الجزائر... أين الرئيس؟

02 ديسمبر 2020
يغيب تبون عن المشهد منذ نحو 50 يوماً (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

السيناريو الذي لم يتصوره الجزائريون مطلقاً، هو أن يعودوا عشية نهاية العام الأول من حكم الرئيس عبد المجيد تبون، إلى السؤال نفسه الذي كان يُطرح خلال السنوات السبع الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أين الرئيس؟ كان هذا السؤال هو أبرز عنوان غذى الغضب الشعبي تدريجياً في الشارع الجزائري منذ عام 2013، وأحد العوامل التي دفعت الجزائريين إلى الخروج في تظاهرات الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019. لفترة طويلة كان غياب الرئيس وصحته، علة للبلاد، ومغصاً يؤلم الجزائريين، تحوّل لاحقاً إلى حالة شعور بالإهانة من استمرار رئيس مريض ومغيّب في حكم بلد كان ينهار وتأكله المافيا.

قضى هذا السؤال على طموحات بوتفليقة في ولاية رئاسية خامسة تماماً، وأخرجه من نافذة ضيقة جداً. السؤال نفسه الآن بصدد وضع كامل المسار السياسي الذي فرضته السلطة على الجزائريين، منذ إنشاء هيئة الحوار في أغسطس/آب 2019، إلى انتخابات ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها، على محك عصيب واختبار "قَدَري"، تآكلت معه مخرجات هذا المسار المعطوب سياسياً وشعبياً، بما فيها الدستور الجديد المعلق على حبل منخور، بسبب غياب تبون منذ 13 أكتوبر/تشرين الأول عن المشهد، أي منذ ما يقارب 50 يوماً، ولم تعد بيانات الرئاسة "الجافة" من أي صوت أو صورة، حول صحة الرئيس، تقنع الرأي العام في الجزائر.

مهما يكن، ومهما كان الوضع الذي سيعود فيه تبون، فقد انتهت مرحلته سياسياً، ومعه المسار ومفرداته، إذ تُظهر الكثير من المعطيات أن العصب المركزي للسلطة يفكر جدياً في مرحلة ما بعد تبون، على الأقل في المدى المتوسط. وهناك نقطة واحدة يُراد للرئيس إنجازها سريعاً، وهي منح البلاد مؤسسة برلمانية ومؤسسات حكم محلي جديدة عبر انتخابات مرتقبة، يعتقد صانع القرار في الجزائر أن الظروف المقبلة، الضاغطة داخلياً وخارجياً، قد تفرض حالة حوار سياسي، ومن الأفضل أن يتم تحت قبة مؤسسة دستورية لها الحجة التمثيلية أيضاً.

لا يريد الجزائريون أن تتحوّل المعركة المستمرة مع السلطة من سؤال "أين الديمقراطية" إلى "أين الرئيس"، هذا سقف منخفض جداً، بعد حراك شعبي سلمي ونضال مبهر. الرئيس في حالة نقاهة وهذا حقه، لكن البلد مريض لم يُعالج بعد، ويحتاج إلى التطبب من أمراضه السياسية التي لازمته عقوداً، وليس قدراً على الجزائر والجزائريين التعايش مع هذه الحالة المرضية ورهن مستقبلهم على حبل المفرد.

لسبب ما ونتيجة إكراهات وآثار نفسية خلّفتها الأزمة الأمنية، سلّم الجزائريون لفترة من الزمن للقدر، لعله يسهم في صنع نهاية سريعة لنظام بوتفليقة، وحين أبطأ القدر قرروا امتلاك زمام المبادرة. هذه المرة لن يمنح الجزائريون للقدر نصف فرصة، لأنه لا أحد في الجزائر لديه الاستعداد لانتظار خروج "المهدي من السرداب".

المساهمون