حذرت أحزاب جزائرية معارضة السلطة من تداعيات الخطوات التي تقوم بها لحل أحزاب سياسية وتنظيمات مدنية، واصفة الخطوة بأنها محاولة لمصادرة الحياة السياسية والمدنية، ودعت عقلاء السلطة إلى التحرك للدفع نحو التعقل والحكمة والحد مما تعتبره ممارسات ما قبل أكتوبر/تشرين الأول 1988.
وعبرت جبهة "القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية (تأسس عام 1963)، الخميس، عن قلقها بشأن التطورات الحاصلة على المشهد السياسي، بعد إعلان وزارة الداخلية بدء الإجراءات القضائية لتعليق نشاط وحل أحزاب سياسية وجمعيات نشطة، بينها جمعية عمل وتجمع وشبيبة "راج" الموالية للحزب، على خلفية مواقفها المعارضة ودعمها للحراك الشعبي ورفضها للمسار الانتخابي منذ عام 2019، ومقاطعتها لانتخابات 12 يونيو/حزيران المقبل.
وأكد بيان للقوى الاشتراكية أن السلطة مطالبة "بالكف عن محاولة السلطة مصادرة الحياة السياسية والنقابية والجمعوية التي من شأنها توسيع الهوة بين الشعب ومؤسساته وتشجيع منطق التصادم".
وجددت تضامنها مع كل التنظيمات السياسية، النقابية والجمعوية، التي تتعرض للمضايقات، ومع معتقلي الرأي، موضحة أن"التعدد السياسي، النقابي والجمعوي، حق منتزع بفضل نضالات الجزائريات والجزائريين ولا يمكن التراجع عنه، لأننا متيقنون بأن بناء دولة الحق والقانون ومؤسسات قوية وديمقراطية لن يتأتى إلا عبر تقوية هذه التعددية".
وحذر الحزب، الذي كان قد أعلن مقاطعته للانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل، من استمرار السلطات في تنفيذ الخيارات والحلول الأمنية.
وأضاف البيان "نحن متيقنون من عدم جدوى استراتيجية الحل الأمني وأن الحلول الترقيعية لن تساعد في إعادة بناء أواصر الثقة بين الشعب ومؤسساته. وفي خضم الظرف الدولي الإقليمي والوطني الحساس، يبقى الحل السياسي والحوار الوطني الجاد والمسؤول الحل الأوحد لمعالجة الأزمة الوطنية والإطار الوحيد لصياغة عقد وطني توافقي يجنب الجزائر متاهات التصادم والمواجهة".
وحثت الجبهة السلطة وكافة الأطراف الوطنية على "ترجيح العقل والحكمة بدل التهور والمجازفة"، وأضافت: "في هذا الوقت بالذات، على كل الأطراف الرافضة للحوار والمتعصبة في مواقفها والمتمسكة بمواقعها تحمل أمام مسؤولياتها تجاه الشعب وتجاه التاريخ في حال حصول أي انزلاق محتمل أو انفلات للأوضاع".
وكانت وزارة الداخلية قد أبلغت، أمس الأربعاء، جمعية عمل وشبيبة "راج" ببدء إجراءات قضائية لحلها، بسبب ما اعتبرته قيام الجمعية بأنشطة "سياسية" مخالفة لقانون الجمعيات، غير مطابقة لأهداف الجمعية المصرح بها في قانونها الأساسي.
كما أودعت وزارة الداخلية دعوى قضائية استعجالية لدى المحكمة الإدارية لتعليق نشاطات حزب العمال الاشتراكي (معارض للانتخابات)، وتشميع كافة مقراته، بحجة مخالفته للقانون وعدم عقده مؤتمره العام في الوقت المحدد قانوناً.
وباشرت الداخلية، نهاية إبريل/ نيسان الماضي، إجراءات قضائية بهدف تعليق نشاطات حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، الذي تقوده القاضية السابقة زبيدة عسول، وهو حزب يعارض الانتخابات أيضا، كما هددت الداخلية، في مارس/آذار الماضي، حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
وفي السياق نفسه، دان حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض، ما اعتبره "حملة قضائية موجهة أساسا ضد الأحزاب السياسية المنتسبة إلى الحركة الديمقراطية، آخرها قرار السلطات الشروع في إجراءات قضائية استعجالية للتجميد المؤقت لحزب العمال الاشتراكي وحظر أنشطته وغلق مقراته".
وأدرج التجمع هذه الخطوات ضمن "تطبيق السلطة لخريطة الطريق المصمّمة لاستعادة النظام، لا يمكنهم تقبل أي نوع من المعارضة السلمية أو حتى أي تناقض".
ولفت الحزب إلى أنه يمكن ملاحظة أن مجمل هذا الإجراءات استهدفت الأحزاب التي اتخذت موقفًا لصالح التغيير ومطالب الحراك، بضغوط إدارية وقضائية من أجل تحييد عملها، وهذا مجرد مقدمة لنسج خريطة سياسية تحت سيطرة سلطة الأمر الواقع".
ويعتبر التجمع الذي يعارض المسار الانتخابي وقرر مقاطعة انتخابات يونيو/حزيران أن "هذا التصعيد الذي يهدف إلى تقييد المعارضة والتعبير عن مطالب الشعب يحمل بذور التعفن والفوضى، وما مهزلة 12 يونيو/حزيران سوى ذريعة للترويج لما هو أسوأ، وهي انتهاك صارخ للحقوق الأساسية للمواطنين التي لا تفصل عن الحق في التنظيم ونشاط الأحزاب السياسية والمنظمات المستقلة، يستدعي الإدانة والتنديد".
وخاطب رئيس الحزب محسن بلعباس، في تغريدة له، من وصفهم "بالإطارات الواعية في السلطة، الذين آن الأوان لهم أن يتحركوا قبل تفشي عدوى القمع الذي لم يعد ينطلي على أحد".
وكان حزب العمال اليساري، الذي تعرض لمحاولة انقلاب من قبل كوادر مفصولة من الحزب، بدعم من وزارة الداخلية، قد دان، في بيان نشره أمس الأربعاء، استخدام السلطات القضاء للتهديد بحل الأحزاب السياسية، مشيراً إلى أن "الأحزاب التي لم تنخرط في سياسة الحكومة وبقيت وفية للمسار الثوري لـ22 فبراير/شباط 2019 هي التي تتعرض لهكذا قرارات ممّا يجعلها تكتسي طابعاً انتقاميا".