الجزائر... حين لا يُصلَح الضرر

11 سبتمبر 2024
من عمليات الاقتراع في الانتخابات الجزائرية، 7 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الانتخابات الرئاسية الجزائرية الأخيرة أضرت بصورة البلاد سياسياً وإعلامياً، حيث رفض الرئيس الفائز عبد المجيد تبون النتائج، مما زاد من الفجوة بين الشارع والسياسيين.
- التسيب السياسي والانحرافات الانتخابية جعلت الجزائر من الدول الأكثر إهداراً للوقت الانتخابي، مما أدى إلى تأخر في تحقيق الديمقراطية وإنتاج مؤسسات فعالة.
- العزوف الانتخابي الكبير يعكس الإحباط المجتمعي وفقدان الثقة، ويشير إلى ضرورة قراءة الرسالة الشعبية بشكل صحيح من قبل الرئيس والسلطة والأحزاب.

لا يجب الاستهانة مطلقاً بحجم الضرر الذي لحق بصورة الجزائر في العالم، على الصعيد السياسي والإعلامي، بسبب العبث الانتخابي الذي حدث بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي جرت السبت الماضي، وجراء الوقائع والملابسات التي أحاطت بهذا الاستحقاق، والنتائج التي رفضها المرشح الفائز نفسه، الرئيس عبد المجيد تبون، فما بالك بمنافسَيه، رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش؟

هذه الانحرافات السياسية والتسيب اللامتناهي في التعاطي مع استحقاق دولة، بحجم انتخابات رئاسية، وضعت الجزائر في خانة الدول الأكثر إهداراً للوقت، والأكثر استهلاكاً للزمن الانتخابي، من دون إنضاج مسار مستقر، أو إنتاج مؤسسات وآليات قادرة على ضمان ديمومة التقدّم نحو وضع ديمقراطي، ولذلك كلما تقدّمت البلاد خطوة على صعيد وضع التشريعات، تأخرت خطوتين على صعيد الفعل والممارسة، وأنتجت حالة مشوهة كتلك المآلات.

بكل الأحوال، لن يكون من السهل بالنسبة إلى الجزائر، تجاوز هذه الصورة بالغة البؤس سياسياً، التي تُعيد بأثر عكسي استدعاء سلسلة من الفترات القاتمة في تاريخ المصادرات المستمرة للإرادة الشعبية، وتُفاقم عامل اللاثقة. كذلك تُوسّع من الإحباط المجتمعي، وتغذي دوافع الاستقالة الشعبية من الممارسة السياسية، وتُباعد المسافة مجدداً بين الشارع والسياسي، بالقدر نفسه الذي كانت عليه قبل الحراك الشعبي عام 2019، خصوصاً أن العزوف الانتخابي الكبير في انتخابات السابع من سبتمبر/أيلول الحالي، رسالة شعبية يفترض أن تكون قد وصلت إلى جميع الأطراف، الرئيس والسلطة والأحزاب والنخب، يتعين قراءتها على نحو صحيح.

من الواضح أن هناك أكثر من طعنة بالنسبة إلى الرئيس الجزائري، ومن أكثر من جهة في هذه الانتخابات، من الهيئة التي وضع فيها ثقته واستأمنها الدستور على سلامة المسار الانتخابي، والتي أظهرت النتائج المعلنة أنها تعاملت بتسيب بالغ مع الاستحقاق الانتخابي، تعددت مظاهره في تجهيز الترتيبات اللازمة وتعيين الكادر المعنيّ بالإشراف على مكاتب التصويت، إلى الانفلات الإعلامي الذي برز خلال الحملة الانتخابية، بحيث وُضع عنوان "أخلقة الممارسة السياسية"، وهو أبرز الشعارات التي استند إليها تبون في حكمه، محل مساءلة.

وطعنة أخرى من الأحزاب الموالية التي صنعت مشهداً غير حقيقي خلال الحملة الانتخابية (17 حزباً دعمت الرئيس تبون لم تضف إليه سوى 300 ألف صوت مقارنة بانتخابات 2019)، ولربما تسبّب خطابها العبثي والمنفلت في الدفع إلى العزوف أكثر منه إلى التصويت. وطعنة أخرى من قوى وهيئات المجتمع المدني التي أوهمت الرئيس أنها قادرة على التحشيد الانتخابي خصوصاً للشباب، بينما ظهر أنها "براميل فارغة" من أي محتوى، حتى استفاق المشهد الانتخابي على نسبة عزوف قياسية، بكل الأحوال أكثر من 70 في المائة لم يذهبوا إلى مكاتب التصويت.

لكن سيطرح سؤال: هل الرئيس تبون غير معنيّ بالمسؤولية عما حدث؟ في الحقيقة السياسية، المآلات التي أنتجتها انتخابات السبت، مرتبطة بكامل الملابسات والظروف المحيطة بواقع الممارسة السياسية والتداخل الفادح بين المؤسسات، وهي نتيجة متصلة بالضرورة، ليس فقط بهشاشة النظام الانتخابي، ولكن بغياب الآليات الحقيقية لممارسة العمل السياسي والديمقراطي، وبحالة إغلاق محكم لمنابر إنتاج الفكرة والنقاش الذي يتيح توليد الحلول.

المساهمون