التوتر العسكري البريطاني الفرنسي في جيرسي: الصيد يكشف تبعات "بريكست"

06 مايو 2021
لندن أرسلت سفينتين حربيتين تابعتين للبحرية البريطانية إلى جزيرة جيرسي (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت التبعات المباشرة للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي "بريكست" تنعكس بشكل واضح على علاقة لندن مع جيرانها الفرنسيين.

فمنذ أيام قليلة، تصاعد التوتر بين الطرفين، ووصل إلى أوجه، أمس الأربعاء، بعد الإعلان عن توجه نحو 100 قارب صيد فرنسي نحو ميناء جزيرة جيرسي، القريبة من الشواطئ الفرنسية والتابعة ملكيتها لبريطانيا.

وأخذ التوتر منحى عسكرياً بإرسال لندن سفينتين حربيتين تابعتين للبحرية البريطانية بحجة "مراقبة احتجاج الصيادين الفرنسيين"، بحسب ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، صباح اليوم الخميس. 

ويحتج الفرنسيون على تقييد رخص الصيد لأعداد قليلة من الصيادين، بحسب قواعد جديدة فرضها البريطانيون بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقوبل احتجاج الصيادين الفرنسيين بتصريحات بريطانية أدلى بها رئيس الوزراء بوريس جونسون اعتبر فيها أنّ "أي حصار لجيرسي سيكون غير مقبول".

وفي المقابل، ردّت باريس من خلال وزيرة الشؤون البحرية الفرنسية، أنيك جيراردان، بأنّ بلادها يمكن أن تذهب نحو قطع التيار الكهربائي عن الجزيرة، التي تحصل على 95% منه من البر الفرنسي.

ونقلت "فرانس 24" ووكالة "فرانس برس" عن مسؤولين فرنسيين قولهم، إنّ حكومة باريس "تدرس القيام بعمليات انتقامية" بعد أن وضعت بريطانيا قواعد جديدة تحكم دخول قوارب الصيد الفرنسية.

وتصاعدت المناوشات بين الطرفين، العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والشريكين السابقين في الاتحاد الأوروبي، بعد تأكيد جيراردان، عقب لقاء برلمانيين، أنّ باريس "مستعدة لاتخاذ كل الخطوات اللازمة للرد على بريطانيا"، ملمحة إلى قطع كابلات تحت مياه البحر تزود جيرسي بالكهرباء. 

وتزايد توتر علاقة البلدين، خلال الفترة الماضية، بعد أن زادت بلاغات صيادين فرنسيين عن أنهم مُنعوا من العمل في المياه البريطانية، وباتت التراخيص مستحيلة.

وعلى الرغم من محاولة لندن فرض ما يشبه قيوداً مشددة، بدفعها الجمعة الماضي بنحو 41 سفينة مزودة بنظام مراقبة السفن، لتحديد موقع القوارب الفرنسية المعتادة على الصيد في المنطقة قبالة جزيرة جيرسي، التي تتبع التاج البريطاني وتتمتع بحكم ذاتي، أصرّ البحارة الفرنسيون، مساء الأربعاء، على المضي في خططهم الاحتجاجية بالإبحار الجماعي نحو ميناء الجزيرة، اليوم الخميس،  بحسب ما أكد رئيس مصايد الأسماك في منطقة نورماندي، ديمتري روغوف.  

وتتطلب قواعد الصيد الجديدة، التي أدخلتها حكومة جيرسي بموجب اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (TCA)، أن تثبت القوارب الفرنسية أن لديها تاريخاً في الصيد في مياه جيرسي.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وردت بريطانيا بإرسال سفينتين عسكريتين، في خطوة غير مسبوقة، تؤشر إلى بلوغ التوتر  بين الجانبين، مستوى لاح فيه استخدام القوة. وتصرّ باريس على أنّ القيود البريطانية الجديدة "لم تجر مناقشتها مع فرنسا ولم يتم إخطارنا بها"، بحسب وزارة الثروة السمكية الفرنسية.  

ويعتبر الدفع بقوة بحرية عسكرية تأزيماً جديداً في علاقة الطرفين، إذ اعتبرت الوزيرة جيراردان أن التصرفات البريطانية "غير مقبولة على الإطلاق".

