أحالت الحكومة الجزائرية مسودة قانونين جديدين، اليوم الخميس، يتعلق الأول بممارسة الإضراب، ويتضمن تدابير تمنع أي إضراب مهما كانت أسبابه في المؤسسات النظامية، كالجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات الحيوية والسيادية، أو إضرابات عمالية لمطالب سياسية، إضافة إلى قانون يخص إنشاء النقابات العمالية، والذي يشدد على فصل النقابات عن أي نشاط سياسي أو ارتباطات حزبية.
وتغلق مسودة القانون الأول الذي ينظم الحق في الإضراب ونزاعات العمل الباب أمام أي نوع من أنواع التنظيم النقابي والمطلبي في الجيش والأجهزة النظامية والحساسة. وتحظر المسودة، التي ستجرى مناقشتها قريباً في البرلمان، "اللجوء إلى الإضراب في ميادين الدفاع والأمن، أو من قبل المستخدمين الذين يمارسون وظائف السلطة باسم الدولة في القطاعات الاستراتيجية والحساسة السيادية، وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للأمة، والتي قد يؤدي توقفها إلى تعرض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر، أو من المحتمل أن يؤدي الإضراب من خلال آثاره إلى أزمة خطيرة".
ولم يذكر نص القانون لائحة بأسماء المؤسسات والوظائف التي يحظر فيها ممارسة حق الإضراب.
وتسعى السلطات الجزائرية إلى وضع سد قانوني يمنع تكرار حادثة إضراب ومسيرة رجال الشرطة، التي شهدتها العاصمة الجزائرية للمرة الأولى في تاريخ الجزائر في 14 أكتوبر 2014، عندما نظم عناصر الشرطة مسيرة مفاجئة من مقر ثكنة لقوات التدخل إلى غاية مقر رئاسة الجمهورية وسط العاصمة الجزائرية، حيث اعتصموا هناك للمطالبة برحيل المدير العام للأمن عبد الغني الهامل، والسماح لهم بتأسيس نقابة مهنية، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، كما كانت مسيرات مماثلة لرجال الشرطة شهدتها في تلك الفترة عدة ولايات، كخنشلة شرقي الجزائر وغرداية جنوبي الجزائر، دعماً لزملائهم.
وفي السياق نفسه، يتيح القانون الجديد للسلطات فرض منع مؤقت للإضراب واللجوء إلى فرض التسخير القسري للعمال والموظفين والمستخدمين في بعض القطاعات، وفي ظروف معينة، خاصة بالنسبة "للأشخاص الذين يشغلون وظائف ضرورية لسلامة الأشخاص والممتلكات والحفاظ على النظام العام أو تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع أو قصد مواجهة وضعيات استثنائية أو عاجلة"، كعمال المطارات والموانىء والمصانع الحيوية، تحت طائلة الإجبار بالقوة العمومية من أجل ما وصفه القانون بـ"عدم الإخلال بحقوق دستورية والمصلحة العامة".
ويمنع هذا القانون إقامة إضرابات ذات طابع سياسي أو تتعلق بمطالب سياسية، منعاً لتكرار تجارب إضرابات سابقة شهدتها الجزائر بسبب مطالب سياسية لا تخص القطاعات المضربة، حيث كانت عدة قطاعات خلال الحراك الشعبي عام 2019 دعت إلى إضرابات عمالية للمطالبة بالتغيير السياسي، كما يمنع القانون إقامة أي إضراب تقوم به تنسيقيات عمالية أو نقابات غير معتمدة قانوناً.
كما يحظر القانون بدء أي إضراب عمالي قبل استنفاد وسائل الحوار والمصالحة والتحكيم، ويفرض وجود إشعار مسبق من قبل النقابات قبل خمسة أيام على الأقل، ويتطلب وجوباً عقد جمعية عامة للعمال تقر الإضراب، ويهدد القانون النقابات التي تنفذ إضرابات لا تحترم هذه الإجراءات القانونية بالحل والشطب من النشاط، كما يمنع القانون العمال المضربين والنقابات من احتلال أماكن العمل أو المؤسسات، وفرض في السياق ضمان الحد الأدنى من الخدمات في بعض القطاعات الحيوية.
فصل بين النقابات والأحزاب والأنشطة السياسية
وأحالت الحكومة مسودة قانون ثان يخص ممارسة الحق النقابي وكيفية إنشاء النقابات العمالية والمهنية في الجزائر.
وشدد القانون الجديد على الفصل بين المسارات السياسية والنقابية، حيث يتضمن حظراً كاملاً لأي علاقة عضوية بين النقابات والأحزاب السياسية، ويمنع النشطاء النقابيين من الجمع بين النشاط النقابي والنشاط السياسي، أو التصريح كنقابات أو بصفاتهم النقابية بدعم أحزاب أو شخصيات سياسية أو مطالب سياسية، وهو ما يشكل تحولاً كبيراً، حيث كانت غالبية النقابات العمالية الموالية للسلطات تصرح بوضوح بدعمها المرشحين للرئاسة.
ويحظر القانون الجديد على النقابات تلقي أو قبول هبات مالية من جهات سياسية بصورة مخالفة للقانون، كما يسمح للسلطات بحلّ النقابات، عبر الطرق القضائية، في حال ممارستها نشاطاً ذا طابع سياسي، أو في حال التهديد بالعنف أو التحريض أو ممارسة إضراب غير قانوني أو ارتكاب مخالفات من شأنها الإضرار بالأمن العام، كما يسمح القانون بانشاء النقابات من قبل 30 شخصاً من 30 ولاية على الأقل، لكنه يشترط حصول النقابات، في غضون ثلاث سنوات من إنشائها، على تمثيل في حدود 30 في المائة من العمال في قطاعها، لمنحها الصفة التمثيلية، كما يوفر القانون الجديد حماية قانونية للمندوبين النقابيبن ضد أي تعسف إداري بسبب انتمائهم إلى نقابة ما.