التباسات ما قبل الحسم في محادثات فيينا النووية.. تعويل على الدبلوماسية رغم صعوبة التفاوض

15 ديسمبر 2021
تشدد إيراني لانتزاع أقصى ما يمكن خلال المفاوضات (Getty)
+ الخط -

الإنذارات والتحذيرات الأميركية والأوروبية في الأيام الثلاثة الأخيرة، وما قابلها إزاء عودة إيران إلى إبداء أقصى التشدد في التمسك بشروطها، تركت الانطباع في واشنطن بأنّ مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي 2015 تتهاوى، في وقت تبدو لغة التصعيد من الجانبين أقرب إلى التهويل منها إلى التهديد الجدّي والمجازفة بنسف المفاوضات.

ويربط مراقبون رفع عيار الخطابين الغربي والإيراني بالضغوط التي يولّدها اقتراب المفاوضات من لحظة "إبرام عقدها" أكثر منه بوصولها إلى نقطة الانسداد.

"كل طرف يسعى إلى تعزيز وتقوية موقفه" في ضوء معطيات الوضع القائم على الأرض، حسب خبير الأمن الدولي بقسم الدراسات الأمنية في "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا"، جيم والش. يقصد بذلك أنّ المشروع النووي الإيراني صار أكبر مما كان عليه (قبل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي 2018) وبالتالي فإنّ المتوقع من المفاوضات ليس أكثر من التوصل إلى صيغة ما تصلح للبناء عليها.. يعني إلى شيء صغير لتفعيل وتحريك الموضوع، بحيث يقوى كلا الطرفين على الخروج من "الوضع العالق فيه".

والخروج حسب هذا التحليل، رغبة مشتركة لدى الفريقين وإن بشروط متضاربة يصعب التوفيق بينها وبما يقتضي تدوير الزوايا لتلطيف التنازلات، وهنا يكمن المأزق المتحكم بالجانبين.

إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، راهنت على الخيار الدبلوماسي مع التلويح "ببدائل أخرى" إذا فشل هذا الرهان، ومن دون تحديد سقف زمني ترى جهات كثيرة أنه كان بمثابة "خطأ تفاوضي" ساهم في دفع المفاوضات إلى دوامة تمسك إيران بزمام المبادرة فيها.

كما ألزمت إدارة بايدن نفسها بحمل الجانب الإيراني على العودة للامتثال لاتفاق "تفكك" بعد انسحاب واشنطن منه في 2018 في عهد الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب.

فتخصيب اليورانيوم ازداد بكمياته ودرجته، وكذلك العقوبات وبما صار من الصعب إن لم يكن من المتعذر إعادة عقارب الوضع وعواقبه إلى الوراء، لا سيما أنّ المدة الأصلية المتبقية للاتفاق قد لا تكون كافية "لتصليحه بعد انكساره".

من شروط الاتفاق النووي أن يكون التخصيب لمدة 15 سنة بدرجة 3,67 الكافية للاستخدام النووي المدني. بعد الخروج الأميركي منه صار الآن بدرجة 20% وبعضه بلغ 60% حسب المتداول.

وبدلاً من 5060 جهاز طرد مركزي (من أصل 19 ألفا قبل الاتفاق النووي) كان من المسموح تشغيلها لمدة عشر سنوات، صار العدد بعد الانسحاب أكبر مما كان عليه والأجهزة صارت أحدث وأكثر فعالية. كذلك من القيود التي أطيح بها أن تبقى منشأة "فوردو" النووية متوقفة عن التخصيب لمدة 15 سنة. هذه الموانع وغيرها يستبعد المراقبون إمكانية إحيائها عملياً في حدود الفترة المتبقية للاتفاق النووي.

مراهنة بايدن على الدبلوماسية

في المقابل يساوم الطرف الإيراني من موقع "العارف" بمدى مراهنة بايدن على الدبلوماسية وبما يعطيه فسحة واسعة للمناورة والتمسك بشروط ومطالب "تعجيزية" لا تنم عن "جدية" كما وصفها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أكثر من مرة في الآونة الأخيرة.

وفي الاعتقاد أنّ المفاوض الإيراني "المتمرس في هذا المجال" لم يكن ليتمادى في التشبث لانتزاع المزيد من التنازلات، لولا علمه بأن الإدارة ليست جادة في الانتقال إلى "البدائل الأخرى"، على الأقل في المدى القصير.

يتجلى ذلك في اكتفاء بلينكن بتحذيرات مفتوحة عن "قرب نفاد الصبر" و"قصر المسافة المتبقية من الطريق"، ومنح طهران فترة يوم أو يومين "للتعرف على مدى جديتها".

المفاوض الإيراني بدا وكأنه لم يأخذ هذه الإشارات على محمل الجد. وانعكس ذلك في مطالبته برفع كافة العقوبات مرة واحدة، في اليوم نفسه الذي طالب فيه إيران وزير الخارجية الأميركي في تصريح له من إندونيسيا بوجوب "إحراز تقدم بسرعة خاطفة" في مفاوضات فيينا.

حافة الهاوية

وسط هذا الخليط من التحدي ولعبة حافة الهاوية، كان من اللافت أن يعلن عن زيارة مستشار الرئيس الأميركي، جيك سوليفان، إلى إسرائيل. والمعروف أنّ وزير أمنها، بني غانتس، كان في واشنطن الأسبوع الماضي وكشف عن الخلاف مع الإدارة حول المفاوضات.

كما أعرب غانتس عن اعتقاده بأنّ البيت الأبيض ماضٍ نحو التوصل إلى اتفاق ما مع إيران. والمعروف أيضاً أنّ سوليفان مع المبعوث الأميركي الخاص للشأن الإيراني، روبرت مالي، يشكلان الثنائي المصرّ على المفاوضات وتسويق حيثيتها تحت شعار الحاجة إلى حرمان إيران من امتلاك السلاح النووي وأن الدبلوماسية هي الخيار الأفضل لتحقيق ذلك.

المفترض في ضوء ذلك أن تكون زيارة سوليفان لتبليغ تل أبيب بأنّ المفاوضات في طريقها إلى "تسوية من نوع ما".

المساهمون