استمع إلى الملخص
- العملية تسببت في دمار واسع وإخلاء مستشفى الكويت التخصصي، مع محاولات فلسطينية لأسر جنود إسرائيليين أُحبطت، ما يعكس شدة المواجهات واستراتيجية إسرائيل لإضعاف حماس.
- رغم النداءات الدولية، واصلت إسرائيل بدعم أمريكي عمليتها، متجاهلة المخاوف الدولية، ما يعكس رغبتها في فرض سيطرة أمنية ويزيد من تعقيد المشهد في غزة.
في السابع من مايو/أيار الماضي شرع الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، رغم موافقة حركة حماس على طرح الوسطاء بشأن اتفاق وقف إطلاق النار. وأعقب التوغلات الإسرائيلية في رفح سيطرة الاحتلال على معبر رفح البري بالقوة، مغلقاً الطريق في كلا الاتجاهين، مع مواجهة عشرات الآلاف من المصابين والمرضى شبح الموت. ونفذ جيش الاحتلال بالتالي تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأيام الأولى للعدوان على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، باحتلال محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، الشريط الجنوبي الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المصرية.
مخيمر أبو سعدة: الاحتلال يبحث سيناريوهات متعلقة بمحور فيلادلفيا
التوغلات الإسرائيلية في رفح
ووفق معطيات ميدانية رصدها "العربي الجديد" فإن آليات الاحتلال الإسرائيلي متمركزة في مطار غزة المدمر ومعبري رفح وكرم أبو سالم ومحيطهما، وسط تدمير شبه كلي لبلدة الشوكة (الجزء الجنوبي)، عدا عن التمركز في منطقة الماصوف، في حي السلام وتدمير جزء كبير من الحي وصولاً لحي التنور شمالاً. وحي السلام، شرقي رفح، ضمّ عشرات الآلاف من النازحين قبل بدء التوغلات الإسرائيلية في رفح مما دفعهم للنزوح إلى المناطق الغربية نحو مواصي رفح ومواصي خانيونس ووسط قطاع غزة. وركز الاحتلال من عمليات القصف المدفعي والجوي على مناطق مخيم الشابورة ومحيط ميدان العودة والنجمة والبلعاوي وشارع روحي صبح وشارع مسجد الهدى، متسبباً بدمار كبير في السوق المركزي وشارع البحر ومخيم يبنا حتى العبد جبر جنوباً. وشهدت منطقة الدخني بمخيم الشابورة والمستشفى الكويتي قرب مخيم يبنا، عمليات تقدم للآليات العسكرية قبل عودتها نحو المنطقة الحدودية جنوبي رفح، قرب محور فيلادلفيا، بالتزامن مع قيامها بعمليات قصف مدفعي في ظلّ اندلاع اشتباكات مع المقاومين. وتسبب هذا الأمر في إخلاء مستشفى الكويت التخصصي وخروجه عن الخدمة تماماً بفعل عمليات القصف، ونزوح ما تبقى من سكان نحو مناطق أخرى بعد أن انتقل إلى رفح 1.5 مليون شخص.
كما تمركزت الآليات الإسرائيلية فوق تلة زعرب ومحيطها قرب المناطق الغربية لرفح، عدا عن التوغل في مناطق غربية أخرى، مثل منطقة المقبرة والحي السعودي 1 ومفترق أبو السعيد والشؤون الاجتماعية وشارع مركز الشرطة وشارع طباسي ودوار زعرب وحي حجازي وقرب برج أبو مرقة في حي تل السلطان، بصورة متزامنة مع قصف مدفعي وغارات متفرقة في المناطق المذكورة، فيما تعرض مخيم بدر وشارع الزر والإمام علي لقصف مدفعي وجوي. ونقلت وكالة الأناضول، أول من أمس الثلاثاء، عن شهود عيان قولهم إن "الآليات المشاركة في التوغلات الإسرائيلية في رفح بلغت منطقة الكراج الشرقي ومحيط مسجد العودة ومخيم الشابورة وسط مدينة رفح، بالتزامن مع إطلاق نار وقصف مدفعي عنيف". وأضافوا أن "الآليات متمركزة في مناطق شمال مستشفى النجار ومحيط معبر رفح وفي حي السلام وحي التنور، شرقي المدينة". وشهدت العمليات العسكرية في رفح محاولات من المقاومة الفلسطينية لتنفيذ عملية أسر، وفقاً لما كشفت عنه كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، حيث أفشلها الاحتلال بقصف المكان في مؤشر على قوة المواجهات.
