بعد الرفض الشعبي الواسع الذي واجهه خلال السنوات الماضية، وانتهى بقرار تجميده العام الماضي، عاود البرلمان العراقي طرح مشروع قانون جرائم المعلوماتية، المثير للجدل بسبب احتوائه على بنود وفقرات اعتبرت أنها تحُدّ من حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. كما يحدّ مشروع القانون، بحسب منتقديه، من حقّ التظاهر والتجمعات السلمية في الشوارع والساحات التي حدّدها بموافقات مسبقة، مع منح القانون الحقّ في رفضها.
قانون جرائم المعلوماتية أمام البرلمان العراقي
وطرح البرلمان يوم الإثنين الماضي، مشروع قانون جرائم المعلوماتية للقراءة الأولى، حيث يقضي النظام الداخلي للبرلمان بأن يحصل أي مشروع قانون على ثلاث قراءات تشتمل على مناقشات لبنوده، قبل التوجه إلى جلسة التصويت عليه.
طرح تشريع قانون جرائم المعلوماتية، جاء بعد إعادة تقديمه بطلب رسمي من الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، إلى رئاسة البرلمان. وقالت وزيرة الاتصالات هيام الياسري المنتمية لـ"حركة عطاء" التي يتزعمها رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، في بيان: "نتقدم بالشكر والامتنان إلى مجلس النواب العراقي لاستجابتهم بتشريع مشروع قانون (جرائم المعلوماتية) لما يمكن أن يعود به ذلك من تنظيم لوسائل التواصل الاجتماعي التي تسودها الفوضى حالياً، حتى يكاد يتفرد العراق نسبةً لدول العالم في التأخر بتشريع هذا القانون".
التوجه بقراءة القانون داخل البرلمان للمرة الأولى منذ 2011 يعتبر خطوة متقدمة قد تنذر بتمريره
وأضافت الياسري أن "تأخير تشريع هذا القانون خلال السنوات السابقة، أدى إلى انتشار ظواهر الابتزاز الإلكتروني والإساءة للقيم والأعراف الاجتماعية والعائلية بدواعي حرية التعبير وعدم تكميم الأفواه، في الوقت الذي تبنت فيه جميع دول العالم المتحضرة والديمقراطية تنظيم محتوى الإنترنت بقوانين مماثلة حفاظاً على النظام العام وحمايةً للنسيج المجتمعي".
والقانون المثير للجدل، موجود في البرلمان منذ عام 2011، إبان حكومة نوري المالكي، وقد قوبل برفض واعتراضات كبيرة من قبل الناشطين والقوى المدنية العراقية، بسبب احتوائه على فقرات وبنود اعتبرت قابلة للتأويل وتحد من حرية التعبير. وأدت هذه الاعتراضات إلى تأجيل البتّ في المشروع أكثر من مرة على مدى الدورات الانتخابية الماضية، لكن التوجه بقراءة القانون داخل البرلمان يعتبر خطوة متقدمة قد تنذر بتمريره.
ويتضمن قانون جرائم المعلوماتية أكثر من 20 مادة أدرجت تحتها فقرات عدّة، نصّت جميعها على عقوبات متفاوتة تصل للحبس 30 عاماً، وغرامات مالية تصل إلى 100 مليون دينار عراقي (حوالي 69 ألف دولار) وركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.
ومن أبرز المؤاخذات على القانون المطروح، منح السلطات إمكانية محاكمة المدونين على قضايا مثل إنشاء حسابات إلكترونية بأسماء غير الأسماء الحقيقية لأصحابها، وعدم التفريق بين الانتقاد والسبّ للشخصيات العامة والمؤسسات، وكذلك تقييد الوصول إلى المعلومات وحق نشرها، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الفساد. كما يُلزم القانون المطروح من يريد التظاهر إخطار السلطات قبل يوم على الأقل وانتظار الموافقة من عدمها مع عقوبات مترتبة على المخالفين.
وفي 8 مايو/أيار 2021، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، بياناً قالت فيه إن البرلمان العراقي قرّر عدم المضي في عرض مسودة قانون جرائم المعلوماتية، وذلك بعد لقاء لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي مع عدد من سفراء الدول الأجنبية وممثلي منظمات دولية وحقوقية مختلفة. واعتبرت المنظمة ذلك بأنه "يمثل انتصاراً لحرية التعبير على الإنترنت في العراق". وذكرت المنظمة في بيان لها حينها، أن البرلمان العراقي قال إنه سيتوقف عن عرض مشروع قانون جرائم المعلوماتية، إلى "ما بعد تعديله بحيث يحمي حرية التعبير بدلاً من التعدي عليها".
ووفقاً للمنظمة فإن القانون كان سيسمح للسلطات العراقية بمقاضاة أي شخص يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي أو ينشر على الإنترنت ما لا يتوافق مع رؤية السلطات، من خلال اعتبار المحتوى تهديداً تعسفياً للمصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية.
وأكدت المنظمة التي تتخذ من مدينة نيويورك الأميركية مقراً لها، أن مشروع القانون يضع "إمكانية معاقبة المعارضة في المجتمع المدني"، علماً أن القانون المطروح اقترح أيضاً فرض قيود خارجية على الاتصالات الإلكترونية. ويمكن للعقوبات التي يفرضها القانون، بما في ذلك الغرامات الباهظة والحد الأدنى من أحكام السجن، أن يكون لها تأثير مثبط على حرية التعبير، بحسب المنظمة.
