تتجه الأمم المتحدة إلى حشد جهودها لدعم المسار الانتخابي في ليبيا كطريق وحيد متبق أمامها لحل الملفات العالقة، وعلى رأسها إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، بعد أن أخفق مؤتمر برلين الثاني، الذي انعقد قبل أمس الأربعاء، في حلحلة خلافات الدول المتدخلة في البلاد.
وليل البارحة بدأت اللجنة الاستشارية، المؤلفة من 17 عضوا من ملتقى الحوار الليبي، في اجتماع تشاوري في تونس ولمدة ثلاثة أيام، للتمهيد لجلسة عامة للملتقى تنطلق الاثنين في سويسرا.
وبحسب بيان للبعثة الأممية، فإن هذا الاجتماع جاء بعد دعوة البعثة لمجلس النواب لتوضيح الأسس الدستورية للانتخابات، موضحا أن الاجتماع جاء "بناءً على طلب بعض أعضاء الملتقى بغية التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا العالقة، ووضع اقتراح واحد للقاعدة الدستورية للانتخابات البرلمانية والرئاسية".
وطالب اللجنة الاستشارية بالتمهيد لجلسة الملتقى العامة في سويسرا لـ"وضع حد للمأزق المتعلق بالقاعدة الدستورية"، من خلال رفع توصيات للملتقى حول آلية للفصل في شكل القاعدة الدستورية.
وحث المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبتيش، أعضاء اللجنة الاستشارية على العمل بـ"جدية للتوصل إلى أوسع حل توافقي ممكن بالبناء على مقترح اللجنة القانونية"، لافتا إلى أن هذا التوافق سيكون ترتيباً مؤقتاً يمكّن البلاد من إجراء الانتخابات والشروع بالانتقال السياسي.
اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي تعقد اجتماعاً تشاورياً لمدة ثلاثة أيام تمهيداً لاجتماع الملتقى في سويسرا في 28 حزيران/ يونيو
— UNSMIL (@UNSMILibya) June 24, 2021
نص البيان: https://t.co/mtLc05iMIT
كلمة المبعوث الخاص في افتتاح الاجتماع https://t.co/Bj8jfG4pkw pic.twitter.com/E91JLUwVIw
وترى الباحثة الليبية مروة الفاخري أن لجوء البعثة الأممية إلى ملتقى الحوار السياسي مرة أخرى جاء بعد استمرار مجلس النواب في وضع عراقيل أمام الأساس الدستوري للانتخابات المقبلة، بالإضافة لاستمرار خلافه العميق مع المجلس الأعلى للدولة بشأن ذلك.
وقالت الفاخري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن البعثة قد تلجأ مرة أخرى للملتقى كبديل عن المؤسسات التشريعية، للمصادقة على القاعدة الدستورية إذا استمر مجلسا النواب والدولة في العرقلة، مضيفة أن "البعثة ما تزال في حاجة لمجلس النواب لاعتماد القاعدة الدستورية، وستضطر للجوء إلى ملتقى الحوار مرة أخرى كبديل عن مجلس النواب بحسب نصوص خارطة الطريق لاعتماد القاعدة".
وحذرت الباحثة الليبية في الوقت ذاته من مغبة عدم اعتراف الأطراف الليبية بنتائج الانتخابات إذا تم فرضها من الخارج.
ورغم أن البعثة قد أعلنت منذ الأسبوع الماضي عن موعد اجتماع اللجنة الاستشارية في تونس تمهيدا لاجتماع عام لملتقى الحوار في جنيف يوم 28 من الشهر الجاري، إلا أن الفاخري ترى أن كلمة كوبيتش الافتتاحية لجلسة اللجنة الاستشارية تعكس اتجاها دوليا جديدا أفرزه مؤتمر برلين الثاني، بعد أن أخفق في حسم ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
ورغم المشاركة الدولية الواسعة في المؤتمر، وبحضور ليبي رسمي لأول مرة ممثلا برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والوفد الوزاري الذي رافقه، إلا أن البيان الختامي للمؤتمر ركز في خلاصاته على إلزام الأطراف الليبية بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ودعا البيان الختامي إلى العمل على إنهاء الترتيبات الدستورية اللازمة لها، بالإضافة لإصلاح القطاع الأمني ووضعه تحت سلطة مدنية، فيما جاء الملف الأبرز والمتعلق بإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب فضفاضا دونما ضمانات أو خطة زمنية محددة لتنفيذه.
وبهذا الخصوص، يوضح الناشط السياسي الليبي، ضو الكموني، أن المجموعة الدولية في برلين، بعد أن رأت تجاهلا روسيا من خلال خفض تمثيلها في المؤتمر وإصرار تركيا على شرعية وجود قواتها في ليبيا من خلال الاتفاق الذي وقعته مع حكومة الوفاق في ليبيا سابقا، تحاول دفع المشهد الليبي إلى إفراز سلطة جديدة حرة من أي ارتباط مع الأطراف المتدخلة في ليبيا، ليسهل عليها عملية إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
ولفت الكموني، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المؤتمر كشف عن حسابات دولية معقدة في ليبيا، واعترف ضمنا بأنها حسابات تحتاج لحلول خارجية وليست ليبية.
وقال إن "خفض روسيا تمثيلها في المؤتمر تزامنا مع تمثيل ضعيف للإمارات بمثابة رسالة ضمنية منهما تقول إن رحيل المرتزقة لن يكون في هذه المرحلة"، مضيفا أن هذا ما أدركه المشاركون في المؤتمر.
وأكد الكموني أنه بالرغم من الإصرار الدولي على إرجاء الانتخابات في موعدها المحدد، إلا أن الطريق إليها ما يزال غير ممهد وغير مضمون، موضحا أن تحركات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، في الجنوب قبل أيام من برلين "رسالة من شركائه في روسيا والإمارات تقول إن بإمكانهم بعثرة كل الحسابات والأوراق، ولذا جاءت لهجة البيان الختامي لبرلين هادئة ودون إجراءات ملزمة، وتراجعت لهجة تهديد المعرقلين بالعقوبات".
وتابع "اتجاه المجتمع الدولي لتيسير انتخابات حكومة جديدة يمكنها أن تقول للقوات الأجنبية ارحلي وتفك ارتباطها بها غير مضمون"، مشيراً إلى أن "الأطراف المحلية يمكن أن تستبدل وجوها بوجوه أخرى موالية لها والوضع يبقى كما هو". ووفق رأي الكموني فأصل الأزمة يتمثل في "استمرار وجود السلاح خارج شرعية الحكومة وأبرز تجلياته حفتر وقواته".