الجيش اليمني... وحدات متفرقة وولاءات متعددة

22 ابريل 2024
جنود يمنيون تابعون للشرعية في مأرب، يناير الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد ثمانية أعوام من قرار دمج المقاومة الشعبية في الجيش اليمني، لا تزال الوحدات العسكرية متفرقة وغير موحدة، مع تعدد الولاءات لوزارة الدفاع، المجلس الانتقالي الجنوبي، وقيادات أخرى مثل العميد طارق صالح وقوات العمالقة.
- تختلف رواتب الجنود بين الوحدات العسكرية بشكل كبير، مما يؤثر سلباً على معنوياتهم ويسبب التسرب إلى وحدات برواتب أعلى، مع الإشارة إلى أن الوحدات على الحدود السعودية تتلقى رواتبها من لجان سعودية خاصة.
- يؤكد الخبراء على ضرورة توحيد الجيش اليمني تحت قيادة مركزية لتعزيز الأمن القومي، مع تحسين موارد الدولة وإعادة صادرات النفط، وضرورة توفير شفافية وتحسين الرواتب لتشجيع الجنود على الاستمرار في الخدمة.

على الرغم من مرور ثمانية أعوام على صدور قرار دمج المقاومة الشعبية في صفوف الجيش اليمني الذي أصدره الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، إلا أنه لم يجر توحيد المجموعات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع حتى الآن، في ظل وجود مجموعات مسلحة، تحت إطار الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، مختلفة القيادة والتمويل. وتنتشر في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وحدات عسكرية مختلفة، منها ما هو تابع لوزارة الدفاع في محافظات تعز ومأرب، ووحدات أخرى تابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" منتشرة في عدن ومحافظات لحج وشبوة والضالع وأبين، ووحدات عسكرية تابعة للقوات المشتركة المكونة من "المقاومة الوطنية" و"المقاومة التهامية"، بقيادة العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، متمركزة في الساحل الغربي، فضلاً عن قوات العمالقة ذات التوجه السلفي بزعامة العميد عبد الرحمن المحرمي، عضو مجلس القيادة الرئاسي. وهناك أيضاً ألوية "درع الوطن" و"حماة الجمهورية"، التابعة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، كما أن هناك ألوية عسكرية منتشرة عند الحدود السعودية وممولة سعودياً.

وتختلف الرواتب التي يقبضها الجنود المنتمون لهذه الوحدات العسكرية، ووفق ما يتم تداوله فإن الجندي الموجود على الحدود السعودية ومدينة البقع اليمنية الحدودية يتلقى ألفي ريال سعودي (نحو 534 دولاراً) في الشهر، والجندي في قوات "درع الوطن" يتلقى راتباً بقيمة ألفي ريال سعودي بالإضافة إلى مائة ألف ريال يمني (في الشهر)، والجندي في القوات التابعة لـ"الانتقالي الجنوبي" يقبض ألف ريال سعودي (نحو 267 دولاراً) مع مائة ألف ريال يمني (نحو 400 دولار) بالشهر، والجندي في قوات "حماة الجمهورية" يقبض ألف ريال سعودي مع تسعين ألف ريال يمني (نحو 360 دولاراً) بالشهر، بينما الجندي في القوات التابعة لوزارة الدفاع يقبض ستين ألف ريال يمني (نحو 240 دولاراً). أما الألوية العسكرية الموجودة على الحدود السعودية فلا يملك أفرادها أرقاماً عسكرية، وتُصرف رواتبهم عبر لجان سعودية خاصة، وبالتالي تنتهي حقوق الجندي بمجرد مقتله، أو إنهاء الخدمة.


وسام محمد: اختلاف رواتب وحدات الجيش يعود لاختلاف مصادر التمويل الخارجية

كما أن هناك وحدات عسكرية تُموّل من الإمارات، وأبرزها القوات التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" والقوات المشتركة الموجودة في الساحل الغربي، المكونة من "حراس الجمهورية" و"ألوية العمالقة" و"المقاومة التهامية". وهناك اختلال في بناء هذه القوات، فباستثناء تلك التابعة لوزارة الدفاع، يجرى تعيين قادة الألوية فيها من قبل قيادات هذه القوات، وهو ما يعد مخالفاً للدستور الذي ينص على أن قائد اللواء العسكري يُعيّن من قبل رئيس الجمهورية بقرار جمهوري أو قرار رئاسي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن. إشكالية جعلت من الجيش اليمني التابع للشرعية عبارة عن وحدات عسكرية غير متجانسة وغير موحدة القيادة، ما تسبب بتعدد الولاءات، وهو ما يفاقم من صعوبة تشكيل جيش وطني ينهي الانقلاب ويستعيد الدولة.