وعلى الرغم من النداءات الدولية والأوروبية الكثيرة التي حذرت من خطورة التوغلات الإسرائيلية في رفح غير أن نتنياهو واصل سياسته المعتادة في تجاهل هذه النداءات وشرع في عمليته العسكرية في ضوء الحماية الأميركية المتوفرة له. وهو ما عبر عنه أكثر من مسؤول أميركي بالقول إن التوغلات الإسرائيلية في رفح لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي تم وضعها من قبل واشنطن أمام الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من مجزرتي الخيام التي نفذها جيش الاحتلال أخيراً. في المقابل، فإن نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت حددا مسبقاً أهداف هذه العملية "المتمثلة في القضاء على أربع فرق من كتائب القسام"، وذلك رغم الخلافات مع عضوي مجلس الحرب بني غانتس وغادي أيزنكوت.
حول ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة، أن "نتنياهو كان يرى أن تحقيق أهداف الحرب يتمثل في الدخول لرفح واحتلال محور فيلادلفيا". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال يبحث خيارات وسيناريوهات متعلقة بمحور فيلادلفيا، إما في بناء جدار أرضي تحت مزاعم منع التهريب، أو نشر قوات متعددة الجنسيات لمراقبة الحدود، عدا عن التفكير في وجود عسكري دائم له". ولفت إلى أن "الهدف من التوغلات الإسرائيلية في رفح حالياً، يتمثل في إضعاف قدرات حركة حماس في رفح وتفكيك كتائبها والسيطرة على محور فيلادلفيا، وكذلك مراقبة عمل معبر رفح المغلق منذ شهر". وأشار إلى أن "نتنياهو يحاول إيصال رسائل للإسرائيليين عبر إطالة أمد الحرب بأن أهدافها قيد التحقق، علماً أن أيزنكوت أعلن بشكل واضح أن مصطلح النصر المطلق وهم ولا يمكن تحقيقه". ولفت أبو سعدة إلى أن "نتنياهو يحاول تحقيق أكبر مكاسب سياسية من وراء استمرار هذه العمليات في رفح، التي يحاول نقلها من مكان لآخر بين فترة وأخرى كما جرى في مخيم البريج ودير البلح خلال الأيام الماضية".
محمد الأخرس: التوغلات الإسرائيلية في رفح جاءت بقرار إسرائيلي وغطاء أميركي
قرار إسرائيلي وغطاء أميركي
وبحسب الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "التوغلات الإسرائيلية في رفح جاءت بقرار إسرائيلي وغطاء أميركي، بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الذي منح الاحتلال الضوء الأخضر لتنفيذها". وأضاف الأخرس في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العملية جرت بتوافق أميركي ـ إسرائيلي، في مؤشر على وجود بعد سياسي لها أكبر من البعد العسكري، من خلال السيطرة على معبر رفح ومحور فيلادلفيا". وأشار إلى أنه "رغم حالة التباين داخل دولة الاحتلال حول طبيعة العملية، إلا أنها في المحصلة تعبر عن رغبة في فرض سيطرة أمنية على القطاع، إذ تعتبره أقطاب كثيرة داخل الاحتلال والإدارة الأميركية مدخلاً للحديث عن اليوم التالي للحرب".
وتوقع في أن "الجهة التي قد تتولى إدارة معبر رفح هي نفسها التي قد تتولى ملف إدارة القطاع، وبالتالي فإن ملف رفح يكتسب أهمية سياسية عدا عن الأهمية العسكرية وهو ما يتضح في الإطار التفاوضي الذي طرحه الرئيس (الأميركي) جو بايدن". ورأى في هذا الإطار أن "بايدن لم يتحدث عن الانسحاب من محور فيلادلفيا أو معبر رفح، وهو ما يجعل هذه الخطوة خطيرة بالمعنى السياسي والعسكري في إطار الحرب على غزة". وشدّد الأخرس على أن "هذه الخطوة انعكست بشكل واضح على المسار الخاص بالمفاوضات وزادت من تشدد الموقف الفلسطيني، لا سيما أن هذه الخطوة كفيلة بتغيير المشهد ككل". وحذّر من "إمكانية نجاح الإدارة الأميركية في تطويع الموقف المصري المتعلق بتعيين بدلاء في إدارة معبر رفح، وبالذات مع إمكانية تقدم الاحتلال في المناطق الغربية لرفح، لأن الخطير في التوغلات الإسرائيلية في رفح هو المتعلق بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح".