تحتل تهمة التآمر على أمن الدولة صدارة القضايا والملاحقات التي طاولت رموز المعارضة والنشطاء السياسيين في تونس، ليبلغ عدد المعتقلين والمطلوبين العشرات، بعد أن تحولت إلى سلاح خطير يتربص بالمعارضين.
وتُمثل تهم التآمر على أمن الدولة، برغم اختلاف القضايا والحيثيات، أساس حملة التوقيفات التي استهدفت شخصيات عديدة من السياسة والصحافة والمحاماة والقضاء والأعمال، في وقت يؤكّد محامو الدفاع على طبيعتها المفتعلة لغياب القرائن والأدلة، وعدم احترامها لأبسط الإجراءات القانونية وضمانات المحاكمة العادلة.
ومن أبرز ملفات التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، التي شغلت الرأي العام، تلك التي تضمّ 17 شخصية، من بينها قيادات جبهة الخلاص المعارضة للرئيس قيس سعيّد، رضا بلحاج وشيماء عيسى وجوهر بن مبارك، والناشط السياسي خيام التركي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي والناشط المستقيل من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي والمحامي الأزهر العكرمي، ورجل الأعمال كمال اللطيف، ومدير إذاعة "موزاييك" نور الدين بوطار، وآخرون.
كما تم توقيف رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي بسبب تصريحه خلال جلسة رمضانية في مقر جبهة الخلاص، وقيادات من حزبه ومعاونيه، وملاحقة أفراد عائلته ومداهمة منازلهم.
معارضة السلطة القاسم المشترك بين الموقوفين
وأكدت عضو هيئة الدفاع في ملفات التآمر على أمن الدولة، وعضو "محامون لحماية الحقوق والحريات"، إسلام حمزة، في تصريح، لـ"العربي الجديد"، أن المتهمين في ملفات التآمر بعد 25 يوليو/تموز 2021 يعدون بالعشرات وهم من جميع المشارب السياسية، والقاسم المشترك بينهم هو معارضة السلطة.
إسلام حمزة: التآمر أصبح تكييفاً متواتراً بعد 25 يوليو
وبينت أن "عدد الملفات التآمر الأخيرة بلغت 6، تم خلالها إيقاف عشرات النشطاء ورموز المعارضة بملفات فارغة". وأشارت إلى أنه من "المضحكات المبكيات أن يُحال المحامي نور الدين البحيري في ملف تآمر بسبب تدوينة غير موجودة وفي غياب توافق، أي لا وجود لشركاء معه. وكذلك يحال المحاميان عبد الرؤوف العيادي ولمياء الفرحاني بسبب تدوينة، بتهم التآمر، وإحالة الغنوشي ومن معه بسبب تصريح".
وأشارت حمزة إلى أن "التآمر أصبح تكييفاً متواتراً بعد 25 يوليو، فمرة تتم المحاكمة في المحكمة العسكرية، ثم يُعرض على المحكمة العدلية في محكمة تونس، وكذلك أمام قطب مكافحة الإرهاب في غياب أي منطق قانوني". وأضافت: "بالتالي هي تصنيفات اعتباطية وهرسلة (قمع) متواصلة للسياسيين، وقد أصبح الأمر واضحاً بملفات ضعيفة وخالية من أية أدلة أو قرائن". وشددت على أنها "أصبحت تهمة يمكن تلفيقها لكل ناشط أو فاعل سياسي معارض حتى نزج به في السجن".
وأكدت أن "هذه التهم تخص جرائم خطيرة جداً، وتصل إلى أقصى العقوبات، ومنها الإعدام، لكنها أصبحت دارجة، وكل يوم نسمع عن متآمرين على أمن الدولة وحث السكان على التقاتل".
وتابعت: "أصبح هناك تطبيع معها لدرجة أن من يكتب تدوينة، أو يدلي بتصريح، يصبح متهماً بالتآمر، وكذلك محادثات بين سياسيين أو مع دبلوماسيين اتهموا بالتآمر والتخابر". وبينت أن "هذه الفصول تستهدف كل صوت حر من معارضين وسياسيين وكذلك مواطنين عاديين".
تلفيق ضعيف لتهمة التآمر
وأشارت إلى أن "تهمة التآمر تم توظيفها زمن (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي و(الرئيس الأسبق الحبيب) بورقيبة، ولكن كانت بتهم من عيار ثقيل وملفات كانت ملفقة بحبكة وإتقان ودقة. ولكن اليوم أصبح التلفيق بمستوى من الوهن والضعف، حيث تم تلفيق تدوينة للبحيري غير موجودة أصلاً، وبالنسبة للغنوشي قدم تصريحات علنية في مسامرة رمضانية. كما أن بقية النشطاء، التقوا في مقر حزب أو في مقهى ويتحدثون عن تجميع التونسيين وإيجاد حلول للبلاد، أصبحوا متهمين بالتآمر والتخابر".
