تضطر الفعاليات السياسية والمدنية في الجزائر إلى تنظيم تجمعات شعبية داعمة لفلسطين والمقاومة وضد العدوان القائم على قطاع غزة، في القاعات والفضاءات المغلقة، بفعل الحظر الصارم الذي تفرضه السلطات على الشارع، حيث تمنع أي تجمعات شعبية مهما كان عنوانها ومطالبها منذ انتهاء مظاهرات الحراك الشعبي.
ولم تستطع الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية منذ بداية الحرب على غزة، من الدعوة إلى تجمعات شعبية أو مسيرات في الشارع والفضاء العام دعماً لفلسطين والمقاومة، واكتفت في الغالب بتنظيم وقفات أمام المقارّ المركزية أو المحلية لهذه الأحزاب أو تنظيم ندوات داخل القاعات أو في فضاءات مغلقة، بسبب إصرار السلطات الجزائرية على حظر أي مظاهرة أو تجمّع في الشارع.
وجرت أولى محاولات التظاهر منذ بدء الحرب الإسرائيلية، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، وأدت حينها إلى اعتقال عدد من المتظاهرين وتوقيف المظاهرة، قبل أن تسمح السلطات بمسيرة واحدة جرت في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسبب ضغوط شعبية وسياسية، شرط أن تتولى السلطة تنظيمها بنفسها عبر المجلس الأعلى للشباب في العاصمة وكل المحافظات، بينما لعبت الأحزاب فيها دور التعبئة ودعوة الشعب ومناضليها إلى المشاركة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، نظمت حركة البناء الوطني سلسلة تجمعات شعبية لدعم المقاومة، كلها داخل القاعات، كان آخرَها تجمعٌ نظمه رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة بولاية تبسة شرقيّ الجزائر.
كذلك نظمت حركة مجتمع السلم تجمعاً شعبياً في قاعة بولاية تيارت غربيّ الجزائر دعماً للمقاومة، بينما انتظم تجمع شعبي بعنوان "طوفان الأقصى"، داخل قاعة بولاية غرداية جنوبيّ الجزائر، ونظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سلسلة تحركات في فضاءات مغلقة، كان آخرها لقاء شعبي في ولاية سطيف شرقيّ الجزائر.
وتحظر السلطة المسيرات والتجمعات منذ ربيع عام 2021، بعد توقف مظاهرات الحراك الشعبي، ويفسر متابعون للشأن الجزائري منع السلطة للمظاهرات بشكل عام، بأنه مرتبط بما يمكن وصفه بـ"فوبيا الحراك الشعبي".
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي جمال هديري لـ"العربي الجديد"، إن "مشكلة السلطة مع الشارع مرتبطة بكونها ما زالت تعيش الزمن السياسي المرتبط بالحراك الشعبي، وتتخوف من انتهاز مجموعات أية فرصة لإعادة الخروج إلى الشارع، وإطلاق شعارات سياسية مناوئة للسلطة وللرئيس تبون خصوصاً، يمكن أن تُفهم أساساً على أن الوضع لم يستقر للسلطة، خصوصاً أن الرئيس عبد المجيد تبون نفسه يتحدث باستمرار عن وجود مجموعات ولوبيات مناوئة تسعى لاستغلال أي حدث لإثارة الشارع".
وعلى الرغم من محاولات سابقة للضغط السياسي على السلطة، ومواجهة رؤساء كتل نيابية لرئيس الحكومة السابق أيمن بن عبد الرحمن ووزير الخارجية أحمد عطاف خلال فعاليات نيابية سابقة، إلا أن الحكومة لم تغير موقفها، بينما استسلمت الأحزاب السياسية والقوى المدنية الجزائرية البارزة، لخيار السلطة في حظر المظاهرات الشعبية والمسيرات في الشارع.
وبات واضحاً أن هذه الأحزاب والقوى لم تعد في وارد مناكفة السلطات بشأن حظرها لاستخدام الشارع والفضاءات العامة للتعبير عن دعم فلسطين والمقاومة، أو مغالبة السلطة وتحديها بتنظيم مظاهرات ومسيرات في الشارع، تحت الضغط الكبير والرغبة الجامحة للجزائريين في التعبير عن موقفهم الجماعي في الشارع، أسوة بكل الشعوب في العالم.
وأعلنت الهيئة الجزائرية للأحزاب الداعمة والمناصرة لفلسطين التي تضم أكثر من 30 حزباً سياسياً وتنظيماً نقابياً، عزمها على تنظيم مسيرة مليونية ثانية، ليس واضحاً ما إذا كانت السلطات ستسمح بها، لكنها دعت ضمن الخيارات البديلة إلى تجمع جماهيري حاشد بملعب نيلسون مانديلا في العاصمة الجزائرية، بحضور شعبي ورسمي، ودعت إلى القيام بفعاليات نقابية وطلابية وشبابية وشعبية في كل بلديات الوطن وولاياته.
وأعلنت حركة البناء الوطني (من الحزام الحكومي) تنظيم تجمع شعبي حاشد في القاعة البيضاوية قرب ملعب الخامس من يوليو في العاصمة الجزائرية، تحضره بعض قيادات المقاومة الفلسطينية، أبرزهم سامي أبو زهري الموجود في الجزائر.
وتعتقد قيادات هذه الأحزاب أن الموقف السياسي الرسمي للدولة الجزائرية الواضح في تأييد المقاومة واحتضان عدد من قيادات الصف الأول، وتوفير تغطية سياسية رسمية لكل الأنشطة الإغاثية لجمع الأموال ونقل المساعدات إلى قطاع غزة وفلسطين، "موقف مشرف ولا يسمح لها بمصارعة السلطة بشأن الشارع، بغضّ النظر عن مبررات غير واضحة للسلطة لمنع المظاهرات"، لكنها تحاول في الوقت نفسه أن تحرج الحكومة إزاء الموقف، وتصر على مطلب فتح الفضاءات العامة.
واعتبر القيادي في حركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، خلال الجلسة التي خصصها البرلمان لمناقشة التطورات في فلسطين المحتلة، أن "الموقف الجزائري الرسمي يحتاج إلى تعزيزه بالموقف الشعبي المعبَّر عنه، وهو ما يتطلب فتح الفضاءات العامة للشعب الجزائري للتعبير عن حبه لفلسطين وللقضية الفلسطينية، عبر مسيرات ومظاهرات في الشارع مثل غيره من شعوب العالم"، مضيفاً أنّ "من غير المعقول أو المفهوم منع التظاهر لدعم قضية يجمع كل الجزائريين على دعمها".