التوغل العسكري الإثيوبي في الصومال: تقويض نفوذ "الشباب" أولاً

16 مارس 2023
جنود صوماليون يتدربون بمقديشو، أغسطس الماضي (إرجين إرتورك/الأناضول)
+ الخط -

اجتاحت قوات إثيوبية مدججة بالمعدات الثقيلة والدبابات مدينة دولو بإقليم جدو الواقعة بين الحدود الصومالية والإثيوبية، في نهاية الأسبوع الماضي، وتمركزت بزعامة قائد العمليات في الجيش الإثيوبي تسفاي أيلو وقائد القوات في الإقليم الصومالي الإثيوبي الجنرال محمد أحمد محمود في مطار المدينة، الذي يحتضن أيضاً قوات إثيوبية منضوية في "بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال" (أتميس).

ويأتي التوغل العسكري الإثيوبي في جنوب الصومال خارج إطار بعثة الاتحاد الأفريقي العسكرية المكونة من 22 ألف جندي، ضمن بروتوكول تعاون وقعته الدول المجاورة للصومال (كينيا، إثيوبيا، جيبوتي) في قمة رباعية استضافتها العاصمة الصومالية مقديشو مطلع شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وتهدف هذه الخطوة العسكرية إلى إنهاء تمرد "حركة الشباب" في الأقاليم الجنوبية، حيث تنشط وتتخذ مقار إدارية ومعاقل للتدريب فيها وتنطلق منها في هجماتها الانتحارية في الداخل والخارج.

قرار الدخول الإثيوبي

وكان مستشار الأمن القومي، حسين معلم، قد أفصح في حديث لوسائل إعلام محلية سابقاً، عن أن قوات من دول الجوار، خصوصاً من كينيا وإثيوبيا، ستدخل البلاد في إطار الحملة العسكرية الحكومية للقضاء على "حركة الشباب"، في غضون أسبوعين.

وكشف أن هذا القرار اتُخذ بعد انعقاد اجتماع دولي سداسي، الأسبوع الماضي، في واشنطن، شاركت فيه تركيا والإمارات وقطر وبريطانيا والولايات المتحدة والصومال، أكدت فيه الاستمرار في دعم جهود السلطات الصومالية وتعزيز قدراتها بوجه الجفاف والإرهاب، إلى جانب مناقشة الأمن وبناء الدولة والتنمية والأولويات الإنسانية في البلاد.

وأثار التدخل العسكري الإثيوبي آراء متباينة في الوسط السياسي في الصومال، إذ حذّر بعض المراقبين من حصول مجازر بحق السكان على يد القوات الإثيوبية، وهو ما حدث فعلاً إبان تدخلها العسكري في عام 2006 عندما استهدف جنودها الأبرياء في شوارع وأحياء مقديشو بذريعة مكافحة مليشيات "اتحاد المحاكم الإسلامية".


عبد الرحمن سهل يوسف: التوقعات تشير إلى إمكانية تجدد المعارك العسكرية ضد الحركة قبل حلول شهر رمضان

وفي السياق، يقول مدير تحرير موقع "قراءات صومالية"، عبد الرحمن سهل يوسف، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "تدخل قوات من دول الجوار في جنوب البلاد، يأتي من ضمن الالتزام بنتائج القمة الرباعية في مقديشو، وهذه خطوة مهمة لدعم جهود الحكومة الصومالية لإنهاء تمرد حركة الشباب التي تمثل تهديداً إقليمياً، وهذا الهاجس الأمني بالنسبة لدول الجوار ازداد مع إطلاق الحركة عمليات عسكرية في الإقليم الصومالي بإثيوبيا منتصف العام الماضي".

ويضيف يوسف أن "جهود الحكومة الفيدرالية تتجه حالياً إلى القضاء على الحركة، وهي خطة استراتيجية مشتركة مع دول الجوار لتكريس المشاركة الفعلية إقليمياً، لاحتواء التهديدات الأمنية في المنطقة، والسيطرة على مناطق الحركة في إقليم جوبالاند ونشر قوات صومالية مدربة لتقويض نفوذ الحركة".

ويشير يوسف إلى أن "التوقعات تشير إلى إمكانية تجدد المعارك العسكرية ضد الحركة قبل حلول شهر رمضان (يبدأ في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار الحالي)، وهو ما سيفجر بالنسبة لحركة الشباب متاعب عسكرية وأمنية جديدة، قبل أن تتعافى من آثار حملة الجيش الصومالي ضدها، وطردها من مناطق عدة بوسط البلاد".

