التيار الإصلاحي وروحاني: نهاية عهد الوفاق

09 فبراير 2021
يعتبر روحاني من أبرز وجوه التيار الاعتدالي اليوم (الأناضول)
+ الخط -

أنكرت الرئاسة الإيرانية دور الإصلاحيين في فوز روحاني

بدأت الانتخابات تلقي بظلالها على المشهد الداخلي في إيران

المحافظون هم الرابحون من الانقسام بين ركني الائتلاف الحاكم

أنظار العالم والإيرانيين مركّزة هذه الأيام على أروقة البيت الأبيض لرصد ما سيصدر عن ساكنيه الجدد من تصريحات ومواقف تجاه طهران. لكن على هامش ذلك، يشهد المشهد السياسي الداخلي في إيران، تقلبات في التحالفات السياسية، قد تحدث تغييرات في موازين القوى بين المثلث الحاكم؛ التيار المحافظ الذي يعدّ الضلع الأقوى، والضلعين الآخرين، التيار الإصلاحي والتيار الاعتدالي. وما يزيد من أهمية تفاعلات المشهد الداخلي الإيراني هذه الأيام، هو أنّ البلاد مقبلة على الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في 18 يونيو/حزيران المقبل، وهي انتخابات حساسة للغاية، تكشف هوية المرشح الفائز فيها، عن وجهة السياسة الخارجية الإيرانية التي يبتغي صناع القرار الإيراني اتخاذها خلال السنوات المقبلة في عهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، الذي تنتظر إدارته أيضاً ما سيتمخض عن هذه الانتخابات. مع العلم أنّ الإصلاحيين ما زالوا في مرحلة التقييم، إذ إنه إلى الآن ليس واضحاً من سيترشح عنهم، لكن هناك حديث عن إسحاق جهانغيري النائب الأول لروحاني، ومحمد رضا عارف النائب الأول للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي وهو أحد قادة الإصلاح البارزين، وحسن الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، روح الله الخميني.

ويشوب العلاقات بين حكومة الرئيس حسن روحاني المنتمي للتيار الاعتدالي، والإصلاحيين الذين أوصلوه إلى سدة الرئاسة، توتر شديد هذه الأيام، وهو توتر ليس وليد هذه اللحظة، بل يعود إلى قبل سنوات بعد بدء الولاية الثانية لروحاني، عام 2017، عندما انتهى عهد الوفاق بين الطرفين، وتأزمت العلاقات شيئاً فشيئاً لتتجه نحو افتراق ما، إن صح التعبير، وانضمام الإصلاحيين إلى منتقدي الحكومة من المحافظين، لكن من دوافع ومنطلقات مختلفة.

تجدر الإشارة إلى أن التيار الاعتدالي هو تيار سياسي وسط بين الإصلاحيين والمحافظين، يتبنى خطاب "الاعتدال" و"التنمية" في السياسات الداخلية والخارجية. وكان الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني الأب الروحي لهذا التيار، فيما يعتبر روحاني من أبرز وجوهه اليوم. وفي الخريطة السياسية الإيرانية، يعتبر التيار الاعتدالي مقرباً من الإصلاحيين ومنافساً للمحافظين. وتربط بين التيارين الإصلاحي والاعتدالي علاقات قوية، وأحياناً يصعب التمييز بين الأحزاب المنتمية إلى كل من التيارين، قبل أن تتضرر هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة بعد نشوب خلافات بين الإصلاحيين والحكومة.

واحتدم التوتر خلال الآونة الأخيرة، ليصل إلى حدّ إنكار الرئاسة الإيرانية دور الإصلاحيين في فوز روحاني، في ولايتيه، وفق ما قال مدير مكتب الأخير، محمود واعظي، القيادي في حزب "الاعتدال والتنمية"، الذي ينحدر منه الرئيس الإيراني نفسه، أواخر الشهر الماضي.