ويقول الخبير العسكري العقيد عبد العليم أبو طالب، لـ"العربي الجديد"، إن اختلاف الرواتب في الوحدات العسكرية التابعة للشرعية له تأثيرات سلبية كبيرة على الوحدات بشكل عام، والأفراد بشكل خاص، وأهمها معنويات الجندي المقاتل في ظل تفاوت الراتب بين رفاق السلاح. ويضيف أن هذا الأمر تسبب في بروز ظواهر أهمها كثرة التسرب من وحدات عسكرية قليلة الرواتب إلى وحدات برواتب أكبر، محسوبة على الشرعية. ويشير أبو طالب إلى أن التسرب شمل الوحدات التابعة للشرعية المنتشرة على الحدود مع السعودية، التي تقوم باستيعاب كل من يأتي إليها، وتقوم بتشكيل وحدات عسكرية على أنها تابعة للشرعية، فيما تتلقى أوامرها من الجهة التي شكلتها وتقوم بتمويلها، وبالتالي حصل نقص في أعداد أفراد الوحدات العسكرية، تحديداً تلك التابعة لمحور تعز.

ويوضح أبو طالب أنه ظهر ما سمي بالبدائل "بدائل الفرار والمنقطعين"، تعويضاً لمن تسربوا من وحداتهم الأصلية إلى وحدات رواتبها مغرية، كما هو حاصل مع ألوية الساحل الغربي، وهذا الأمر يخلق شرخاً بين الوحدات العسكرية ينهي فكرة بناء جيش وطني موحد، بل جعله جيشاً مشتتاً بولاءات متعددة يتبع من يدفع أكثر. ويحذر من أن هذا الخلل الخطير عواقبه وخيمة إن لم تتخذ وزارة الدفاع مع رئاسة هيئة الأركان العامة خطوات جادة، وقرارات صارمة تحد من هذه الظاهرة بحيث تمنعها وتلغيها. ويرى أبو طالب أنه من الضروري وجود شفافية في التعامل مع كل ما يجري من اختلالات، سواء في الجانب الإداري أو المالي، ومواجهتها، والعمل على تحسين موارد الدولة، وإعادة صادراتها من النفط التي تؤمن كل احتياجات الدولة بما فيها الجيش، وكذلك صدور قرارات صارمة وفورية التنفيذ بتوحيد الجيش بنيوياً ومادياً، تحت قيادة موحدة ممثلة بوزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان.


عبد العليم أبو طالب: اختلاف الرواتب في الوحدات العسكرية التابعة للشرعية له تأثيرات سلبية كبيرة

من جهته، يرى الكاتب الصحافي وسام محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اختلاف رواتب وحدات الجيش يعود في الأساس إلى اختلاف الأطراف المحلية التي قامت ببناء هذه الوحدات، واختلاف مصادر التمويل الخارجية، وهذا الأمر بات بمثابة عائق أمام فكرة الجيش الموحد، وعقبة أمام أي محاولات لدمج الجيش وتوحيده خلف قيادة واحدة". ويرى أن "هذه التباينات، هي مظاهر تعكس مشكلة أعمق، على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي". ويضيف محمد أن المشكلة لا تواجه فقط فكرة بناء جيش موحد، وهو الشيء الذي لا يزال حتى الآن مجرد رغبات، بل التمايزات الكبيرة الحالية بين رواتب منتسبي الجيش اليمني في مختلف الجبهات، ما يؤثر بشكل حاسم على تبعية هذه التشكيلات لمن يمولها، ويجعلها أكثر بعداً عن الدولة، نظراً لأن من يتبعون وزارة الدفاع يحصلون على أقل الرواتب، كما أصبحت هذه الرواتب بفعل الظروف الاقتصادية السيئة أداة استقطاب للجنود والضباط.

ويشير محمد إلى أنه من المهم وكخطوة أولى أن يحصل كل منتسبي التشكيلات المختلفة على أرقام عسكرية، ليصبح الجميع خاضعاً لسلطة القانون، أما توحيد الرواتب فهذا مرهون بتوفر إرادة سياسية وبالتنسيق مع دول التحالف، وأيضاً توفير موارد كافية، فالجندي الذي كان يستلم ألف ريال سعودي راتباً شهرياً لن يستمر في الخدمة إذا ما تحول راتبه إلى أقل من 200 ريال سعودي (54 دولاراً) كما هو حال رواتب الجنود في مأرب وتعز. ويلفت إلى أنه من الممكن إيجاد متوسط لهذه الرواتب، وتوفير امتيازات أخرى تدفع منتسبي الجيش اليمني للاستمرار في الخدمة، كالتأمين والإعفاءات من رسوم خدمات الصحة والتعليم لأسرهم، وأيضاً التغذية الدورية، كما كان يحدث في الماضي. ويرى أن "الأمر معقد، ويحتاج إلى دولة قوية، وهذا لا يزال غير متوفر حالياً، لهذا كل ما يقال عن جيش موحد لا يعدو كونه مجرد أحلام".