في يونيو/ حزيران 2021، سُئل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية عن سبب التطور الكبير للعلاقات بين الجزائر وأنقرة، وارتفاع حجم الاستثمارات التركية. هو سؤال كان يعبّر عن انزعاج وقلق فرنسي غير معلن من توجّه الجزائر نحو منح تركيا مساحة مساهمة وشراكة اقتصادية أكبر، خصوصاً بعدما أزاحت أنقرة باريس من تصدّر لائحة المستثمرين في الجزائر، وباتت تحتل الصدارة بحجم خمسة مليارات دولار. في الوقت نفسه، كان حجم الاستثمارات الفرنسية يسجل تراجعاً كبيراً لاعتبارات سياسية بالأساس ولتغير في العلاقة بين الجزائر وباريس. لكن تبون رد قائلاً: "أولئك الذين أزعجتهم هذه العلاقة بين الجزائر وتركيا، عليهم فقط أن يأتوا ويستثمروا عندنا".
بقدر ما يفسر تصريح الرئيس الجزائري وجود تفسير براغماتي واضح واعتبارات اقتصادية بحتة على أساس المنفعة المتبادلة لتطوّر العلاقات بين الجزائر وتركيا، مستفيدة من عوامل عميقة في العلاقات التاريخية والثقافية، بقدر ما يحمل رهاناً سياسياً جزائرياً واضحاً على القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم من جهة، وبينها تركيا. كما يعكس رغبة الجزائر في التحرر من قيود التبعية والضغوط الفرنسية التي كانت تعرقل لعقود كل محاولات تقارب الجزائر مع عمقه العربي والإسلامي، سياسياً واقتصادياً، خصوصاً أن تمركز اللوبيات الموالية لباريس في عمق السلطة والإدارة الجزائرية، أو ما يسمى "حزب فرنسا في الجزائر"، عرقل كل رغبة في حضور اقتصادي وسياسي لقوى من خارج الدائرة الغربية، واستهدف بالأساس الاستثمارات الآتية من الشرق عموماً.
ما يعزز هذا الرهان سلسلة الزيارات التي قام بها تبون إلى الخارج منذ اعتلائه سدة الحكم في ديسمبر/ كانون الأول 2019، والتي قادته إلى خمس وجهات عربية، السعودية في فبراير/ شباط 2020 ثم تونس ومصر وقطر والكويت بين ديسمبر 2021 حتى فبراير 2022.
يُبرز ذلك وجود رغبة واضحة للسلطة السياسية في الجزائر لإجراء مراجعة جدية للعلاقات مع دول الشرق باتجاه تعزيزها، والعودة إلى مجال من العلاقات المتوازنة مع جميع الشركاء الدوليين، والانحياز إلى المحيط الإقليمي الذي كانت له أكثر مساهمات تاريخية في دعم الجزائر في ظروف سابقة، بعد فترة من استغراق الجزائر في علاقاتها مع الغرب. أما علاقة الجزائر مع مكونات الغرب، سواء كانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ودوله أو حلف شمال الأطلسي، فهي مشوبة بالحذر لاعتبارات سياسية وتاريخية.
قبل زيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا ليس كما بعدها، مع ترسيم هذا المستوى العالي من العلاقات، والذي يعني أن أنقرة حسمت خيارها بشأن الشريك الذي يمكن أن تتشارك معه المصالح باتجاه أفريقيا. سيكون لهذا الأمر بالغ الأثر على مسارات بعض القضايا الإقليمية التي تتقاطع فيها مصالح البلدين، في تونس وليبيا ومنطقة الساحل، حيث يجري تدافع قاس وغير معلن من قبل القوى المحلية في مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، بدعم جزائري وتركي لاستبعاد الوجود الفرنسي في هذه المنطقة الحيوية من أفريقيا.