة عن الديمقراطية، وعجزها عن الالتقاء على مشترك والاتفاق على برنامج مرحلي للإنقاذ، والانفصال بين الشارع السياسي والشارع الاجتماعي الشعبي".

وأوضح أن "السبب الأول سياسي مباشر، والثاني أسبابه اجتماعية عميقة. وهذا يعني أن الحراك السياسي يدور في المجال السياسي الرسمي (النخبة) في حين يدور الحراك الاجتماعي في المجال السياسي الهامشي (عامة الناس)".

وأشار إلى أن "الأصل هو أن يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل همزة الوصل بين الشارعين السياسي والاجتماعي،" مرجحاً أن "تكون سياسات قيس سعيّد، التي حوّلت الأزمة المالية والاقتصادية الموروثة إلى نكبة وطنية وكارثة اجتماعية تهدد استمرار الدولة والسلم الاجتماعي، من بين مقدمات اللقاء بين الشارعين".

ورأى إسماعيل أنه "في هذا السياق السياسي والاجتماعي، تأتي الاعتقالات الأخيرة التي استهدفت أكثر من جهة، وقد حاولت سلطة الانقلاب، من خلالها، خلط الأوراق رغبة في تغيير عنوان المعركة من صراع ديمقراطية/انقلاب إلى صراع ضد لوبيات الفساد والقوى المتآمرة على الدولة والساعية إلى تغيير هيئتها".

لكنه لفت إلى أن "وجود جبهة الخلاص في قيادة الشارع الديمقراطي منع تغيير عنوان المعركة الحقيقي، وجعل من نقاط المواجهة التي فجّرتها سلطة الانقلاب بمواجهة كل خصومها في وقت واحد (أنصار الديمقراطية، الاتحاد، الإعلام...) رصيداً إضافياً يعزز من مصداقيتها السياسية، ودورها في توحيد القوى الديمقراطية وتحقيق خطوات على طريق الخروج من الأزمة واستعادة الديمقراطية".

المساهمون