ويعتبر أن "من شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى نهاية حتمية لأقوى فرع في تنظيم القاعدة عالمياً، لكن الخطوة تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود العسكرية ومشاركة عسكرية واسعة بين الدول الثلاث، الصومال وكينيا وإثيوبيا".

ويؤكد يوسف أن "مشاركة أتميس جنباً إلى جنب مع الجيش الصومالي والقوات الإثيوبية والكينية، التي تتحرك خارج تفويض البعثة الأفريقية، يمكن أن تؤدي إلى فرض استقرار أمني في مناطق سيطرة حركة الشباب بعد طردها، وتشكيل هيئات محلية تابعة للحكومات الفيدرالية، منعاً لعودة أتباع الحركة إلى تلك المناطق من جديد".

وأعلنت قيادة "أتميس" عزمها بذل الجهود العسكرية راهناً للإطاحة بـ"حركة الشباب"، عبر بدئها حملة لإزالة الألغام من الطرق التي تربط بين إقليم شبيلى السفلى وإقليم شبيلى الوسطى، بهدف توفير الدعم اللوجستي للجيش الصومالي والمضي نحو استهداف معاقل الحركة.

أهداف أخرى للتدخل الإثيوبي

غير أن للتدخل العسكري الإثيوبي في الصومال أهدافاً أخرى بعيداً عن جهود مكافحة "حركة الشباب"، بحسب ما يقوله الباحث الأمني حسن محمد الحاج.

ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "إثيوبيا تريد من خلال مشاركتها في العملية العسكرية المرتقبة ضد حركة الشباب في جنوب البلاد، أن تجد موطئ قدم لها، وممارسة تأثير مباشر في السياسة الصومالية، مثلما حدث عام 2006 إبان توغلها عسكرياً في الأراضي الصومالية بضوء أخضر من الولايات المتحدة".


حسن محمد الحاج: الوجود العسكري الإثيوبي في الصومال يؤجج الحساسية

ويضيف الحاج أن "الحكومة الفيدرالية لم تكن على وفاق مع التوجهات الإثيوبية على خلاف الحكومة السابقة، ولهذا تريد أديس أبابا أن تكسب الصومال في المرحلة الراهنة، وهدف مشاركتها الفعلي هو أن تستعيد دورها السابق بالتأثير في مجريات السياسة الصومالية، وهذا هو التوجه الخارجي الذي يحدد معالم السياسة الإثيوبية تجاه الصومال منذ عقود".

أما بالنسبة للمحلل خالد علي فيرى أن "التفاهم السياسي بين مقديشو وأديس أبابا بدخول قوات إثيوبية عبر مظلة إقليمية تشمل جيبوتي وكينيا، يولد حساسية كبيرة في الأوساط السياسية الفاعلة في الصومال، إذ إن الوجود العسكري الإثيوبي على الأراضي الصومالية يؤجج الحساسية بسبب الصراع التاريخي حول الحدود بين البلدين، الذي أدى إلى حربين في عامي 1964 و1977. كما أن التدخل الإثيوبي في الصومال عام 2006 نتجت عنه معارضة قوية من الداخل والخارج".

ويتوقع علي أن "تصاحب هذا التوغل العسكري الإثيوبي الجديد ردود فعل صاخبة، إذ ستلجأ المعارضة السياسية إلى توظيف الاعتماد على قوات أجنبية، للتدليل على عجز إدارة الرئيس حسن شيخ محمود في بناء جيش صومالي قوي، يحل مكان القوات الأفريقية لضرب حركة الشباب، وهو سيناريو يهدد الاستقرار السياسي في البلاد".

ويشير علي إلى أن "حركة الشباب ستبرر دخول القوات الإثيوبية بوجود أجندة أجنبية للسيطرة على البلاد، وستفسر التحرك الإقليمي الراهن دليلاً على أن الحملة العسكرية المستمرة ضدها ليست لصالح تنفيذ أجندة وطنية، وذلك على الرغم من وجود أصوات مرحّبة بالتدخل العسكري الإثيوبي، وتُدرجه في سياق التعاون العسكري والأمني الإقليمي وحشد القوات الإقليمية ضد التهديد المشترك".

ووفق متابعين، فإن الحديث عن هزيمة مبكرة لحركة الشباب من قبل القوات الإثيوبية المرادفة للقوات الصومالية، سابق لأوانه، كما أن انسحاب تلك القوات الإثيوبية خارج إطار بعثة الاتحاد الأفريقي مرهون بطبيعة العلاقة المستقبلية بين إثيوبيا والصومال.