عبرت عدة أطراف جزائرية معنية بمشروع "لم الشمل" والمصالحة، الذي أعلن عنه الرئيس عبد المجيد تبون في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، عن قلقها من غموض مصير المشروع، وتعطل استفادتها من التدابير التي كان من المقرر أن تشملها، بما فيها الناشطون الموجودون في الخارج، وما يعرف بـ"سجناء التسعينيات".
وكشف القيادي السابق في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (محظورة في الجزائر) أنور هدام، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، عن أن عددا من الناشطين السياسيين ما زالوا عالقين في الخارج بانتظار تسوية تتيح لهم الدخول إلى البلاد، بعدما كان مقررا السماح لهم بالعودة إلى الجزائر شهر مايو/ أيار الماضي، وفقا للاتصالات والتفاهمات مع السلطات الجزائرية، في إطار مشروع "لم الشمل"، قبل أن يتقرر تعديل مضمونه السياسي.
ونشر هدام، الذي ينشط في الوقت الحالي في إطار تنظيم مستقل باسم "الحرية والعدالة الاجتماعية"، بيانا مطولا حول قرار السلطات الجزائرية بشأن تعليق تنفيذ التفاهمات حول عودة الناشطين المعارضين من الخارج، قال فيه إن مسار الاتصالات بين السلطات والناشطين الموجودين في الخارج وأطراف أخرى معنية بتسوية ملفات عالقة منذ الأزمة الأمنية في التسعينيات، كانت قد انطلقت بداية سنة 2021 وبدء قطف ثمارها في رمضان 2022 الماضي، حيث أبلغ بعض "سجناء التسعينيات" من قبل الجهات المعنية بقرب الإفراج عنهم، عدا عن تسهيل عودة بعض المنفيين، قبل أن تتوقف الإجراءات.
وأكد هدام وجود مساعٍ سابقة لمعالجة ملف عودته إلى أرض الوطن، وقال: "سُلمت الجواز المؤقت يوم 27 إبريل/ نيسان، تتويجا لأشهر عديدة من التواصل والتفاهم مع جهة تحدثت باسم رئيس الدولة، لعودة عدد من منفيي المأساة الوطنية إلى أرض الوطن ولإطلاق سراح (سجناء التسعينيات)"، لكنه أكد أن اتصالا من نفس الجهة طلب منه تأخير العودة إلى الجزائر، من دون ذكر أسباب ذلك.
إضافة إلى السلطات، اتهم أنور هدام بعض المعارضين الراديكاليين المقيمين في الخارج بالتسبب في إفشال مشروع "لم الشمل" بشكل مسبق، بسبب هجومهم على المساعي التي كانت تجرى في تلك الفترة، والتشكيك في إمكانية سماح السلطات بعودة الناشطين من الخارج إلى البلاد والإفراج عن المعتقلين الذين يقبعون في السجون، مشيرا إلى أنهم "ساهموا في تقويض المبادرة".
وعبر المتحدث ذاته عن أمله في تسوية هذه الملفات الإنسانية، قائلا إن "المصلحة العامة للدولة وأمنها واستقرارها لا تسمح اليوم بالخوض في مسألة الإدانة وتوزيع التهم حول المأساة الوطنية؛ بل تدفع للنظر نحو المستقبل، بمواصلة مبادرة معالجة مخلفات المأساة وتضميد جراحها وتسهيل عودة منفييها والإفراج عن (سجناء التسعينيات)".
وكانت مجموعة من الناشطين في الدفاع عن معتقلي التسعينيات، والكوادر السابقين في "جبهة الإنقاذ" المحظورة في الجزائر، قد طالبت، قبل شهر، السلطات والرئيس تبون بالوفاء بالالتزامات السياسية بشأن تسوية إنسانية لملف ما يعرف بـ"سجناء التسعينيات" الذين يتواصل سجنهم منذ أكثر من 25 عاما (نحو 160 سجينا إسلاميًا اعتقلوا في بداية الأزمة الأمنية في البلاد، وحوكموا من قبل محاكم خاصة غير دستورية)، خاصة أن عددا من المساجين، بحسب ما كانت قد أخبرت به الرأي العام تنسيقيةٌ مدنيةٌ تضم عائلاتهم وتتولى الدفاع عنهم، أُبلغوا من إدارة السجن بتجهيز أنفسهم للإفراج عنهم في وقت قريب.
كما كانت حركة "البناء الوطني" (تيار إسلامي من الحزام الحكومي) قد دعت الرئيس عبد المجيد تبون إلى إنهاء مأساة ما يعرف "سجناء التسعينيات"، ونشرت قبل شهرين بيانا يحث على إنهاء قضيتهم.
ويعتقد أن توقف السلطات عن تنفيذ تفاهمات السماح بعودة ناشطين من الخارج، وتأخير الإفراج عن "سجناء الستعينيات"، مرتبطان بقرار الرئيس تبون في 28 أغسطس/ آب الماضي، بإحداث تغيير في مضمون مشروع قانون "لم الشمل " (قانون تدابير تعزيز الوحدة الوطنية) الذي يوجد قيد التحضير، ومن المقرر عرضه قريبا على البرلمان، حيث قرر حصر الفئة المستفيدة منه في مسلحي الجماعات الإرهابية الذين سلموا أنفسهم للسلطات بعد عام 2005، لكنه لم يعلن ما إذا كان ذلك يعني استبعادا كليا لتسوية ملف الناشطين في الخارج، و"سجناء الستعينيات"، أم لداعي إفادتهم بقرار عفو رئاسي خاص، من دون الحاجة لتضمينهم في قانون.