الجزائر: الجيش والفخ العراقي

25 نوفمبر 2020
خشية من انخراط الجيش في استعراض للقوة (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

مخيفٌ هذا الذي يحدث حول الجزائر والقدرات العسكرية للجيش. مجلة "ميليتري ووتش" الأميركية، تصنّف الجيش الجزائري في المرتبة 13 عالمياً، وتصفه بالأكثر جاهزية للقتال في أفريقيا، ومجلات أخرى تستعرض منظومات تسليحه من الطائرات ومنظومات صواريخ. ولغرضٍ ما، استعرض الجيش الجزائري نفسه قبل أيام، وللمرة الأولى، نظام صواريخ مداها 500 كيلومتر.
قد تثير هذه التصنيفات واستعراض القوة بعض النشوة لدى الجزائريين ممن هم بحاجة إلى رفع المعنويات. وبغضّ النظر عما إذا كان التصنيف جاء لهدفٍ علمي، والاستعراض لغرض الردع واستدعته المناخات المتوترة إقليمياً، فإنّ قطاعاً واسعاً من الجزائريين، ينظر بعين الريبة إلى هذا التركيز الإعلامي والاهتمام الغربي بواقع الجيش الجزائري وتسليحه، ويتوجس خيفة من انخراط قيادة الجيش، نتيجة تخطيط محسوب أو سوء تقدير، في حملة إظهار قوة الجيش وتسليحه، بما يضع الجيش والجزائر في مركز اهتمام غربي، وفي محور تركيز قوى التفكيك المرتبطة بالمشروع الصهيوني.
في العام 1991، تحرشت القوى الغربية بالجزائر، تزامناً مع صعود الإسلاميين، وبدأت الصحف في الولايات المتحدة وأوروبا تتحدث عمّا وصفته بالبرنامج النووي الجزائري، ونشرت شكوكاً عن مفاعل عين وسارة (300 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية). لم يكن الأمر في الواقع سوى ابتزاز مسبق مع تطورات محلية كانت ذات تأثير إقليمي، لكن مشروع التفكيك حينها ألقى بقنبلة في الداخل الجزائري، وفضّل أن يتفرغ للعراق أولاً.
يُحسن الغرب والقوى الصهيونية جيّداً إدارة الحرب النفسية واستنزاف الجهد، بدءاً باللعبة الإعلامية وصناعة "البعبع" وتسمين "الثور"، وصولاً إلى تسخين "الطبل" والإجهاز على الدول ومقدراتها وعوامل قوتها. وليس خافياً على الجزائريين ما وقع للعراق في عهد صدام حسين، والأخطاء الاستراتيجية التي تسببت بها سياسات استعراض القوة والصواريخ والسلاح الكيميائي، وكيف استُدرج العراق نحو معركة إعلامية أولاً، وسياسية ثانياً، ودفعه إلى مشكلات إقليمية، لاستنزاف المجهود والمقدرات قبل الإجهاز عليه بالكامل.
تتعزز المخاوف على الجزائر، الدولة والجيش، البلد والجغرافيا، بعد انتقال واضح لمشاريع التفكيك إلى المغرب العربي، بعدما استكمل أو يكاد مشروع التفكيك في المشرق العربي. فقد أجهزت هذه المشاريع على العراق وسورية واليمن ومصر، وهشّمت ما تبقى من لبنان، وحاصرت المقاومة في فلسطين. يظهر ذلك للعيان يوماً بعد يوم، بعد إعلان عرّابي مشروع التفكيك عن تواجدهم في منطقة الصحراء تحت عناوين القنصليات الدبلوماسية (فتح الإمارات لقنصلية في العيون)، وفي مالي بعنوان دعم فرنسا في مكافحة الإرهاب، وضخّ مزيد من ألغام الحرب في ليبيا، والسعي لإعطاب المسار الديمقراطي في تونس.
تدرك نخب جزائرية اليوم، وهي تطلق تحذيراتها الاستباقية لقيادة الجيش والسلطة السياسية، للحذر من تدابير الاستدراج، ومن الوقوع في فخاخ عرّابي مشروع التفكيك، أن مزيداً من الانكشاف والتماهي مع حرب الاستعراض ومحاولة رفع المعنويات، ستكون مقدمة لـ"ضرب فأوجع" توجه ضد البلد لأسباب متعددة، بينها مواقفه التاريخية من القضية الفلسطينية وقضايا التحرر. يؤكد ذلك أيضاً الحاجة إلى تعزيز الجبهة الداخلية في الجزائر، ومراجعة الخيارات والتسليم للشعب بإرادته في مشروع ديمقراطي، يسمح بإنتاج عوامل القوة السياسية والاقتصادية والرفاه الاجتماعي. إذا كان الجيش يحمي البلد، فإن الشعب هو من يحمي ظهر الجيش ولا مناص.

المساهمون