الحراك الشعبي السوري ومعوقات النجاح

02 يونيو 2024
من الحراك الشعبي ضد هيئة تحرير الشام في إدلب، مايو الماضي (معاوية أطرش/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فشل الثورة السورية وتحولها إلى مناطق نفوذ بسبب عدم الحفاظ على سلمية الحراك واختراقه من قبل عناصر لا تنتمي للثورة، مما غيّر شكل المواجهة وأعطى النظام ذريعة لقمعه.
- استمرار الحراك الشعبي ضد الظلم والاستبداد في مناطق مختلفة مثل السويداء وإدلب، رغم التحديات مثل عدم توحيد القيادة والخطاب، ومحاولات النظام لإفشاله عبر خلق الانقسامات أو دفعه نحو العسكرة.
- تكرار أخطاء الماضي في الحراك الجديد بعد 13 عامًا من الثورة، مثل الذهاب نحو حمل السلاح وعدم توحيد الخطاب، مما يهدد بإجهاض أي تحرك ضد سلطات الأمر الواقع ويفوت فرصة استفادة الحراك من تجارب الثورات السابقة.

لعل أهم أسباب فشل الثورة السورية في تحقيق أهدافها وتحوّل سورية إلى مناطق نفوذ عسكرية تحكمها سلطات أمر واقع، هو فشل الحراك الشعبي في الحفاظ على سلميّته، ودخول عناصر ومكونات لا تنتمي للثورة على خط مواجهة النظام، الأمر الذي أدّى إلى تغيير شكل المواجهة السلمية بين نظام مستبدٍّ وحراك سلمي، ووسم الحراك الشعبي بصفاتٍ وأيديولوجيا الجهات التي استغلته وحاربت النظام باسمه، الأمر الذي شكّل ذريعة للنظام وحلفائه "كان يبحث عنها" من أجل القضاء على هذا الحراك. إلا أن الحراك الشعبي ضد الظلم والاستبداد ما لبث أن عاد، ومن المناطق التي يسيطر عليها النظام، إذ تشهد محافظة السويداء، منذ نحو عشرة أشهر، تظاهرات شبه يومية تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد، ثم ما لبثت مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" وبعض مناطق سيطرة "الجيش الوطني" أن شهدت حراكاً شعبياً ضد سلطات الأمر الواقع فيها، لينتقل بعدها الحراك الشعبي إلى محافظة إدلب ضد تسلّط "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) مطالباً بإسقاط زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني.

وعلى الرغم من محافظة الحراك الشعبي في السويداء على سلميته، إلا أنه لم يتمكّن من فرز قيادة موحّدة له، توحّد خطابه ضمن المحافظة، كما تسعى إلى توسيع هذا الحراك خارج حدود المحافظة، وتتفاوض باسمه. وعلى الرغم من تصدّر الشيخ حكمت الهجري مشهد الحراك في المحافظة، إلا أنه لم يطرح نفسه قائداً له. أضعف هذا الأمر كثيرا قدرة الحراك على التأثير، وأعطى الفرصة للنظام لمحاولة إفشاله، إما من خلال محاولات إحداث خلافات بوجهات النظر بشأن بعض القضايا، أو بمحاولات دفع الحراك نحو خيارات عسكرية، الأمر الذي من شأنه أن ينشئ ذريعة للنظام للقضاء عليه.

أما الحراك في شرق الفرات فقد تحوّل سريعاً إلى حمل السلاح، ولم يحقق أي نتيجة على مستوى المطالب التي نادى بها. وفي محافظة إدلب، يختلط الحراك الشعبي بحراك لبعض القوى المتطرّفة التي امتطت الحراك لتحقيق أهداف تتعلق بها، كما بدأت بعض تلك الجهات تدعو إلى تحويل الحراك السلمي نحو التسلح، الأمر الذي من شأنه أن يُجهضه سريعاً.

ما يؤخذ على الحراك الذي استجدّ بعد أكثر من 13 عاماً على الثورة السورية، أنه لم يستفد من تجربة الحراك السابقة، سواء لناحية الأسباب التي أدّت إلى نجاحه في بعض النواحي، أو الأسباب التي أدّت إلى فشله، والتي في مقدّمتها الذهاب نحو حمل السلاح، لأن سلطات الأمر الواقع هي من تسعى نحو جرّ الحراك إلى السلاح، كونه يشكل الذريعة المثلى للقضاء عليه، هذا بالإضافة إلى عدم توحيد الخطاب وإصدار خطاب سياسي موحد، وذلك كي لا تفسح المجال لسلطة الأمر الواقع لشقّ صف الحراك. والأهم عدم السماح لجهاتٍ لا تنتمي للحراك بامتطائه كي لا تؤخذ ذريعة عليه. هذه الأسباب وغيرها لم يأخذ بها قسم من الحراك، ما من شأنه إجهاض أي تحرّك ضد سلطات الأمر الواقع.