صدق الحاكم العسكري المصري، اليوم الأحد، على الحكم الصادر من محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، بالسجن المشدد مدة 15 عاماً على رئيس "حزب مصر القوية" والسياسي البارز عبد المنعم أبو الفتوح، والقائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمود عزت، ومذيع قناة "الجزيرة" أحمد طه، و22 آخرين، والسجن المشدد 10 سنوات على نائب رئيس "حزب مصر القوية" محمد القصاص، والناشط معاذ الشرقاوي.
وبتصديق الحاكم العسكري، يصبح الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا في 29 مايو/أيار 2022 نهائياً باتاً لا طعن عليه، وذلك في القضية رقم 440 لسنة 2018 حصر أمن دولة طوارئ.
وينصّ القانون على أن الأحكام الصادرة من محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ لا يجوز الطعن عليها أو استئنافها، وتصبح نهائية فور التصديق عليها، ولكن لرئيس الجمهورية وحده الحق في تخفيف الحكم، أو الإلغاء، أو إعادة المحاكمة من جديد.
ويعتبِر حقوقيون أن محكمة أمن الدولة طوارئ "محكمة استثنائية، يخضع قضاتها للتعيين والاختيار من قبل وزارة العدل، كما أن أحكامها لا يجوز النقض عليها، أي أنها اختزلت حق المتهمين في درجة من درجات التقاضي، مما يجعلها محاكمة لا تخضع معاييرها لمعايير المحاكمة العادلة المعترف بها دولياً وأممياً".
وألقي القبض على رئيس حزب "مصر القوية" والمرشح الرئاسي السابق السياسي البارز عبد المنعم أبو الفتوح، في فبراير/شباط 2018، بتهمة نشر أخبار كاذبة وقيادة منظمة إرهابية. وفي عامي 2019 و2021، وُجهت إليه تهم إضافية، بما في ذلك اتهامات بتمويل منظمة إرهابية، وحيازة أسلحة نارية، وتدريب أفراد على استخدام الأسلحة، وتم وضعه على قوائم الإرهاب.
وفي 29 مايو/أيار 2022، حكمت محكمة طوارئ أمن الدولة على أبو الفتوح بالسجن 15 عاماً بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، و"التحريض على مؤسسات الدولة".
وخلال فترة حبسه التي استمرّت ما مجموعه نحو خمس سنوات، تم احتجاز أبو الفتوح في الحبس الانفرادي، ما أدى لتدهور حالته الصحية، حيث أصيب بنوبات قلبية عدة، كما أنه مريض بأمراض البروستاتا المتقدمة. وفي 23 مارس/آذار 2022، تعرّض لاعتداء جسدي من قبل قوات يقودها مفتش مصلحة السجون في منطقة سجون طره، التي نُقل إليها لتلقي الزيارات.
ويسجن أبو الفتوح في عنبر منفصل عن كلّ الزنازين الأخرى، في زنزانة مساحتها 3 في 2م، ويخضع لتقييد مشدد داخل الجناح نفسه، حيث لا يُسمح بوصول كافٍ لأشعة الشمس أو الهواء النقي، وليس بإمكانه الوصول إلى مكتبة السجن، أو المسجد، أو أي مساحة خارجية، ولا يمكنه الاتصال إلا بالحراس، كما تم حرمانه من الكتب، والصحف، والمجلات، والتلفزيون، والراديو، ويُسمح له بالتريض 90 دقيقة يومياً، بحسب منظمات حقوقية.
كما لا يمكنه الحصول سوى على زيارة واحدة لمدة 20 دقيقة من وراء حاجز زجاجي شهرياً فقط مع أفراد أسرته المباشرين (منذ بداية عام 2020، فرد واحد فقط من أفراد الأسرة لكل زيارة)، بينما يُسمح بالاتصالات الكتابية مع العائلة مرة واحدة في الأسبوع، ويجب أن تتم الموافقة على كل خطاب أولاً من قبل سلطات السجن قبل التسليم، كذلك اتصالاته مع محامييه مقيدة بشدة ومراقبة باستمرار، ولم يُسمح لهما مطلقاً بأي لقاء خاص معاً، بما في ذلك أثناء جلسات تجديد الحجز.
