الجزائر... إعادة اكتشاف

31 مايو 2023
تبون في لشبونة، 23 مايو الحالي (كارلوس كوستا/فرانس برس)
+ الخط -

قريبة في الجغرافيا لكنها ظلت بعيدة عن التماس السياسي والاقتصادي للجزائر. لعقود أغفلت الجزائر البرتغال، كما أغفلت دولاً أخرى في جوارها القريب، العربي والأفريقي والمتوسطي، وكان يمكن أن تستفيد من تجربة أو تعزز دعامة اقتصادية وسياسية.

ما يمكن أن توصف به زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأخيرة إلى لشبونة هو إعادة اكتشاف جزائرية لبلد اسمه البرتغال، تتقاطع الكثير من ظروفه السياسية وتشكُّل بنية الحكم فيه مع الحالة الجزائرية (في علاقة بتمركز سابق للعسكر في الحكم، قبل ثورة القرنفل عام 1974). يضاف إلى ذلك إمكانية وافرة لاستجلاب تجربة البرتغال في تركيز اقتصاد على قاعدة بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تحتاجها الجزائر في تحولات اقتصادها المحلي.

ليس بالضرورة ربط تحويل واهتمام الجزائر بالبرتغال بأنهما التفاف على الأزمة مع إسبانيا. لا يبدو الأمر تكتيكاً سياسياً ظرفياً، بقدر ما يظهر بوضوح أنه ضمن استراتيجية وتصور يعيدان ترتيب خريطة علاقات الجزائر وشراكاتها الإقليمية، وإحياء علاقات مع كثير من الدول التي غُيّبت في السابق عن دائرة الاهتمام الجزائرية، أو ظلت هذه الدول بعيدة عن المخيال السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجزائريين، أو مراجعة أبعاد علاقات أخرى مع دول جوار أخرى للبحث عن مداخل مغايرة.

الدليل على ذلك هو أن الجزائر كانت قبل ذلك قد أعادت اكتشاف بلد عربي في خاصرتها الجنوبية، بعد تناسٍ نسبي دام عقوداً من الزمن، إلى حد أن بلدين عربيين ومغاربيين، كالجزائر وموريتانيا، لم يكن بينهما ممر بري حتى نهاية عام 2018. ومثل البرتغال، تحتاج نواكشوط زيارة من الرئيس الجزائري، فمنذ أكثر من عقدين لم يقم أي رئيس جزائري بزيارة إلى موريتانيا، بينما توفرت الآن كثير من عوامل التشابك السياسي والاقتصادي ومشاريع حيوية مشتركة كطريق تندوف زويرات.

السنغال هي الأخرى دولة كان رالي الجزائر داكار هو أكثر ما يربط البلدين، لكنها باتت الآن في موقع اهتمام جزائري، خصوصاً اقتصادياً وتجارياً، إضافة إلى أهميتها السياسية أفريقياً. ولم يكن افتتاح بنك حكومي جزائري في داكار إلا تأكيداً على إعادة الاكتشاف هذه، مثلما أعاد الجزائريون اكتشاف النيجر، كبلد يمكن أن يكون محور شراكة في التجارة والنفط، بعيداً عن المقاربة الأمنية التي ظلت تحكم العلاقة بين البلدين.

بلدان في الجوار لا يزالان بحاجة إلى إعادة اكتشاف جزائري بمعنى مغاير؛ مالي التي تتوفر إليها منافذ دينية وقبلية يمكن أن تساعد في توطين السلم، وفرص اقتصادية كبيرة على الرغم من تعقيدات الوضع الأمني وتداخل المصالح الدولية، وليبيا التي تؤكد كل الوقائع السياسية والاقتصادية أن الاقتراب الجزائري السياسي والاقتصادي إلى هذا البلد الشقيق ما زال بطيئاً.

المساهمون