وجاء الإنكار بعد قنبلة فجّرها الأمين العام لحزب "نداء الإيرانيين" (نداي إيرانيان) الإصلاحي، صادق خرازي، في المؤتمر السادس للحزب يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي. إذ قال إنّ "الرئيس المستأجَر ليس حلاً لمشاكلنا"، في إشارة إلى روحاني الذي كان للإصلاحيين دور كبير في فوزه بالرئاسة مرتين خلال عامي 2013 و2017، وذلك بعدما لم يتمكن مرشحوهم الكبار من خوض غمار السباق الرئاسي لرفض أهليتهم من قبل "مجلس صيانة الدستور" على خلفية المشاكل التي يواجهونها منذ أحداث عام 2009، التي تفجّرت احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد إلى ولاية ثانية.

جلالي زادة: روحاني وحكومته لم يلتزما بتعهداتهما ووعودهما تجاه الإصلاحيين


أسباب الخلاف

الرئيس روحاني وحكومته "لم يلتزما بتعهداتهما ووعودهما تجاه الإصلاحيين"، يعزو البرلماني الإصلاحي السابق، جلال جلالي زادة، إلى ذلك سبب تصاعد الخلافات بين الطرفين، قائلاً في مقابلة مع "العربي الجديد"، إنّ "روحاني لم يكن ليفوز لولا دعم الإصلاحيين له، لكن للأسف كلما مرّ الوقت، يدير السيد روحاني ظهره أكثر للإصلاحيين ومطالبهم، ويهاجمهم مقربون منه". وعن هذه المطالب، يذكر جلالي زادة، وهو عضو المجلس المركزي لحزب "اتحاد الشعب" (اتحاد ملت) الإصلاحي، إلغاء الإقامة الجبرية المفروضة على الزعيمين الإصلاحيين، مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، وانفتاح سياسي واجتماعي واقتصادي في البلاد، وحلّ المشاكل الدبلوماسية مع الدول الجارة والعالم، معرباً عن أسفه لعدم تنفيذ هذه المطالب. ويعتبر جلالي زادة أنّ "الإنجاز الوحيد لروحاني كان الاتفاق النووي الذي لم يفض إلى نتيجة". مع العلم أنّ السلطات الإيرانية خفّفت أخيراً قيود الإقامة الجبرية على موسوي وكروبي، التي فرضت عليهما إثر احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009، ضدّ نتائج الانتخابات الرئاسية، فبات بإمكانهم إجراء اتصالات ولقاءات مع مقربين منهم.

وكلّفت رئاسة روحاني الإصلاحيين كثيراً، فـ"الشارع يحمّلهم اليوم مسؤولية جميع إخفاقات وضعف حكومة الرئيس الذي تحرك عكس رؤية الإصلاحيين"، حسب جلالي زادة، الذي أضاف أنّ الإصلاحيين "استفاقوا اليوم من السبات، ليعرفوا مدى الخطأ الكبير الذي ارتكبوه" في دعم روحاني.

تقارير دولية
التحديثات الحية

لكن الندم الذي ينتاب جلالي زادة وغيره من قادة ونشطاء إصلاحيين لدعم روحاني في استحقاقين رئاسيين، ليس مجمعاً عليه بين جميع التيارات الإصلاحية، على الرغم من امتعاضها كافة من أداء الحكومة. فكثير من هذه التيارات يصوّب على شحّ خيارات القوى الإصلاحية، وأنه لم يكن أمامها من خيار آخر غير دعم روحاني؛ أولاً لعدم قدرتها على ترشيح قادة بارزين ينازلون المنافسين المحافظين بعد رفض أهليتهم للترشّح، وثانياً لأن آخرين من قيادات الصف الثاني والثالث لم يكونوا بمستوى التحدي القوي في مواجهة الخصوم.

ولذلك، وعلى الرغم من انتقاداتها، ما زالت أطياف إصلاحية تدعم حكومة روحاني - التي تتعرض كذلك لحملات متواصلة من التيار المحافظ - في مؤشر على تشتت داخل التيار الإصلاحي في الموقف من الحكومة وقضايا أخرى. الأمر الذي جعل البرلماني الإصلاحي السابق، جلالي زادة يعرب عن أسفه في حديثه مع "العربي الجديد"، لـ"استمرار دعم بعض الإصلاحيين للحكومة، وعدم فصل أنفسهم عنها بعد، للتبرؤ منها والتوضيح للشعب بشفافية، أن دعمنا للسيد روحاني لم يكن لغرض الوصول إلى هذا الوضع أو استمراره"، معرباً عن قناعته بأنّ "إخفاقات الحكومة كان لها مفعولها الكبير في إحداث حالة إحباط لدى الشارع الإصلاحي".