وأوضحت أن "ملفات التآمر عديدة، منها اتهام نواب الكرامة ومعهم المحامي (مهدي) زقروبة باقتحام المطار أمام محكمة عسكرية، والصحافيين عامر عياد وصالح عطية اللذين اتهما بالتآمر، بالإضافة إلى مجموعة النواب الذين عقدوا جلسة".
وأشارت إلى أن "عدد الموقوفين والمتهمين يعدون بالعشرات في ملفات التآمر بعد 25 يوليو. ففي ملف التآمر يوجد بمجموعة خيام التركي نحو 15 سجيناً، وفي ملف الغنوشي هناك 3 موقوفين، وغيرهم كثيرون".
مختار الجماعي: هناك نقاط مشتركة بين ملفات قضايا التآمر تلتقي في معارضة المتهمين فيها للسلطة وللنظام
وبينت أنه "في ملفات التآمر، هناك خروقات كثيرة حول حق الدفاع، من خلال منع المحامي من لقاء الموكل أو الاطلاع على الملف وحرمانه من حق الدفاع. وأصبح متواتراً منع المحامين من مقابلة الموكلين، والسلطة أصبحت تستعمل قانون الإرهاب. وكذلك في حالات عادية، فقد منع المحامون من الدخول إلى ثكنة العوينة للحضور مع الغنوشي دون أي موجب قانوني والقضية ليست إرهابية".
وأشارت إلى "هرسلة المحامين في قضية التآمر من قبل السلطات والإدارات، من خلال تهديد المحامين ووعيد هيئة الدفاع، واليوم هناك عنصر من الهيئة مهدد من قبل السلطات بالتتبع والمحاكمة، وربما سيصبح سجيناً".
ويعود التنصيص التشريعي على جريمة التآمر على أمن الدولة إلى سنة 1926 من قبل المستعمر. وقد نُقلت الأحكام والفصول المتعلّقة بهذه الجريمة من القانون الفرنسي إلى القانون التونسي، واستعملت من قبل الاستعمار لمحاكمة رموز الحركة الوطنية والنشطاء السياسيين المعارضين للوجود الفرنسي في تونس.
وبعد الاستقلال، وقبيل إصدار دستور البلاد سنة 1959 أو حتى إعلان الجمهورية، أصدر بورقيبة، في يناير/كانون الثاني 1957 أمراً جديداً متعلّقاً بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي.
وخلال ما يقارب 60 سنة من الاستبداد، تمّ توظيف تهمة التآمر على أمن الدولة من قبل بورقيبة ومن بعده بن علي، لضرب المعارضين من الإسلاميين واليساريين وتجريمهم، والتنكيل بهم، لتأخذ بذلك التهمة طابعاً سياسياً، يستعمله النظام لفرض الانفراد بالحكم وقمع المعارضة.
نقاط مشتركة بين ملفات قضايا التآمر
وبيّن عضو هيئة الدفاع مختار الجماعي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "هناك نقاطاً مشتركة بين ملفات قضايا التآمر تلتقي في معارضة المتهمين فيها للسلطة وللنظام، وكذلك في ضعف الملفات وغياب القرائن والأدلة، فغالبية الموقوفين يحاكمون بملفات شبه فارغة، من أجل وشاية أو تدوينة أو تصريح علني"، مستشهداً "بتزوير تصريحات أو عدم وجود تدوينة، ما يجعل التهم بلا أسس قانونية".
وأشار الجماعي إلى "الخروقات والتجاوزات، وضرب حق الدفاع، وأسس المحاكمة العادلة ومحاولة إثناء المحامين عن القيام بواجبهم من خلال ملاحقتهم والتضييق عليهم".
اقتناص رموز المعارضة
وأكد القيادي في جبهة الخلاص والمتحدث باسم حزب حراك تونس الإرادة عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تهم التآمر بمثابة نصب مصائد لاقتناص رموز المعارضة في غياب أي أسس قانونية أو براهين يقبلها العقل. فمن الواضح أن الأمر يتعلق بافتعال ملفات على أساس وشايات لاستهداف المعارضة، وتحديداً جبهة الخلاص التي تعد المعارضة الرئيسية للنظام".
واعتبر أن "منطلق ملفات التآمر وشايات وتدوينة ورسالة وتصريح صحافي، وهذا أصبح خطراً محدقاً وأمراً خطيراً جداً، وفيه تراجع كبير عن المكاسب التي تحققت منذ سنوات".
وأفاد السيفاوي بأن "الجميع يطالب النيابة العمومية بتوضيح أسس ملفات التآمر، ولكن لم يتم ذلك، وبالتالي فإنه يتم توظيف أجهزة القضاء لتصفية المعارضة".
وشدد على أن "تهمة التآمر استخدمها الاستبداد على مر التاريخ من الاستعمار الفرنسي ونظامي بورقيبة وبن علي"، مستدركا بأنه "اليوم أصبح الجميع مهدداً بتهم التآمر". وتابع أن "توحيد المعارضة وتقريب وجهات النظر أصبح يعد تآمراً على أمن الدولة".