منذ أيام، وفي غمرة التوتر الذي عاشته تونس على وقع الملاحقات القضائية لقيادات حركة النهضة، ومن بعدها الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، أعاد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" الحبيب بو عجيلة طرح ما كانت عرضته المبادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وما عُرف بـ"المؤتمر الوطني الديمقراطي".
وتحدث بو عجيلة بوضوح عن الرهان السياسي الأهم في هذه المرحلة التي تعيشها البلاد. وأوضح في تدوينة على صفحته في "فيسبوك" أن "العلاقة بين جبهة الخلاص من جهة وخماسي الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية من جهة أخرى (التيار والجمهوري والتكتل والعمال والقطب)، وسائر الشخصيات الوطنية والقطاعات المهنية من قضاة ومحامين وإعلاميين أحرار ومثقفين تلتقي اليوم في وحدة الموقف من الانقلاب. وهذه العلاقة تستطيع حالياً أن تتطور بطرح المواضيع الخلافية وحسمها عبر التسويات الكبيرة والتنازلات التاريخية الوطنية ووفق خيار لا غالب ولا مغلوب إلا ربح الوطن والديمقراطية، وإعادة البلاد إلى سكة المسار الديمقراطي من أجل الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي وتلبية انتظار الناس".
مرّت دعوة بو عجيلة للأسف من دون أن يتلقفها المعنيون من كل من ذكرهم سابقاً، ومن دون نقاش في تفاصيلها، مع أنها الرهان الأكبر اليوم في قلب هذه الأزمة التي تعصف بالبلد، والمخرج الوحيد لها، على عكس ما يتوهم منظرو الأحزاب وهم يمسكون بآلاتهم الحاسبة على أمل تقاسم الغنيمة.
وربما يحمل تفكير "مواطنون ضد الانقلاب" كثيراً من التفاؤل حين تدعو إلى تسويات تاريخية كبرى، التي تتطلب سمواً فوق الأيديولوجيا من ناحية، وبصيرة سياسية لإدراك حقيقة الأوضاع من ناحية أخرى، وشجاعة فكرية للقفز فوق مناكفات الماضي الصغيرة باتجاه الأهم.
ولهذا استطاعت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" أن تتقدم وتؤسس لحركة معارضة ومقاومة حقيقية، جمعت شخصيات من تجارب مختلفة، واستطاعت أن تحقق ما فشل فيه التونسيون: الاجتماع على الرغم من الاختلاف والالتقاء على الأدنى في البداية، ثم التقدم خطوة خطوة وهدم المسافات والجدران.
وفي حوار لي مع الشواشي، سألته عن دعوة رئيس جبهة الخلاص، أحمد نجيب الشابي، واستعداده للالتقاء بالأحزاب الخمسة، فقال بوضوح إنهم "ليسوا مستعدين للجلوس مع النهضة، لأنها لم تقم بمراجعات حقيقية ولا يثقون بها".
وربما يكون للشواشي بعض الحق فيما ذهب إليه، ولكن الحقيقة هو أن أيّاً من الأحزاب لم يقم بهذه المراجعات، وليس النهضة وحدها، وأن ما يدعو إليه بو عجيلة ورفاقه، هو الجلوس على طاولة والقيام بهذه التسويات التاريخية بكل شجاعة فكرية وسياسية، من أجل إنقاذ وطن يضيع بين أيديهم.