طالب قائد الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، الجيش الفرنسي بالإسراع في تسليم الجزائر خرائط التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا خلال فترة الاستعمار في الصحراء الجزائرية منذ عام 1958، والتي لا تزال مخلفاتها تبث الإشعاعات النووية في منطقة أدرار ومناطق أخرى جنوبي الجزائر، خلال المفاوضات المقررة بين وفدي البلدين في شهر مايو/أيار المقبل، وتشمل أيضا خطط التكفل بتطهير مواقع التفجيرات.
وقال شنقريحة، خلال اجتماع مع رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الفريق أول فرانسوا لوكوانتر، الذي يزور الجزائر: "بودي كذلك أن أتطرق لإشكالية المفاوضات ضمن الفوج الجزائري-الفرنسي، حول مواقع التجارب النووية القديمة، والتجارب الأخرى بالصحراء الجزائرية، حيث أنتظر دعمكم خلال انعقاد الدورة 17 للفوج المختلط الجزائري-الفرنسي، المزمع عقدها خلال شهر مايو المقبل، بهدف التكفل النهائي بعمليات إعادة تأهيل موقعي رڨان وإن إكر، وكذا مساندتكم في هذا الإطار، بموافاتنا بالخرائط الطبوغرافية، لتمكيننا من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة لحد اليوم".
ولم تقدم وزارة الدفاع الجزائرية، التي نشرت بيانا عن الاجتماع، مزيدا من التفاصيل حول النقاش بشأن الملف، وما إذا كانت قيادة الجيش الجزائري قد تلقت تعهدات من المسؤول العسكري الفرنسي بإمكانية مدها بخرائط التفجيرات وبالتزامات بشأن وجود خطط لتتحمل باريس مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية في الملف، والمساعدة في جهود تطهير المناطق الموبوءة بالإشعاعات النووية وكذا تعويض الضحايا الذين ما زالت الإشعاعات تسبب لهم أمراضا وعاهات مختلفة في منطقتي أدرار وتمنراست، جنوبي الجزائر.
وكان قائد قسم هندسة القتال بقيادة القوات البرية في الجيش الجزائري، العميد بوزيد بوفريوة، قد كشف في حوار سابق نشرته مجلة "الجيش"، أن فرنسا نفذت 17 تفجيرا، بينها أربعة تفجيرات سطحية في منطقة رقان، و13 تفجيرا باطنيا في منطقة "إن إيكر"، في قلب الصحراء الجزائرية، إضافة إلى تجارب تكميلية أخرى، مشيرا إلى أن "التجارب الباطنية في إن إيكر خرج العديد منها عن السيطرة، ما أدى إلى انتشار النواتج الانشطارية للانفجار ملوثة مناطق واسعة".
وفي 19 مارس/آذار الماضي، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أعلن أن الجزائر ستظل متمسكة بمطلب تعويض فرنسا لضحايا التفجيرات النووية، وتعتقد السلطات الجزائرية أن التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية تعادل أضعاف قنبلة هيروشيما اليابانية، بحسب تصريح أدلى به وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في 13 فبراير/شباط الماضي، خلال ذكرى ما يعرف بتفجيرات الجربوع الأزرق النووي الفرنسي في الصحراء الجزائرية الذي جرى في 13 فبراير 1960.
وتطالب جمعية تمثل ضحايا التفجيرات النووية في الجزائر بفتح تحقيق دولي لكشف حقائق التفجيرات الفرنسية في الصحراء الجزائرية، وكشف تبعاتها المتواصلة على الإنسان والبيئة والغطاء النباتي والحيواني وعن الآثار الصحية المدمرة التي خلفتها على سكان المنطقة، والمعاناة التي ما زالت قائمة إلى اليوم، إذ تفتك تلك الإشعاعات بمواطني هذه المنطقة التي بقيت تعاني من ويلات تلك التفجيرات النووية. وتشير دراسة أجراها كاظم العبودي، وهو باحث نووي عراقي يقيم في الجزائر منذ عقود، إلى أن التفجيرات خلفت 42 ألف ضحية ممن تسببت الإشعاعات في إصابتهم بالسرطان والتشوهات الخلقية وأمراض العيون والشلل وغيرها.
وهذه هي المرة الأولى التي تتم فيها مناقشة هذا الملف على أعلى مستوى بين القيادات العسكرية في البلدين، على الرغم من أن الملف يبقى أيضا ذا بعد سياسي متصل بالمفاوضات السياسية القائمة بين الجزائر وفرنسا لتسوية ملفات الذاكرة ومخلفات فترة الاستعمار الفرنسي.
وعلى صعيد آخر، تطرق اجتماع قائد الجيش الجزائري بنظيره الفرنسي إلى ملف الأمن في دول منطقة الساحل التي تربطها حدود برية مع الجزائر، وتوجد فيها قوات فرنسية. وقال الفريق شنقريحة إن "الجزائر تعتبر استقرار وأمن جيرانها مرتبطان مباشرة بأمنها، لذا فإنها تبذل جهودا جبارة من خلال تكييف تشكيلاتنا العسكرية على كامل حدودنا بهدف إرساء موجبات الاستقرار في بلدان الفضاء المتوسطي"، مضيفا "ولهذا الغرض، ووعيا منها بحجم الخطر الذي يمثله الإرهاب على الأمن والاستقرار الإقليميين، لم تتخلف الجزائر عن القيام بمبادرات وتقديم الدعم لجيرانها من أجل تنسيق الجهود على أساس نظرة مشتركة من خلال مبادرات لجنة الأركان العملياتية المشتركة"، التي تم تشكيلها بالتنسيق مع كل من مالي والنيجر وموريتانيا، ومقرها مدينة تمنراست، جنوبي الجزائر.