الجزائر... رقصات كثيرة وأرجل لا تحتمل

29 ديسمبر 2021
من حق الجزائريين أن يعلنوا خوفهم من المستقبل (فرانس برس)
+ الخط -

مثل شعبي في الجزائر يقول ما معناه "في الرأس أفكار كثيرة عن رقصات متنوعة، لكن الأرجل لا تحتمل ولا تستطيع أن ترقصها كلها". ينطبق هذا المثل على الوضع الذي توجد فيه الجزائر في الظرف الحالي، إذ تريد الحكومة إصلاح الأوضاع الداخلية وتدبير الشأن العام، ومعالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية الحادة، وفي الوقت نفسه ترميم التمزقات التي حصلت في علاقات الجزائر بدول الإقليم، لكن ذلك لا تفعله يد مرتعشة وأرجل من طين.

بلا شك فإن السلطة السياسية ومنظومة الحكم هي المسؤولة وحدها عن كل الاختلالات التي حصلت ولا تزال، لأنها لم تكن لتسمح أبداً للمجتمع السياسي بالمشاركة في صياغة السياسات ورسم الخيارات والأهداف، ولأنها قتلت كل روح نقدية في الفضاءات الإعلامية، وكانت مزهوة بنخبة من المحللين المتملقين والمتسلقين بأدبيات "القوة الإقليمية".

والسلطة هي التي تتحمّل المسؤولية أيضاً عن الكلفة الباهظة التي دفعتها الجزائر ومخرجاتها من الهشاشة الاقتصادية والإرهاق الاجتماعي، نتيجة الأخطاء والعبث الحاصل في إدارة السياسات، ولأنها (السلطة) كانت تفضّل الخيارات والسبل السهلة في الحكم وتنفيذ السياسات، بالاعتماد على الولاء قبل الكفاءة، والإنجاز قبل التخطيط، والعمل بلا معطى أو قاعدة بيانات.

في علاقة بكل هذا، هناك أسئلة تستدعي الطرح في الوقت الراهن. هل انتهى هذا النوع من السياسات العمياء لدى السلطة الراهنة في الجزائر، بمعنى أن محاولة إصلاح أوضاع البلد من قبل السلطة السياسية التي جاءت بعد الحراك الشعبي عبر مسار انتخابي مرتبك، هل تخضع للتقدير الصحيح وباعتماد الأدوات الناجعة التي يقتضيها الإصلاح؟ وهل من الضروري أن يتم إصلاح السياسات مترافقاً مع خنق إعلامي وإحباط لكل روح نقدية وتضييق على الحريات وملاحقة الناشطين وقتل للسياسة؟

من حق الجزائريين، نخباً وأحزاباً ومواطنين، أن يعلنوا خوفهم من المستقبل في حال ضاعت فرصة الإصلاح مجدداً، وفي حال عادت السلطة إلى خلق مناخ يسمح بتشكل جديد لمجموعات تستفيد لوحدها أو تتقاسم المقدرات والناتج المحلي، ولأن الجزائريين غير مستعدين لدفع كلفة أخرى لا تنتج الإصلاح اللازم.

ليس فقط استمرار بعض أزمات الندرة والتموين كالحليب والزيت، هو ما يقلق الجزائريين إزاء قدرة السلطة الحالية على إصلاح الأوضاع، بغض النظر عن النوايا، لكونها أزمات ظرفية ليست مقياساً لشيء مقارنة بالسياسات الكبرى، لكن بعض الوقائع وحالة الإنكار التي تعيشها السلطة تجاه بعض الأزمات المؤسسية والمشكلات تخيف الجزائريين فعلياً.

لا تُطمئن أحداً رغبة السلطة في التخلي عن الأساليب العقيمة في إدارة الشأن العام، والانتهاء من منطق اختصار حال البلد في بهجة عناوين نشرة أخبار التلفزيون الرسمي، لأن ما حدث الأسبوع الماضي مزعج ومقلق، بمحاسبة صحافي بسبب مقال رأي كتبه، ومحاكمة رئيس حزب بسبب موقف سياسي أطلقه، والتضارب الحاصل في البيانات والأرقام الاقتصادية بين الوزراء، وإغراق الدولة بمزيد من المجالس والهياكل الاستشارية لا جدوى منها.

أما التهنئة الصادمة التي أصدرها المدير العام للتلفزيون الرسمي لأطقمه، بعد كارثة الصور الرديئة لوصول المنتخب الفائز بكأس العرب، فتلك قصة أخرى.