ومن المثير أن ترسل لندن السفينة العسكرية "إتش إم إس سيرفرن"، التي كانت موكلة سابقاً بمراقبة السفن البحرية الروسية قرب السواحل البريطانية، وهو ما يعني أنّ لندن تعامل حليفتها في "الناتو"، باريس، بنفس مستوى معاملتها لمن يفترض أنه خصم لها، لا سيما وأنّ المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام عن السفينتين المرسلتين "إتش إم إس سيفيرن" و"إتش أم إس تامار" أنهما مسلحتان بمدفعين وأسلحة مضادة للطائرات، ويتألف طاقماهما من نحو 95 من مشاة البحرية الملكية. 

رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، اعتبر احتجاج الصيادين الفرنسيين بمثابة "حصار غير مقبول للجزيرة". وذهب حاكم الجزيرة (بمثابة رئيس وزراء الحكم الذاتي لجيرسي)، جون فوندري، ووزير الشؤون الخارجية إيان غورست، إلى حد التهديد بـ"تقليص العلاقات بين جيرسي وفرنسا". 

وعلى الرغم من محاولة تخفيف جونسون لخطوة إرسال البحرية العسكرية باتجاه جيرسي باعتبارها "إجراء احترازياً"، إلا أن ذلك لن يخفف، على ما يبدو، من تصاعد السجال وتزايد توتر العلاقة بين باريس ولندن.

فالسفينتان اللتان أرسلتهما بريطانيا تحملان على متنيهما جنوداً مدربين على اقتحام سفن الصيد، وإجراء عمليات تتبع وتفتيش مفاجئة. 

ونقلت "بي بي سي"، مساء الأربعاء، عن جونسون تعهده "بدعم ثابت" لجزيرة جيرسي، الواقعة على بعد 22 كيلومتراً (14 ميلاً) عن فرنسا في القناة الإنكليزية. 

ولم يرق لباريس التحرك العسكري البريطاني، وهددت باتخاذ نفس الخطوات العسكرية، من ناحيتها، رغم تأكيد رئيس مصايد الأسماك في نورماندي، ديمتري روغوف، أنّ إبحار قوارب الصيد الفرنسية "ليس سوى احتجاج ولا يهدف لمحاصرة الجزيرة أو إغلاق الميناء".

وتعول باريس على دعم الاتحاد الأوروبي بموجب تطبيق اتفاقية التجارة والتعاون بينه وبين بريطانيا. واعتبرت باريس في مراسلتها لبروكسل أنّ الإجراءات الجديدة للصيد قبالة القناة الإنكليزية "لاغية وباطلة" طالما أنّ الاتحاد الأوروبي لم يبلغ السلطات الفرنسية عنها. 

وتشير الحادثة الأخيرة إلى مدى المصاعب التي ستواجه بريطانيا في علاقاتها مع أوروبا بعد اختيارها في استفتاء شعبي، قاده  بوريس جونسون قبل أن يصبح رئيس وزراء، للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو مؤشر على أنه رغم الاتفاقيات المبرمة حول "بريكست"، فإنّ عقبات كثيرة يمكن أن تواجه علاقة الطرفين، الأوروبي والبريطاني، وخصوصاً من جانب انحسار حق البريطانيين في الصيد الحر في بحر الشمال وشمال الأطلسي، كما كانوا يفعلون أثناء عضويتهم في الاتحاد الأوروبي.  

ولبريطانيا سوابق في الاتجاه نحو مواجهة عسكرية حين يتعلق الأمر ببعض مصالحها في جزر بعيدة عنها، وهو ما حدث بداية ثمانينيات القرن الماضي في جزر الفوكلاند التي أدخلتها في حرب طاحنة وسريعة مع الأرجنتين التي تعتبر الجزر جزءاً منها.

ومن المستبعد أن تتطور الأمور حالياً إلى عسكرة النزاع بين الجارين الفرنسي والبريطاني، رغم الحروب والصراعات العنيفة في تاريخ البلدين، ولعل أوروبا بنفسها لن تسمح للخلافات بأن تتعمق وتصل إلى انفلات الخلافات إلى مستوى مواجهة عسكرية. 

المساهمون