تتواصل في إسرائيل التحذيرات لمختلف القطاعات، من التداعيات الخطيرة لمجموعة الإصلاحات القضائية كما يسميها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والانقلاب على النظام، كما يسميها معارضو هذه التشريعات، خصوصاً مع ارتفاع حدة الجدل والنقاش السياسي المرافق لعملية التشريع الجارية في الكنيست.
وشكّل المؤتمر السنوي لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، منذ أمس الأول، مناسبة ومنصة لكبار خبراء ومسؤولي المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل للبحث في التداعيات الممكنة على الأمن القومي، وليس فقط في الجوانب الاقتصادية والسياسية.
خطر التفكك الإسرائيلي
واتفق أمس كل من رئيس الأركان الأسبق، الجنرال غابي أشكنازي، والمدير العام للمركز، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال حتى العام الماضي، الجنرال تمير هايمان، ورئيس مجلس الأمن القومي حتى تشكيل الحكومة الحالية، أيال حولتا، على أن التفكك الداخلي للمجتمع الإسرائيلي والتصدعات في "العقيدة الصهيونية" بالمستقبل المشترك والمصير الواحد، هي أخطر ما يمكن أن تسبّبه هذه التشريعات. واعتبر الثلاثة، بالتالي، أن وقف هذه التشريعات، أو "تجميدها" لصالح البناء على تسوية أو توافق مع المعارضة، يخدم المصلحة القومية العليا لإسرائيل، لتفادي الخطر الأكبر وهو خطر التفكك الداخلي.
وكان حولتا أكثر شدة في توصيف خطر التفكك الداخلي، على الرغم من أن أشكنازي وهايمان أشارا إليه، مع تركيزهما على البُعد المتعلق بمحاكمة الجنود والضباط في الخارج.
فقد أوضح حولتا في مستهل كلمته في الجلسة الخاصة في مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي، أنه ليس مفهوماً ضمناً، بل هو أمر لم يسبق له مثيل، إجماع غالبة رؤساء مجلس الأمن القومي في إسرائيل على خطورة هذه التشريعات على الأمن القومي.
حولتا: ما يحدث اليوم في إسرائيل، خصوصاً بعد بدء احتجاجات من يخدمون في وحدات الاحتياط، يؤشر إلى تراجع وحدة المجتمع الإسرائيلي
وقال حولتا، الذي كان ضمن الموقّعين على رسالة ضد هذه التشريعات، تم رفعها للرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الكنيست أمير أوحانا، قبل بضعة أسابيع، إنه لا يمكن التشكيك بالتأثيرات والتداعيات السلبية لهذه التشريعات، وعلى رأسها التصدع والشروخ الداخلية التي تسبّبها، أو التي تزيد في اتساع رقعتها هذه التشريعات في ظل سيرورتها والطريقة التي تقوم بها الحكومة الحالية بسرعة ومحاولة إنجازها من دون الأخذ بتحفظات المعارضة بعين الاعتبار.
واعتبر حولتا في هذا الباب أن ما يحدث اليوم في إسرائيل، خصوصاً بعد بدء احتجاجات من يخدمون في وحدات الاحتياط، يؤشر إلى تراجع وحدة المجتمع الإسرائيلي واعتقاده بالمصير المشترك والمستقبل المشترك.
ورأى أن هذا الخلاف الداخلي يؤثر بدوره على متانة قوة الردع الإسرائيلية في نظر الدول المجاورة لها، والأطراف الفاعلة فيها، مشيراً إلى الخطاب الذي ألقاه زعيم "حزب الله" حسن نصر الله قبل نحو ثلاثة أسابيع، وأشار فيه إلى الخلاف الداخلي في إسرائيل.
كما حذر حولتا من تداعيات هذه التشريعات على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وما لهذه العلاقات من أهمية توصف "بالكنز" للأمن الإسرائيلي.
ومع علم حولتا، خلافاً لما هو معلن في وسائل الإعلام والصحف، بالمداولات الحقيقية بين ممثلي الحكومة، على صعيد الخبراء، وبين معارضي التشريعات الحكومية وفق المسار الذي اقترحه الرئيس الإسرائيلي، فقد خلص حولتا إلى القول، إن هذه المخاطر كلها يجب أن تشكل أساساً لدى صنّاع القرار، وفي مقدمتهم نتنياهو نفسه، لإعادة النظر في مجمل هذه التشريعات والأسلوب المتّبع في السير نحو تنفيذها وفرضها، ووضعها في كفة ومصلحة إسرائيل العليا في كفة ثانية.
ولفت حولتا مثلاً إلى أن المرة الوحيدة حتى الآن التي تم فيها التطرق إلى "الخطر الداخلي" ولكن من المنظور القومي العرقي، هي بعد عدوان "حامي الأسوار" في سياق التطرق للتظاهرات التي قام بها العرب في إسرائيل والمواجهات التي رافقت عدوان "حامي الأسوار" في مايو/ أيار 2021، والتي أطلقت عليها حركة "حماس" تسمية معركة "سيف القدس".
دفع الإسرائيليين لمقاطعة خدمة العلم؟
أما رئيس أركان الجيش الأسبق الجنرال غابي أشكنازي، فأوضح من جانبه، خطورة التفكك الداخلي للمجتمع الإسرائيلي في السياق العسكري الأمني، وعدم الاستعداد الضمني للانخراط في الدفاع عن إسرائيل في حال الخطر الخارجي. واستذكر في هذا السياق كيف سارع الجميع خلال حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 إلى التطوع في الجيش وأداء الخدمة العسكرية والاحتياط، مبيناً أن استمرار التفكك الداخلي قد يجعل مثل هذا الأمر غير مفهوم ضمناً.
وأبرز أشكنازي في هذا السياق، ما كانت قد أشارت له رئيسة المحكمة العليا، استير حيوت، بأن الجهاز القضائي الإسرائيلي في صورته الحالية، هو "قبة حديدية" تحمي جنود وضباط الجيش. وقال أشكنازي إنه مثلاً يستطيع أن يسافر لأي دولة لكنه لن يضمن، في ظل التشريعات المختلفة في دول العالم، ومسألة عالمية حقوق الإنسان، عودته إلى إسرائيل.
حذر أشكنازي من أن غياب الحصانة للجنود ستضعف دافعية الخدمة في الجيش الإسرائيلي
واعتبر أن زوال هذه الحصانة والمناعة، ستعني أيضاً مصدر تهديد للشبان من الخدمة في سلاح الجو أو المدفعية أو الوحدات الهجومية، كي لا يجدوا أنفسهم معرضين للاعتقال والمحاكمة خارج إسرائيل، وبالتالي ستضعف دافعية الخدمة في الجيش، إذا اعتقد المجند أن الدولة لن تحميه.
وقال أشكنازي إن خطر التفسخ الاجتماعي، قد يدفع فعلاً الجنود الذين يعلنون أنهم لن يؤدوا خدمة الاحتياط، إلى تنفيذ تهديدهم، وهذا خطر كبير على القوة العسكرية الإسرائيلية لأن الحجم الحقيقي لسلطة الاحتياط في الجيش أكبر بكثير مما يتصوره المواطن العادي، وهو يمس كافة الوحدات، ومركّب أساسي في قوة الجيش الإسرائيلي وقدرته على مواجهة الخطر الخارجي.