من هو أبو الفتوح؟
وولد أبو الفتوح في 14 أكتوبر 1951، والتحق بكلية الطب في جامعة القاهرة، وأصبح أحد أشهر الطلاب فيها نتيجة عمله السياسي، وانضمامه لجماعة الإخوان المسلمين، حتى أصبح رئيساً لاتحاد الطلبة.
وتكررت مرات اعتقاله خلال سنوات عمله السياسي، خاصة وأنه ابن تنظيم إسلامي وله نشاط على الأرض، ومن بين المرات التي تعرّض فيها أبو الفتوح للاعتقال والحبس، في أحداث سبتمبر/أيلول 1981، وظل محبوساً لمدة 5 سنوات.
لم يغب عن أبو الفتوح نشاطه النقابي، حيث أصبح في عام 1988 أميناً عاماً لنقابة أطباء مصر لمدة 4 سنوات انتهت في 1992، ثم تولى بعد هذا العام منصب الأمين العام المساعد وأمين صندوق اتحاد الأطباء حتى عام 2004. ومنذ مارس/آذار 2004 وحتى الآن، يشغل أبو الفتوح منصب أمين عام اتحاد الأطباء العرب.
وفي ما يتعلق بنشاطه السياسي داخل جماعة الإخوان المسلمين، يُعتبر عبدالمنعم أبو الفتوح أحد الأعمدة الرئيسية في إعادة إحياء التنظيم بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر.
وفي فبراير/شباط 1987 وحتى استقالته في ديسمبر/كانون الأول 2009، كان أبو الفتوح عضواً في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وهو أعلى سلطة قيادية داخل التنظيم.
وكان أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب من مارس 2004 وحتى 2013، وكان عضواً مراقباً بمجلس وزراء الصحة العرب، بصفته مدير عام مستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية حتى عام 2004.
وسبق أن اعتُقل في عام 1981 في عهد الرئيس المصري أنور السادات، ضمن اعتقالات سبتمبر/أيلول الشهيرة، وذلك بسبب موقفه من معاهدة كامب ديفيد، ثم اعتقل مرة أخرى وحوكم في المحاكم العسكرية التي كان يحال إليها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، عندما كان يشغل منصب الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء العرب عام 1996، وسجن لمدة خمس سنوات.
وسجن خمس سنوات أخرى في عهد الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، بسبب انتمائه للجماعة ونشاطاته السياسية، وحصل خلال فترة سجنه على إجازة في الحقوق من جامعة القاهرة.
وبعد الثورة، قرّر أبو الفتوح خوض انتخابات الرئاسة، لذا بدأ في تأسيس حزبه السياسي الذي خاض انتخابات 2012 باسمه، حزب "مصر القوية"، الذي جمع عدداً كبيراً من شباب التيار الإسلامي، إلى جانب شباب من اليسار والتيارات السياسية المختلفة.
وتعرّض أبو الفتوح لخسارة "غير متوقعة" في انتخابات رئاسة 2012، بعد أن حلّ رابعاً بعد مرشح الإخوان محمد مرسي، وأحمد شفيق، وحمدين صباحي، حيث حصل على ما يصل إلى 4 ملايين صوت، لكن الرقم لم يكن كافياً لدخول قصر الرئاسة.
وبعد سنوات طويلة من العمل السياسي، وموقفه السياسي المناهض لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكمه، تعرّض أبو الفتوح للاعتقال في فبراير/شباط 2018، بعد أيام من عودته من العاصمة البريطانية لندن، وظهوره على شاشة تلفزيون "الجزيرة" يهاجم فيه سياسات حكم النظام المصري.
ليلتها، ألقت أجهزة الأمن القبض على أبو الفتوح، و6 من أعضاء المكتب السياسي لحزب "مصر القوية"، هم أحمد عبد الجواد، أحمد سالم، محمد عثمان، عبد الرحمن هريدي، أحمد إمام، وتامر جيلاني، وأطلقت قوات الأمن سراحهم جميعاً بعد ذلك، إلا أبو الفتوح، حتى تم التصديق على حكم حبسه اليوم.