عادت الخلافات بين مكونات "الجيش الوطني" السوري المعارض المدعوم من تركيا للظهور مجدداً على شكل صدامات مسلحة توقع قتلى وجرحى بين عناصر هذا الجيش، وفي معظم الأحيان يذهب ضحيتها سكان مدنيون في المناطق التي تحصل فيها تلك النزاعات.
ولا يزال السبب الرئيسي وراء هذه الخلافات هو إما الصراع على الموارد ومعابر التهريب، أو على النفوذ والذي غالباً ما يحصل ضمن الفصيل الواحد. ليل أمس الأول الجمعة وقع خلاف بين عناصر من الفيلق الثالث والإدارة الأمنية لمعبر تل أبيض بريف الرقة الشمالي والتي تتبع للفيلق نفسه، وذلك بسبب رفض المسؤول الأمني عن المعبر تنفيذ أمر إعفائه من منصبه من قبل إدارة الفيلق، ما أدى إلى اشتباك تسبّب في مقتل عنصر وجرح خمسة آخرين.
كما أن الخلافات الأكثر ضرراً على المدنيين هي التي يفتعلها "الجيش الوطني" مع الهيئات المدنية في المناطق التي يسيطر عليها، إما لفرض سطوته عليها أو بسبب محاولة بعض الجهات التصدي لتجاوزات عناصره، مثل الخلاف الذي وقع بداية الشهر الحالي بين الشرطة المدنية و"فرقة السلطان مراد" في مدينة رأس العين شمال شرق سورية، والذي أدى إلى مقتل طفلين وثلاثة عناصر من الشرطة المدنية.
التحوّل التدريجي الذي طرأ على تركيبة "الجيش الوطني" حوّله من مجموعة من الفصائل التي شُكّلت بهدف خدمة أهداف الثورة السورية، وحماية الحاضن الشعبي لها في مواجهة النظام، إلى تجمّع شكلي يقوم على زعامات فردية لقادة الفصائل التي ترفض أي شكل من أشكال المأسسة والانخراط ضمن مؤسسة عسكرية حقيقية. هؤلاء القادة يتنازعون في ما بينهم على المناطق التي انتزعها هذا الجيش سابقاً من النظام، واقتصر عملهم على فرض سلطتهم على المدنيين في مناطق سيطرتهم، الأمر الذي أسفر عن ارتكاب بعض فصائل "الجيش الوطني" انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.
وفي الجانب الميداني، اقتصر عمل الفصائل على تنفيذ ما يطلبه منها الجانب التركي لناحية القيام بعمليات محدودة ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مقابل تقديم الدعم والغطاء لها من الحكومة التركية، علماً أن هذه الفصائل نفسها رفضت الدعم الأميركي لها لأنه اشترط أن يكون الدعم لأولوية محاربة تنظيم "داعش" وليس محاربة النظام. كما لم تمانع فصائل "الجيش الوطني" في تحويل بعض مكوناتها إلى مرتزقة عابرة للحدود تخلّت عن هدفها في تحرير أرضها، إلى القتال المأجور في دول أخرى.
كل ذلك يستوجب تغييراً جذرياً في بنية هذا الجيش بحل كل مكوناته ضمن مؤسسة واحدة مقسمة حسب الاختصاصات وليس حسب الولاء المناطقي أو العشائري أو الولاء لقائد الفصيل. والأهم من كل ما سبق أن يتمتع هذا الجيش بنوع من الاستقلالية التي توفر له الحفاظ على الحد الأدنى من الثوابت الوطنية التي عليه التمسك بها، في ظل التغيرات السياسية الحاصلة، خصوصاً لناحية المسار التطبيعي الذي يسير عليه داعموه.