ما زالت أطياف إصلاحية تدعم حكومة روحاني

وفي السياق، لا يُخفى أنه في إيران أيضاً، كما هو الحال في كثير من الدول، بما فيها دول غربية، ثمة عزوف عام عن التيارات والأحزاب السياسية بغضّ النظر عن مسمياتها وعناوينها.

من جهته، فإنّ الرئيس الإيراني، يرى أنّ ظروف رئاسته "أصعب من أيام حرب الثماني سنوات" مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، محمّلاً الإدارة الأميركية وعقوباتها مسؤولية المشاكل الاقتصادية المتفاقمة، وفق تصريحاته.

الاستحقاق الرئاسي

أما تصاعد انتقادات التيار الإصلاحي للحكومة ورئيسها والانفضاض عنهما، في الأشهر الأخيرة، فله صلة أيضاً بالأجواء الانتخابية التي بدأت تلقي بظلالها على المشهد الداخلي في إيران من الآن، انتظاراً لحلول موعد الاستحقاق الرئاسي في يونيو المقبل، وهذا ما يشير إليه عضو المجلس المركزي لحزب "اتحاد الشعب"، جلال جلالي زادة، بقوله إنه "كلما اقتربنا من انتخابات 2021، يزداد التباين بين روحاني والإصلاحيين".

وعليه، يتوقّع جلالي زادة القطيعة بين روحاني كأحد زعامات التيار الاعتدالي، والإصلاحيين خلال الانتخابات المقبلة، ويوضح أنّ "لا روحاني سيدعم الإصلاحيين ومرشحهم المحتمل خلال هذه الانتخابات، ولا الإصلاحيين سيتبنون مرشحه"، داعياً زملاءه إلى "استخلاص العبر من التجارب المريرة السابقة".

لكن الخلافات بين الحكومة والإصلاحيين لم تنتظر الانتخابات الرئاسية المقبلة، لتظهر نتائجها السياسية، بل بدأت تترك آثارها منذ فترة على الخريطة السياسية الداخلية، كما يقول مصطفى فقيهي، المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني، ومدير موقع "انتخاب" الإصلاحي، في حديث مع "العربي الجديد". ويشير فقيهي إلى نتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في فبراير/شباط 2020، بعد سيطرة المحافظين عليه، "وهي الانتخابات التي شهدت عزوفاً عن المشاركة". وبلغت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات 42.57 في المائة، وهي الأدنى منذ أربعين عاماً، ليعزو فقيهي أحد أسباب هذا العزوف، إلى الخلافات بين الائتلاف الحاكم في الحكومة، فضلاً عن "عوامل أخرى مثل المشكلات الاقتصادية وحوادث وقعت خلال الولاية الثانية لروحاني، كحادث إسقاط الطائرة الأوكرانية واحتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2019" على رفع أسعار الوقود، و"رفض الترشحات" لمعظم من لا ينتمون للتيار الإصلاحي، من قبل مجلس صيانة الدستور.

ترى أوساط إصلاحية في مدير مكتب الرئيس، محمود واعظي، سبباً رئيسياً في إشعال الخلافات

وتشعر القاعدة الانتخابية للإصلاحيين أنّ الائتلاف الحاكم "مال إلى مقاربة محافظة، وأنّ ما يهمه هو حصة من السلطة والبقاء فيها"، وفق ما يقول فقيهي، متوقعاً أن ينسحب ذلك العزوف على انتخابات 2021 الرئاسية كذلك، مع تأكيده أنّ الشارع "بات يدير ظهره لهذا التحالف".

