تقع مرتفعات الجولان في جنوب غرب سورية، وتبلغ مساحتها 1860 كم2، وتتبع إدارياً لمحافظة القنيطرة. تمتد هذه المرتفعات من الشواطئ الشرقية لبحيرة طبريا أي من 299 متراً تحت سطح البحر لتصل إلى 2814 متراً عند جبل الشيخ، ولذلك تتعدد المناخات في الجولان، فيزرع النخيل عند بحيرة طبريا والكرز والتفاح في المناطق المرتفعة. وتعد منطقة الجولان منطقة غنية بالمياه فهي تغذي بروافدها بحيرة طبريا بكميات كبيرة من المياه سنوياً.
إبان حرب حزيران 1967، وبعد الهزيمة النكراء التي مني بها الجانب العربي احتلت إسرائيل 1150 كم2 من مساحة الجولان (أعيد 50 كم2 بعد حرب تشرين 1973)، وهدمت حوالي 223 قرية ومدينة، ورحلت ما يقارب 130 ألف مواطن سوري من الجولان وحولتهم إلى لاجئين في ضواحي دمشق ومدن أخرى في سورية. وكان البلاغ (66) الصادر عن وزارة الدفاع السورية الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل دخول الجيش الإسرائيلي إليها أشد الأثر على معنويات الجيش السوري، الذي انسحب كيفياً من الجولان وكذلك على المدنيين الذين تُركوا ليواجهوا مصيرهم منفردين.
بعد الحرب بقي في الجولان خمس قرى فقط في شمال شرقي الجولان وهي مجدل شمس، وبقعاثا، ومسعدة، وعين قنيا، وسحيتا، وكلها تنتمي للطائفة العربية الدرزية، إضافة إلى قرية سادسة هي قرية الغجر التي تتبع للطائفة العلوية، وتقع على الحدود السورية اللبنانية الفلسطينية. لاحقاً تم ترحيل قرية سحيتا الدرزية إلى قرية مسعدة القريبة منها وتم هدمها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا أبقي فقط على قرى الدروز، وقرية علوية واحدة؟
الجانب السوري يتحمل مسؤولية كبرى عما حدث في الجولان
من هنا نستطيع القول، إن الجانب السوري يتحمل مسؤولية كبرى عما حدث في الجولان. فطبيعي أن تسعى إسرائيل لتهجير السكان السوريين من الجولان ليتسنى لها تنفيذ مخططاتها، ولكن، ليس من الطبيعي أداء النظام السوري آنذاك، فقد سهل المهمة على إسرائيل بشكل كبير، وجعلها تدعي أن ليس لها يد فيما حصل. فلو امتلك السوريون إرادة البقاء حتى لو كانت مكلفة، كما كانت عند الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، فقد رفضوا ترك أراضيهم وتعلموا من تجربة حرب 1948، ولو ساهم النظام السياسي السوري بتشجيعهم على البقاء، أو حتى محاولة إعادتهم بعد خروجهم في الأيام الأولى بعد الاحتلال، حتى لو كان ذلك صعباً، لأن إسرائيل طبعاً لن ترضخ بسهولة، لكانت الأمور مختلفة تماماً اليوم. فلنا عبرة فيما حدث في الخامس من حزيران 2011، عندما استطاع شباب فلسطينيون وسوريون الوصول إلى قلب مجدل شمس، غير آبهين بحقول الألغام الموجودة على جانبي خط وقف إطلاق النار.
أما فيما يتعلق بقرى الدروز فهنالك أسباب عديدة يمكن ذكرها لبقائهم في أرضهم وقراهم:
1- تجربة سكان هذه القرى، إبان الثورة السورية الكبرى عام 1925، عندما أقدمت فرنسا على حرق قرية مجدل شمس وتهجير سكانها، حيث تحولوا إلى لاجئين حتى نهاية الثورة وذاقوا الأمرين. هذه التجربة ما زالت حاضرة في ذاكرتهم تتناقلها الأجيال، لذلك امتلكوا إرادة البقاء، خصوصاً أن أعيانهم وقفوا بوجه كل من حاول ترك بيته، مذكرين الناس بأحداث عام 1925.
2- مما لا شك فيه أن علاقة دروز الجليل والكرمل بدولة إسرائيل، ساهمت أيضا ببقاء هذه القرى وبعدم ترحيل سكانها، فقد وصلت وفود من دروز الجليل والكرمل، بإيحاء من إسرائيل، لتطمين أهالي هذه القرى، بأن إسرائيل لا تنوي أن تمسهم بسوء إذا رفعوا الأعلام البيضاء وتعاملوا بعقلانية مع الواقع الجديد. وعرفت القيادة الإسرائيلية أن بقاء قرى الدروز سيؤدي لاتهامهم بالعمالة مع إسرائيل، وهذا سيسهل عليها إقناع الدروز بمخططاتها القادمة والمعدة سلفاً.
3- لقد كانت أحداث الحرب الرئيسية بعيدة عن هذه القرى، ولذلك لم تتضرر بشكل مباشر من الأعمال الحربية.
4- طبيعة هذه القرى الزراعية، حيث اعتمد غالبية سكانها على زراعة الأشجار المثمرة وخصوصا التفاح، فشكل هذا رابطاً قوياً جعلهم يتمسكون بأملاكهم ولا يغادرون قراهم.
على أساس ما ورد، نستطيع الادعاء، أن بقاء السكان السوريين في الجولان كان ممكنا لو توفرت الإرادة والإصرار على البقاء، ولو كان هناك نظام سياسي داعم يمتلك رؤية استراتيجية لآفاق صراعه مع إسرائيل. فوجود السكان على أرضهم هو الضمانة في أي صراع للمحافظة على هوية الأرض. وبالمقابل استفادت إسرائيل من هذا الفراغ والبلبلة، وقامت بهدم القرى خوفاً من صحوة سورية لإعادة السكان العرب إليها، لأن خط وقف إطلاق النار بقي مفتوحاً لأشهر بين سورية وإسرائيل، وكان من الممكن الانتقال بسهولة ويسر عبره، الأمر الذي كان سيحرجها، أيما إحراج، بسبب التخلف والتعصب الطائفي المقيت وقع المحظور، فبدلاً من دعم السوريين الذين بقوا في قراهم، ومحاولة إعادة النازحين، والطلب من الأمم المتحدة المساعدة في هذا الأمر، اتهم من بقوا في أرضهم بالتعامل مع إسرائيل، كما توقع الإسرائيليون، دون أن يفهموا ما كانت ترمي إليه الدولة الصهيونية وما بيتت لهؤلاء السكان، واستخدمها النظام كذريعة لامتصاص النقمة الشعبية على الهزيمة لذلك ألصقها بالدروز الذين بقوا في قراهم!
لقد أصاب قادة إسرائيل، عندما توقعوا أن السكان الذين بقوا في بيوتهم سيتهمون بالتعاون معها، ولكنهم أخطأوا التقدير في الشق الثاني، بأن هذا الاتهام سيدفع بهؤلاء إلى أحضانهم، فقد حصل العكس تماما، لقد أثبت السكان الذين بقوا في بيوتهم والمتهمين بالخيانة، أنهم الضمانة الوحيدة التي ثبتت عروبة الجولان وجعلت العالم يسمع أن هناك أرضًا سورية محتلة.