صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتزكية على تجديد ولاية أنطونيو غوتيريس أميناً عاماً للأمم المتحدة للمرة الثانية، تبدأ في الأول من يناير/كانون الثاني القادم وتستمر خمس سنوات.
جاء ذلك بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي في الثامن من الشهر قرارا يوصي بذلك، حيث كان غوتيريس المرشح الوحيد الذي قدمته دولة عضو في الأمم المتحدة (البرتغال) لهذا المنصب.
وانتقدت منظمات غير حكومية عدم ترشيح أي من الدول الأخرى شخصاً آخر، كما طريقة اختياره واستمرار سيطرة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، على ذلك، إذ إن معارضة أي دولة من هذه الدول على تعيين مرشح تعني عدم نجاحه.
وأعلن عدد من الأفراد بشكل شخصي ترشحهم للمنصب، إلا أن مجلس الأمن لم يعتمد أو يناقش أياً من هذه الترشيحات، بحجة أنها جاءت من أفراد وليس من قبل دولة عضو.
ولم يكن التجديد لغوتيريس مفاجئاً، حيث اتسمت الفترة الأولى لقيادته للأمم المتحدة، التي بدأت في يناير 2017، بمحاولته المستمرة لعدم إثارة غضب أي من الدول النافذة وانتقاد سياساتها، لكنه واجه صعوبات إضافية لتلك التي يواجهها أي أمين عام في العادة، ومحاولته للموازنة بين الدول النافذة ومواقفها المختلفة.
ورافق تولي غوتيرس منصبه رسميا تولي دونالد ترامب منصبه رئيساً للولايات المتحدة بداية عام 2017، حيث أعلن ترامب، حتى قبل فوزه بالانتخابات، حربه على التعددية الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، وعمل على تضييق الخناق عليها سياسيا ودبلوماسيا وماديا، حيث واصل ترامب تنفيذ سياسته ضد مؤسسات الأمم المتحدة خلال فترة حكمه، ما جعل غوتيريس في موقف صعب للغاية، خاصة أن الولايات المتحدة تعد أكبر ممول للمنظمة الدولية ومؤسساتها.
لكن مهمة غوتيرس ازدادت صعوبة مع تفشي جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية والاجتماعية عالميا، ناهيك عن تحديات التغيّر المناخي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بها، والتي تبدو الآن على المحك أكثر من أي وقت مضى.
ومع انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة وتوليه منصبه في يناير/ كانون الثاني، أصبحت المهمة أمام غوتيريس أسهل ربما مقارنة بفترة ترامب، حيث يعول بايدن على التعددية الدولية ودور الأمم المتحدة ونفوذ الولايات المتحدة داخل مؤسساتها.
وعلى الرغم من التحول في القيادة الأميركية ومعها المواقف، فإن مهمة غوتيريس للسنوات الخمس القادمة ما زالت صعبة، بسبب حجم التحديات التي يواجهها العالم والهوة بين الدول الفقيرة والغنية، وخاصة بعد جائحة كورونا وتبعاتها، ناهيك عن زيادة عدد النازحين حول العالم واشتعال عدد من الجبهات والنزاعات.
وأشار غوتيريس في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة في نيويورك، بعد اعتماد تعيينه، إلى أن "الخيارات التي نقوم بها الآن إما ستؤدي إلى أن نخطو نحو الانهيار والأزمة، أو الرفاه من أجل مستقبل أفضل للجميع (..)، الجائحة أثبتت حاجتنا بعضنا لبعض".
وأضاف غوتيريس أن الملايين خسروا أحباءهم وأن العالم واجه واحدة من أخطر التهديدات منذ إنشاء الأمم المتحدة، فيما أظهرت الجائحة ضعف المجتمعات والشروخ الموجودة فيها. مضيفًا أنه من المقدر أن العالم خسر أكثر من 114 مليون وظيفة، أي أن 55 بالمئة من سكان العالم لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية. ما يعني أن الفقر ستزداد نسبته حول العالم للمرة الأولى منذ عشرين عامًا.
وأكد غوتيريس ضرورة التنسيق بين الدول ودعم الدول الغنية والصناعية للدول النامية والفقيرة لمواجهة أثار الجائحة، مشيرًا إلى أن العالم يواجه عددًا من الملفات والتحديات، من بينها التغيّر المناخي، والنزاعات، وغياب تنظيم الفضاء السيبراني، والجوائح، وزيادة عدم المساواة بين الجنسين، والهوة في التعليم والصحة وغيرهما، موضحًا أن هذه الملفات لا يمكن حلها على نطاق واسع إلا إذا نسقت الدول فيما بينها.
إلى ذلك، عبر مسؤول ملف الأمم المتحدة في منظمة "هيومان رايتس واتش" لويس شاربونو، في تصريح صحافي، عن أمله في تسمية الأمين العام في فترته الجديدة لجميع الحكومات التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك تلك الحكومات القوية والمحمية.
وأشار إلى إدانة غوتيريس وبشكل صريح لانتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار وبيلاروسيا على سبيل المثال، مؤكدًا أنه بقي حذرا في إدانة جرائم الصين ضد الإنسانية في شينغيانغ أو دعم روسيا للفظائع المرتكبة في سورية، لافتا الانتباه إلى أن إرث غوتيريس للسنوات الخمس القادمة سيعتمد على مدى استعداده للتحدث علنا للدفاع عن المضطهدين حول العالم أينما كانوا.
وتأمل المنظمات الإنسانية أن يشعر غوتيريس بثقة أكثر بعد انتخابه، ومع وجود إدارة أميركية مختلفة، بحيث يسمح لصوته بأن يكون مميزا وصلبا بوجه الظلم، إذ وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي توجه له، إلا أنه تمكن وخلال الجائحة من لعب دور إيجابي، حيث قدم عدة مبادرات خلال انتشار جائحة كورونا، وحاول لفت الانتباه إلى تبعات الفيروس الاقتصادية والصحية والاجتماعية، كما يحسب له كذلك عمله داخل المنظمة على رفع نسبة التمثيل النسائي في مراكز قيادية وسد الهوة داخل منظمات الأمم المتحدة.
وستظهر السنوات القادمة ما إذا كان سيترك بصمة أكثر إيجابية في ولايته الثانية، ويستخدم سلاح الدبلوماسية الدولية المتمثل بالرمزية الأخلاقية لمنصبه، ويعمل على مناصرة المظلومين والمضطهدة حقوقهم في وجه حكومات نافذة عندما تقوم بتلك الانتهاكات لإحراجها وزيادة الضغوط الدبلوماسية والسياسية عليها.