ولفتت "هيومن رايتس ووتش"، إلى أنها "عارضت مشروع القانون باستمرار لقدرته على قمع المعارضة". وأضافت أن الحكومة العراقية "لم تقدم بعد نسخة معدلة من القانون إلى البرلمان، وستواصل هيومن رايتس ووتش مراقبة هذا الأمر وجميع المبادرات الأخرى التي تهدف إلى خنق حرية التعبير، وهو أمر ضروري لإبقاء الجمهور على علم وأمان".
من جهته، أقرّ النائب عن "الإطار التنسيقي"، كريم عليوي، في حديث مع "العربي الجديد"، دعم تحالفه للقانون والعمل على تمريره. وأضاف عليوي أن "الحكومة وقوى الإطار وقوى سياسية أخرى داعمة بقوة لتشريع قانون الجرائم المعلوماتية، لما له من أهمية كبيرة، مع الزيادة الكبيرة في الجرائم التي ترتكب من خلال الابتزاز والتسقيط (التشويه السياسي والاجتماعي) وغيرها من الأساليب غير القانونية التي تمارسها جهات داخلية وحتى خارجية بدفع من بعض الأشخاص في الداخل".
وبيّن عليوي: "لا نريد من خلال تشريع هذا القانون تهديد الحريات أو تكميم الأفواه كما يحاول البعض الترويج، بل نريد القضاء على الجرائم الإلكترونية والتعدي على الآخرين"، مؤكداً أن "لا مساس سيحصل بمسألة التظاهرات أو التعبير عن الرأي".
مطالبات برلمانية بالتعديل
لكن النائب المستقل سجاد سالم، شدّد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "قانون جرائم المعلوماتية، يواجه برفض وملاحظات من قبل الكثير من النواب، خصوصاً المستقلين، لما يتضمن من تهديد واضح وصريح لحرية التعبير ومن تكميم للأفواه". وبرأيه، فإن "هذا ما تريده الكثير من الجهات المتنفذة، حتى لا تلاقي أي انتقاد لفسادها أو فشلها".
يواجه مشروع القانون برفض قوي داخل البرلمان، ويعمل نواب على جمع تواقيع لردّه للحكومة لتعديل بنوده
وبيّن سالم أن "القانون يجب ألا يكون هدفه الأساسي تهديد حرية التعبير وتكميم الأفواه، وهو ما لن نسمح به". وأكد أن النواب المعترضين على مشروع القانون "سيعملون على تعديل بعض فقراته قبل تشريعه". وقال في هذا الصدد: "لن نكون جزءاً من تشريع أي قانون يهدد الحريات ويقمع الأصوات التي تنادي بالإصلاح والتغيير وكشف الفساد والفاسدين".
وأوضح النائب المستقل أن "بعض فقرات قانون جرائم المعلوماتية تخالف الدستور العراقي الذي منح (للمواطنين) حرية التعبير، وكذلك تقيّد عمل الصحافة والإعلام في الحصول على المعلومة، ولهذا فإن القانون بصيغته الحالية سوف يلاقي رفضاً سياسياً وشعبياً كبيراً خلال المرحلة المقبلة".
وكان عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي هادي السلامي، قد اعتبر في تصريح صحافي الإثنين الماضي، أن "رئاسة مجلس النواب انتهكت النظام الداخلي للمجلس من خلال إدراج قانون جرائم المعلوماتية ضمن جدول أعمال الجلسة دون علم النواب، خصوصاً أن هذا القانون مرفوض من قبل النواب ولا يمكن إقراره بصيغته الحالية، فهو يهدد حرية 41 مليون عراقي".
وأضاف السلامي أن "مشروع قانون جرائم المعلوماتية يحتوي على مخالفات قانونية ودستورية كبيرة، لأن المادة 38 من الدستور تنص على حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي، والمادتين 5 و20 من الدستور، تنصان أن الشعب مصدر السلطات، وهذا القانون يحتوي على مخالفات لا تتناسب مع المواد الدستورية". وبحسب السلامي، فإن عملاً سيجري لـ"جمع تواقيع من الكثير من النواب من أجل سحب القانون من قبل الحكومة العراقية وتعديله وفق الدستور العراقي، وبخلاف ذلك سوف نعمل على منع تمريره".
وفي السياق ذاته، اعتبر عضو التيار المدني أحمد حقي، أن القانون "مُفصّل على مقاس القوى السياسية الإسلامية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوى الإطار التنسيقي تريد تمريره لأنه يزيد من سيطرتهم على المشهد". وقال: "من غير المعقول أن أذهب إلى السجن لأني انتقدت شخصية عامة، أو لأني قمت بإنشاء حساب على موقع فيسبوك للتعبير عن رأيي خوفاً من كواتم وسيارات المليشيات المظللة".
بدوره، قال الناشط المدني البارز زين العابدين الحسناوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "بعض الجهات والشخصيات المتنفذة والحاكمة هي من تقف وراء محاولة تشريع قانون يهدد حرية التعبير وقمع الأصوات التي تريد أي عملية إصلاح أو تغيير، كونها هي وحدها المستفيدة من وضع العراق الحالي، ولذلك فإنها تريد قمع أي صوت يعمل على إزاحتها".
وأكد الحسناوي أن "القوى المدنية والحراكات الشعبية المختلفة، سيكون لها موقف بكل تأكيد من تشريع هكذا قانون، وموقف رافض، وذلك من خلال الاحتجاج السلمي والقانوني على ما يتضمنه هذا القانون من مخالفات صريحة للدستور العراقي".
وحذّر الناشط المدني البارز من أن "قانون جرائم المعلوماتية إذا ما شُرّع وفق صيغته الحالية، فسيؤدي إلى قمع الحريات وتكميم الأفواه، وسيهدّد من يريد الانتقاد وكشف الحقيقة بالسجن والغرامات المالية".