التوتر بين بايدن ونتنياهو.. "شِجار عائلي" لا أكثر

18 يوليو 2023
وصفت نائبة أميركية إسرائيل بأنها "دولة عنصرية" (Getty)
+ الخط -

دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لعقد لقاء معه "في الولايات المتحدة"، في خطوة تراجع فيها الرئيس الأميركي، كعادته، عن قراره بعدم لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية.

تحاشى بايدن ذكر البيت الأبيض كمكان للاجتماع، ربما حتى يبدو وكأنه ما زال على موقفه بأن اللقاء لن يكون في المقر الرئاسي قبل أن يتخلى رئيس الليكود عن توجهاته المحلية اللاديمقراطية. ويقال إنّ اللقاء قد يحصل في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/ أيلول القادم. هذه الصيغة الرمادية تتفق مع نهج بايدن في التعامل مع الأمور بالتسويات وأنصاف الحلول، لكن ما هو مؤكد أنّ الرئيس الأميركي تنازل عن موقفه أينما كان مكان اللقاء.

فيما يتردد أنّ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، الذي من المقرر أن يجتمع مع بايدن غداً الثلاثاء في البيت الأبيض، قبل أنّ يلقي خطابه أمام مجلسي الكونغرس بعد غدٍ الأربعاء، قد سعى مع بايدن لدعوة نتنياهو إلى اللقاء، وبالتالي فهذه ضمن سياسة العودة إلى المراضاة التي اعتمدتها واشنطن إجمالاً في تجاوز سوء التفاهم الذي كان يحصل في بعض الأحيان بين الحليفين.

لكن مع ذلك، أثار قرار الرئيس بسرعته وظروفه، استغراب جهات كثيرة كانت تشد أزر الرئيس وتطالبه بالمزيد من التشدّد مع حكومة نتنياهو. ومنها أوساط يهودية أميركية لم تخف خشيتها من الارتدادات السلبية لسياسات حكومة نتنياهو على إسرائيل، كما على العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وما شجعها على ذلك أنّ خطاب الإدارة كسر الرقم القياسي في هزّ العصا بوجه إسرائيل ونتنياهو ولو للتخويف، باستثناء المواقف التي اتخذتها واشنطن تجاه الدولة العبرية في زمن الرئيسين دوايت أيزنهاور وجيرالد فورد.

رفع بايدن منذ البداية سقفه، وأطلق الكثير من التوعد والوعود باعتماد سياسات "تقويمية" مع إسرائيل، بالإضافة إلى تعبيرات الغضب المكتوم والخجول بخصوص التجاوزات والانتهاكات التي دأبت تل أبيب على ارتكابها، إذ أعلنت إدارته التزامها بعدة إجراءات للرجوع عن الخطوات التي سبق وقامت بها إدارة ترامب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنها في النهاية تجاهلتها كلياً، على غرار إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، التي كانت خطوة رمزية لإثبات جديتها. ومع مجيء حكومة نتنياهو الحالية ارتفعت نبرة عبارات مثل "بغيضة" و"مقززة" ضمن ردود الخارجية الأميركية خلال إحاطاتها الصحافية اليومية، خصوصاً على سلوكيات وممارسات الحكومة، وتحديداً وزراءها المتطرفين، مثل بن غفير وسموتريتش، اللذين طُرح عدم منحهما تأشيرة دخول لزيارة واشنطن قبل أشهر. مع ذلك، اكتفت الإدارة حينها بمقاطعة زيارتهما.

وكانت آخر هذه التعبيرات تلك التي صدرت عن الرئيس نفسه في مقابلته الأخيرة، حين تحدث بانزعاج عن "هذه الحكومة المتطرفة" غير المسبوقة "منذ زمن غولدا مائير"، في أواسط السبعينيات من القرن الماضي. مثل هذا النفور العلني المفتوح عزز الاعتقاد خاصة لدى الدوائر اليهودية الأميركية، بأنّ "التصادم" بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو بات أمراً لا مفر منه. وقد حذرت منه نخب يهودية ومسؤولون سابقون مثل مارتن أنديك، الذي شغل منصب سفير واشنطن في إسرائيل، ثم لاحقاً عمل كمبعوث خاص إلى جانب الوزير جون كيري في إدارة أوباما لإعادة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، لكن من دون جدوى. 

