الجزائر... المشروع والانتخابات

28 اغسطس 2024
أمام ملصقات انتخابية في العاصمة الجزائرية، 25 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **المرشحون الثلاثة للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، عبد المجيد تبون، عبد العالي حساني، ويوسف أوشيش، قدموا تعهدات بتحسين الاقتصاد والخدمات الاجتماعية.**
- **تحقيق هذه التعهدات يتطلب وجود "مشروع مجتمع" واضح ومحدد، يشمل أسس سياسية وثقافية، وأهداف مرحلية وزمنية.**
- **المجتمع الجزائري أظهر نضجاً سياسياً وتجاوز تحركات الساسة، مما يتطلب من الدولة والنخب السياسية تصورات مستقبلية واضحة لتحويل القوى العاملة إلى قوى منتجة.**

تقديم المرشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل: الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، حزمة من التعهدات إلى الناخبين بتوزيع عادل للريع، ورفع منحة البطالة والطلبة، والتبشير برفع نسبة النمو وإصلاح الاقتصاد، والإجهاز على أزمات السكن والصحة والتعليم والنقل وغيرها، هي مسائل مغرية بالنسبة للناخبين، كل هذا أمر جيد بالتأكيد ومطلوب لا محالة، لكن هل هو كافٍ وممكن من دون وجود "مشروع مجتمع"؟

في الواقع، كل هذا المأمول شعبياً وسياسياً يبقى مرهوناً من حيث إنجازه أو استمراره وضمان تحقيق نتائج طيبة على صعيد حل معضلات البلاد المزمنة بوجود "مشروع مجتمع" مدوّن وواضح في أسسه السياسية والثقافية، ومحدد من حيث الغايات المرحلية والأهداف القصوى، ومقيّد بتصور واضح للمراحل الزمنية. كما أن كل هذه التعهدات والأفكار الاقتصادية والاجتماعية مهمة، لكنها غير كافية في الواقع ما لم تكن منسجمة بعضها مع بعض ضمن "مشروع مجتمع" يحدد بوضوح إلى أين تتجه الجزائر وآفاقها، لأن أي تقييم موضوعي لحصيلة الولاية الرئاسية الأولى للرئيس تبون، أو تقييم ما قبل ذلك من فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ستكشف وجود تخمة من التعهدات والطموحات، لكن الغالب منها كان يتلاشى على الرغم من الوفرة في المقدرة المالية. ويمكن على سبيل المثال اعتبار إخفاقات مشروع تصنيع وتسويق السيارات في الجزائر منذ عقدين ونصف كنموذج لذلك.

هناك التباس حاد وذو طابع سياسي في الجزائر لمسألة "مشروع المجتمع"، كونه معنى ارتبط بسياق سياسي ساخن اتسم بجدل معطل وصراع أفكار هوياتية تجاذبت المجتمع وبتطرف أحياناً، ولذلك وجب التصالح مع معنى "مشروع مجتمع"، ومن ثمة توليده خارج ذلك السياق تماماً. يتطلب الأمر وجود "عقل للدولة" ينتج الفكرة السياسية التي هي أساس التغيير، ويستوعب بكل جرأة كل الديناميكيات السياسية والمجتمعية والاقتصادية الكامنة في البلاد، بعيداً عن السلطوية الكابحة لحريات المبادرة والقادحة للأزمات. ومن المهم أن تكون لسلطة الحكم ولمجتمع النخب السياسية في الجزائر تصورات أكثر وضوحاً حول الأفق المستقبلي وكيفيات تحويل القوى العاملة إلى قوى منتجة تحكمها قيمة العينات الثلاث، العمل والعلم والعدل، وإعادة هندسة العمران، وسد الفجوات الديمغرافية بين الشمال والجنوب، وتحسين جودة الحياة ونمط المعيشة بالأساس وليس فقط تحسين مستوى المعيشة.

حتى الآن قدّم المرشحون خطط حكم أكثر منها تصورات لمجتمع ديناميكي، بينما المجتمع الجزائري يتجاوز بسرعة تحرك الساسة والسلطة في حد ذاتها، بدليل أن الكثير من القطاعات التشغيلية (المؤسسات الناشئة، التجارة الإلكترونية)، أوجدها المجتمع قبل أن تضطر الدولة لتأطيرها قانونياً. وفي غالب الأحيان يُنتج هذا المجتمع الديناميكي لنفسه حلولاً تسبق بكثير المبادرة الرسمية، بحيث يتوجب الإقرار بأن المجتمع الجزائري بلغ مرحلة متقدمة حتى على صعيد النضج السياسي. وكان الحراك الشعبي عام 2019، بكل تجلياته السياسية، أحد تعبيرات هذا النضج، بما يعني أن القوى المجتمعية حسمت في العقيدة الثورية كمنطلق أساسي، وباتت أكثر فهماً للاستحقاقات والاختلالات الداخلية والتحديات الإقليمية، وأقدر على التفاعل وتحوير الثوابت والمتغيرات.

المساهمون