وفي السياق، يتحدث فقيهي عن أسباب أخرى لابتعاد روحاني عن الإصلاحيين، وهو "عدم حاجته إلى أصواتهم" لانتهاء ولايته الثانية والأخيرة، بالإضافة إلى "تفكيره بمستقبله السياسي، إذ إنه ليس مستعداً ليفقد أياً من الجناحين؛ الشعب والسلطة". ويشير فقيهي إلى "دور محوري" للرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني في فوز روحاني عام 2013 وأثره أيضاً في فوزه بولاية ثانية عام 2017 وهو توفي قبل ذلك بأشهر (يناير 2017)، إذ لعب دوراً مهماً في خلق التحالف بين الاعتداليين والإصلاحيين، فضلاً عن دور الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وحسن الخميني حفيد روح الله الخميني في هذا الفوز.

وترى أوساط إصلاحية في مدير مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، سبباً رئيسياً في إشعال الخلافات بين قطبي التحالف الإصلاحي والاعتدالي، إذ يقول فقيهي، إنّ "سجلّ الرجل خلال السنوات الثماني الماضية مرفوض"، مضيفاً أنه "لم يتفوه بشيء أبداً دعماً لهذا الائتلاف، لكنه على العكس من ذلك نفخ في رماد الخلافات كثيراً".

ويشير فقيهي إلى حضور ضعيف للإصلاحيين في حكومة روحاني، فـ"أهم ما هو من حصتهم اختيار القيادي الإصلاحي إسحاق جهانغيري نائباً أول للرئيس"، مضيفاً أنه "باعتراف الأخير، هو ليس قادراً حتى على عزل سكرتيره، والقسط الأكبر من السلطة التنفيذية بيد واعظي"، معتبراً أنّ صلاحيات الأخير "باتت حتى أكبر من تلك التي كان يمتلكها أسفنديار مشائي"، نائب الرئيس السابق أحمدي نجاد، المثير للجدل.

غير أنّ مدير مكتب روحاني خاطب خلال الشهر الماضي، الإصلاحيين، رداً على حديثهم عن "الرئيس المستأجَر"، داعياً إياهم بسخرية إلى "نظرة للوراء ليروا كيف كان وضعهم قبل هذه الحكومة، وعند أي مستوى كانت نشاطاتهم"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة عينت زملاءهم رؤساء لمحافظات، وفي مناصب مساعدي وزراء". وعاتبهم بالقول: "إنهم بدلاً من تقديم الشكر صاروا يزايدون"، رابطاً الانتقادات الإصلاحية للحكومة بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

المحافظون رابحون

في الأثناء، فإنّ المحافظين هم الرابحون من الانقسام بين ركني الائتلاف الحاكم، إذ يقول مصطفى فقيهي، إنّ تصدّع هذا التحالف "قد يفتح الباب أمام المتشددين للوصول إلى السلطة" التنفيذية.

في المقابل، فإنّ "الإصلاحيين هم الأكثر تضرراً" في الصراع مع الحكومة "الاعتدالية"، وفق فقيهي، الذي يشير إلى أنّ "النظرة الواقعية تقول إنّ الإصلاحيين غير قادرين على ترشيح شخصية بارزة، يمكنها تلبية معايير مجلس صيانة الدستور، وفي الوقت نفسه تلقى إقبالاً جماهيرياً". ويرى أنّ "الاعتداليين وضعهم أفضل ولديهم هامش أوسع للمناورة، لكن ذلك لا يعني أنه بإمكانهم الفوز وحدهم من دون دعم القاعدة الاجتماعية للإصلاحيين، فهم بحاجة إلى أصوات هذه القاعدة".

وفيما يجزم فقيهي بأنّ هذا الوضع "يعود بالنفع حتماً على المحافظين والأصوليين على المدى القصير"، يؤكد أنّ الأمر ليس كذلك على المدى البعيد "لأنه عملياً، لن يكون أمامهم منافسون في الانتخابات، وذلك يشكّل بداية مرحلة بروز الخلافات الداخلية بينهم وتصدع وحدتهم"، مستشهداً بالخلافات في عهد الرئيس الإيراني السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد "عندما خرج من رحم الخلافات بينه وبين المحافظين، تيار الصمود وتيار آخر اعتبروه منحرفاً" ويضم حاشية نجاد.

تقارير دولية
التحديثات الحية