إضافةً إلى هذا كله، كتبت أقلام يهودية كثيرة في هذا الخصوص للمطالبة بالضغط على حكومة نتنياهو للتراجع عن سياساتها "المتهورة والديكتاتورية" المحلية والاستيطانية. من بينها بيتر باينرت، الذي سبق وجادل بأنّ "اليهود لا يستحقون دولة خاصة بهم"، إضافةً إلى مقال توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، وكذا الأميركي الإسرائيلي عاموس غيورا، الذي عمل في الجيش الإسرائيلي وهو الآن يدرس القانون في جامعة أميركية، وقد ذهب هذا الأخير إلى حد التشديد على ضرورة إعادة النظر في المساعدات الأميركية لإسرائيل "وضرورة محاسبة" المستوطنين على "مجازرهم الإرهابية "ضد الفلسطينيين.

يبدو أنّ هذه اللغة، التي تحاكي لغة السناتور اليهودي التقدمي الملقب بـ"الاشتراكي" بيرني ساندرز، قد شجع عليها خطاب الإدارة الذي بدا وكأنه يمهد لخطوة رادعة للانفلات الإسرائيلي، وهو ما دفع إلى خلق جوّ مشحون بالاعتراضات والريبة بحقيقة إسرائيل ونواياها الاستيطانية والمناوئة للديمقراطية، وهو ما تعزز بتقرير الأمم المتحدة قبل أيام، الذي دان "سياساتها التي تقوّض النظام القانوني الدولي"، مع إدانة الأمين العام للأمم المتحدة للغارة الإسرائيلية على مخيم جنين.

في ظل هذا المناخ، كان التصور (الواهم في كل حال) بأنّ إدارة بايدن تبدو متأهبة لعمل شيء مختلف يكون في أقله انعكاساً لتوتر علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية. غير أنّ ما رست عليه لا يختلف عن سوابق التعامل مع إسرائيل. فخطاب الإدارة في حقيقته تهويلي ونتنياهو يعرف ذلك من تجاربه مع واشنطن. في الواقع كانت الإدارة غير مرتاحة لحكومة نتنياهو. وربما كانت تنوي كبحها، لكن في الجوهر لم تكن عند مستوى التحدي، رغم تكرار التزامها الممل بحل الدولتين، بقيت تقول إن ذلك "بعيد"، ورغم حرصها المزعوم والمكرر أيضاً على "المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الأمن والكرامة والازدهار"، لم تتلفظ يوماً بكلمة "حقهم في تقرير المصير"، واكتفت بالشكليات في الرد على نتنياهو. 

ويبدو أنّ هذه الدعوة للرئيس الإسرائيلي إلى واشنطن تأتي بهدف التعبير عن استياء الإدارة الأميركية من رئيس الحكومة من خلال "الكونغرس" المعروف تقليدياً بأنّه حارس الرعاية الأميركي لإسرائيل، ومع ذلك، أعلن عدد وإنْ كان قليلاً من النواب، عن مقاطعتهم سلفاً لخطاب الرئيس هرتزوغ، غداً الأربعاء، أمام الكونغرس. 

وأمس، وصفت نائبة أميركية إسرائيل بأنها "دولة عنصرية"، وهذا التوصيف، ولو أنها تراجعت عنه واعتذرت، كشف عن مدى الضيق من هذه الحليفة في أوساط ولو حفنة من المشرعين. لهذا، فإنّ الإدارة الأميركية قد تكون في حالة ضيق من خروقات وانتهاكات بل وانقلابات حكومة نتنياهو، لكن ضيقها في نهاية الأمر لا يفيض.

وصف السفير الإسرائيلي في واشنطن في أواسط السبعينيات سيمحا دينيتز، الخلاف الذي نشأ حينها حول الانسحابات الإسرائيلية بعد حرب عام 1973، بأنه "شجار داخل العائلة"، ويبدو أن الخلاف يأخذ نفس التوصيف الآن، رغم عدم ارتياح الإدارة لنتنياهو وحكومته.